شعر وأدب

مآتم وأعراس

كيف كنّا يا ذكريات الجرائمْ
مأتما في الضياع يتلو مآتمْ

كيف كنّا قوافلا من أنين
تتعايا هنا كشهقات نادم

و قطيعا من البراءات يهوى
من يديّ ذابح إلى شدق لاقم

و مضينا يسوقنا سيف جلّاد
وتجترّنا سكاكين ظالم

***

ضاع في حطونا الطريق فسرنا
ألما واجما على إثر واجم

و السكون المديد يبتلع الحلم
و يسري في وهمنا و هو جاثم

و الدجى حاقد يبيع الشياطين
فنشري من التبور التمائم

و خطانا دم تجمّد في الأشواك
جمرا و في الصخور مياسم

ورياح الثلوج تشتمّ مسرانا
فتشوي وجوهنا بالشتائم

***

كيف كنّا نقتات جوعا و نعطي
أرذل المتخمين أشهى المطاعم ؟

و جراحاتنا على باب "مولانا
" تقيم " الذباب " منها ولائم

و هو في القصر يحتسي الشعب خمرا
و دما و الكؤوس غضبى لوائم

و يرائي و في حناياه دنيا
من ضحايا و عالم من مآثم

فنفدّيه و هو يغمد فينا
صارما مدمنا و يستلّ صارم

و يشيد القصور من جثث الشعب
المسجّى و من رفات المحارم

و يغطّي بالتاج رأسا خلاياه
و أفكاره ذئاب حوائم

و تلال من الحراب و كهف
من ضوار و غابة من أراقم

***

كف كنّا ندعوه مولى مطاعا
و هو " للإنجليز " أطوع خادم

هدّنا الضعف فادعى قوّة " افلجنّ "
و بأس الردى و فتك الضياغم

فتحاماه ضعفنا و اتّخذناه
إلها من " شعوذات " المزاعم

عملق الدجل شخصه وهو قزم
تتظنّاه قاعدا و هو قائم

و صبيّ الشذوذ و هو عجوز
نصفه ميّت … و باقيه .. نائم !

و أثيم أيّامه … للدنايا
و لياليه للبغايا … الهوائم

و يداه يد تجرح شعبا
ويد تقطف الجراح " دراهم "

***

و يولّى على الوزارات و الحكم
رجالا كالعانسات النواقم

و لصوصا كأنّهم قوم " يأجوج "
صغار النهى كبار العمائم

و طوال الذقون شعثا " كأهل
الكهف " بل كالكهوف صمّ أعاجم

يحكمون الجموع و العدل يبكي
و المآسي تدمي سقوف المحاكم

تارة يرقصون فوق الضحايا
و أوانا يشرّعون المظالم

فيسمّون شرعه الغاب حزما
إن أصابوا فالذئب أحزم حازم

و يصلّون و المحاريب تستفتي
متى تصبح الأفاعي … حمائم ؟

و يعودون يلفظون الحكايا
مثلما تنثر النثيل البهائم

و يميلون يعبرون الرؤى خيرا
وشرّا من خاطر الغيب ناجم

كلّهم متحف الغباء …. و كلّ
يدّعي أنّه محيط المعاجم

فيلوكون من " مريض " التواريخ
حروفا من فهرسات … التراجم

و ينيلون " باقلا " ثغر " قسّ "
و يعبرون " مادرا " جود " حاتم "

