في السنوات 2012 و2013 و 2014 راهن كثيرون على حنكة وصبر ودهاء الرئيس الانتقالي هادي. عند كل نقد أو تشكك أو تنبيه، كان عديدون يتبرعون للذود عن شخص الرئيس (رغم أن شخصه، كموظف عام كان في مأمن) وسلوكه المحبط والفاسد وغير المسؤول بحسبان أن وراء هذه المخازي حكمة ودهاء لا تدركها أبصار الناقدين!
كما في المجتمعات المتأخرة حضاريا، يستغرق مثقفون وكتاب وصحفيون وسياسيون جهدهم في الدفاع عن السلطة ضدا على معارضيها.
لكل سلطة مثقفوها الذين يتولون تغطية خطاياها، وتنميق عيوبها، وترويج "اباطيل" تحرف الأنظار عن سلوك الرئيس باتجاه مشاريع خرافية يستبطنها، ومكنونات تحمل السعادة للناس العاديين الذين لا يرونها لكنهم مطالبون بالصبر والغفران و(أحيانا) الاستغفار عما يمكن أن يعتبر شركا في الرئيس الأب كلي القدرة.
خلال السنوات الـ3 الماضية تمتع هادي بحماية من [b]وجهين[/b]:
_ هو الرئيس الذي خلف صالح في الرئاسة بعد ثورة شعبية، وهذا وفر له فترة سماح طويلة، لم يسبق لحاكم أن تمتع بها في اليمن منذ عقود. صبر الشعب على هادي أملا في "رئيس مختلف" جاء إلى الرئاسة في نظام سياسي صاغه صالح على صورته؛
_ وهو الرئيس التوافقي الذي حكم، في المرحلة الانتقالية، بدون معارضة صريحة. فالأحزاب والقوى السياسية تتقاسم معه السلطة، والمجتمع الدولي مجمع عليه، ومنظمات المجتمع المدني والأهلي والممثلون المنتقون لساحات الثورة الشبابية، فضلا على ممثلين مزعومين للحراك أو للجنوب، يؤيدونه. وهو الرئيس الذي يتصدر واجهة "صناعة الإجماع" في المرحلة الانتقالية. كل هذا التأييد والمباركة لكنه فشل في انجاز أي من مهام المرحلة الانتقالية التي جاء من أجل تنفيذها، وصولا إلى انتخابات رئاسية في فبراير 2014 تأتي برئيس اعتيادي.
إلى أين أخذت "اليمن" صناعة الإجماع، وفرق الحماية الرئاسية المشكلة من الكتاب واصحاب المواقع والناشطين وممن صاروا في المرحلة الانتقالية "أنصار هادي"؟
إلى أين اخذت "اليمن" غنائيات المبعوث الدولي السابق حول حكمة هادي وعن المعجزة التي حققها في موفنبيك؟
إلى الحرب.
إلى هذا الخراب العميم في اليمن.
إلى هذا الانهيار الكارثي لمؤسسات الدولة.
إلى هذا التفكك الخطير للجمهورية بما ينذر بحروب أهلية لاحقة.
إلى هذا الاهتراء في النسيج الوطني اليمني والانبعاث الغرائزي الثأري لـ"هويات" ما قبل وطنية في مختلف أرجاء اليمن.
إلى هذا الجرح العميق في الشخصية اليمنية، الذي يتطلب معجزات حقيقية، لا معجزات هادي التي لا تتنزل أبدا على "العربية التعيسة"، لمداواته واستنقاذ اليمنيين من "فوضى" عارمة" تظهر لها "معالم على الطريق" إلى مشروع هادي التفكيكي للدولة.
نقد هادي والحكومة والأحزاب المؤيدة له، أو المتحالفة معه بالاضطرار، ليس الحق فحسب، بل هو الواجب الاخلاقي على أي يمني يستفظع ما جرى لليمنيين في المرحلة الانتقالية بعد ثورة الناس العاديين في 2011 التي ازاحت الرئيس السابق من السلطة.
ترويج الأوهام التي انتجتها "صناعة الإجماع" خلال المرحلة الانتقالية لم يأخذ اليمن إلى المستقبل بل ارتد به إلى القرون الوسطى حتى الآن. ومشروع الرئيس هادي نفسه، ومعه الإصلاح وقادة المشترك، يرتد باليمنيين إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح عليه السلام. والموقف المسؤول الآن، واليمن في عين "العاصفة"، هو مراقبة سلوك هذا الرئيس وعدم الركون إلى "المكنونات" و"الاستيهامات" التي يسوق لها "أنصار الرئيس هادي"، وترك ثقافة "الإرجاء" بزعم أن الصبر على الحكام من قوة الإيمان، وأن العاقبة لليمنيين الصابرين فراديس على الأرض المدججة بالميليشيات.
اليمن في اللحظة الحرجة. والأصل في التعاطي مع مسؤولين مجربين هو عدم الثقة والتشكك بل والترصد لأي خطأ أو شبهة فساد. ورسالة المثقف هي النقد، والنقد دائما خصوصا إزاء رئيس لم يعد إلى عدن بمجهوده وكفاءته وجدارته و"مهاراته" السرية التي لم يتح لليمنيين الاطلاع عليها، وإنما بفضل حملة عسكرية وديبلوماسية سعودية_ عربية كلفت عشرات المليارات والأف الأرواح.
المسؤولية الوطنية والاخلاقية تتجلى في نقد الرئيس هادي وحكومة الشراكة بصرامة.
الامتناع عن الترويج لـ"خرافات" هادي ومستشاريه، هو "فريضة" وطنية في اللحظة الراهنة التي تستلزم أولا استنقاذ كيان الدولة واستنهاض اليمنيين ضد الميليشيات ومشاريع احتكار التميثيل باسم المذهب أو المنطقة.
التبجيل والتنميق والاختلاق والإرجاء هي المهام الموكلة، في عصور الانحطاط، إلى "فقهاء السلاطين" الذين صاروا في القرن الـ21 يرتدون ربطات عنق!