كيف هنّا فقادنا أغبياء
و لصوص متوّجون أكارم ؟

و صغار مؤنثون و غيد
غاليات الحلى رخاص المباسم

***

هكذا كان حاكمونا و كنّا
فنحرنا فينا خضوع السوائم

و انتظرنا الصباح حتّى أفقنا
ليلة و هو ضجّة من طلاسم

أترى قامت القيامة أم هبّ
العفاريت يطحنون القماقم ؟

و أصخنا تفسّر الوهم بالأوهام
و الظنّ بالظنون الرواجم

ووراء الضجيج إيماء رعد
يزرع الشهب في يديه خواتم

و الدجى يعلك السكون و يعدو
مثلما تعلك الخيول الشكائم

و سألنا ماذا ؟ فأومت طيوف
زاهرات البنان خضر المعاصم

و تحدّى صمت القبور دويّ
شفقيّ الصدى عنيد الغماغم

و العيان الكبير ميعاد رؤيا
أنكرت صدقه العيون الحوالم

و إذا فاجأ اليقين على الشك
حسبت اليقين تهويل واهم

***

و هنا حرّق الغيوم انفجار
و الصدى يعزف اللّهيب ملاحم

فتراخى " قصر البشائر " كالشيخ
و لاذت جدرانه بالدعائم

و احتمى بالقوى فضجّ عليه
لهب عارم يلبّيه عارم

و حريق يدمي قواه و يمضي
و حريق جهنّميّ …. يهاجم

فارتمى في اللّظى الأفيال
حمر الرؤوس جرحى القوائم

و تع إلى الدخان و النار فاللّيل
نهار صحو الأسارير غائم

و تنادى الشروق من كلّ أفق
ثورة فانبثي الربىلا يا نائم

فإذا مأتم أعراس
نشاوى مزغردات نواعم

***

أشرق الثائرون فالموت عرس
و أنين الحمى لحون بواسم

وارتعاش الخريف دفء ربيعيّ؛
وصيف داني العناقيد دائم

و الجراح التي على كلّ شبر
أثمرت فجأة و كانت براعم

***

من رأى الثائرين زحفا من الخصب
وزحفا من شامخات العزائم ؟

و صباحا ضافي الشروق مطلا
و صباحا في شاطئ اللّيل عائم

و شبابا توهجوا فانطفى " نيرون "
وانهار أغبر الوجه فاحم

و استثاروا دفء الحياة فمات الم
وت ؛ و انقضّ عرشه و هو راغم

و أطلّت وجوههم من وراء
اللّيل ؛ كالصحو من وراء الغمائم

و مشوا تزرع الدروب خطاهم
موسما طيّبا يجرّ مواسم

و شموسا هواتفا و انتصارا
حاسما يهتدي على إثر حاسم

و الضحى في الدروب يمرح كالأ
فراح ؛ في أعين الصبايا النواعم

***

فتهادت مواكب الشعب ألوانا
كنيسان مائج الحسن فاغم

و توالت حشوده الكثر تشدو
فالربى و السهول شاد و باغم

و نسينا في غمره البشر … عهدا
أسود القلب أحمر السيف قاتم

كلّما عب جيفة مدّ للأخرى
كؤوسا كحنجرات … الضراغم

كان حكّامه ذبابا عليها
من صديد الجراح أخزى المعالم

و ذئابا بُلهاً قطيعا
قسّمونا و استجمعونا غنائم

***

فانقسمنا برغمنا و سألنا
أين أين القربى ؟ و أين المراحم ؟

أوَ ما نحن إخوة أمّنا الخضراء ؟
فيم اختصامنا ؟ من تخاصم ؟

أنجبتنا هذي البلاد فأنهت
بدع الفنّ قبل بدء العوالم

و غذتنا تآخينا كان أبقى
من ربى ريفها ووهج العواصم

***

فمضوا يطعمونا الحقد حتّى
جهل المرء قصده و هو عالم

و تمادوا في الهدم حتّى كسرنا
معول الحقد في يدي كلّ هادم

و دفّنا حكم الشذوذ رفاتا
واحتشدنا نتوّج الشعب حاكم

و التقينا نمدّ للفجر أفقا
من دم التوأمين " عاد " و " هاشم "

و مراحا من تضحيات " البلاقيس "
و مغدى من تضحيات " الفواطم "

فانطلق حيث شئت يا فجر إنّا
قد فرشنا لك الدروب جماجم

وزحفنا نهدي الهدى و مددنا
من قوانا إلى الأعالي سلالم

و سمونا صفّا مبادئه الحبّ
و غاياته سماء المكارم

***

و أضأنا حتّى انثنى سارق الإسلام
عريان يحتمي بالهزائم

و اشرأبّت أرض النبيّ تدوّي
من " سعود " ؟ أطغى و أغشم غاشم !

و غبيّ سلم لكلّ عدوّ
و هو حرب على أخيه المسالم

من رآه يرجو " حسينا " و يهذي ؟
من يقينا هولا من النار داهم ؟

فيعود الجواب عنه سؤالا
هل لطاغ من غضبه الشعب عاصم ؟

زر الذهاب إلى الأعلى