تبدو الأزمة السورية اليوم في اعقد حالتها واسوأ صورها وخصوصا بعد ان تدخل الدب الروسي بخيله ورجله. منذ ان بدأت هذه الازمة لم تخف موسكو دعمها ووقوفها مع بشار واستمرارها في كل مرة بالذب عنه في وسائل الإعلام وفي ردهات الأمم المتحدة بل وحتى باستخدام الفيتو مرات ومرات في مجلس الأمن لإيقاف أي عقوبات أو توجيه ضربات لهذا النظام الفاقد لشرعيته.
اذاً اليوم أصبحت المسألة واضحة وبشكل كبير، وبدأ اكبر وضوحا، ان الروس هم من يقفون خلف هذا الدميه بشار الذي لم يرعوِ ولو ليوم واحد عن قتل وتهجير المدنيين السوريين وذبحهم بشتى أنواع السلاح حتى المحرم منه (الكيماوي) والبراميل المتفجرة. ونعرف كيف تدخلت في هذه القضية روسيا وانقذت بشار من العقاب المزعوم الذي كان سيطاله.
روسيا بدا وان لها استراتيجية واضحة وهي الوقوف إلى جانب هذا الدكتاتور ودعمه وخصوصا عندما لم تجد رادعا لها لا من أوروبا الضعيفة ولا من الولايات المتحدة المتخاذلة تحت إدارة أوباما. فقد جربت روسيا أوروبا والولايات المتحدة في أوكرانيا عندما ابتلعت القرم ولم تجد هناك أي حراك يتناسب مع مستوى الحدث غير فرض عقوبات اقتصادية على روسيا اضرت كذلك بأوروبا نفسها.
وعندما رأت روسيا تلك الخطوط الحمراء الوهمية التي تحدث عنها أوباما والتي تذكرنا بخطوط الطول والعرض في مادة الجغرافيا انها ليست الا اوهاما. عندها قرر الدب الروسي اليوم الدخول للمنطقة بأحلام الحرب الباردة والعودة من جديد لأحياء امبراطورية القياصرة. وهذا التردد الأميركي في الواقع هو السبب الأول، الذي فتح الباب لروسيا ولبوتين في التقدم بل وقد يكون لدى موسكو اليوم الكثير من الخطط للذهاب بعيدا وخصوصا اذا استمرت هذه السلبية الأميركية وترددها.
في الواقع ان القارئ على ارض الواقع للأحداث ليصاب بالدهشة من هذا التقدم الروسي في ظل عدم المواجهة لكبح جماح هذا الدب الذي استيقظ من سباته الشتوي. وخصوصا، ان روسيا قد كشفت اوراقها وافصحت عن نواياها وبقي ان نترقب في الأيام القليلة ردات الفعل الدولية وخصوصا من حلف الناتو. فعلى اقل تقدير واقل ما يمكن ان يقدمه هذا الحلف ان كان جادا في مواجهة هذا الصلف الروسي وغير راض عن ما يفعله بوتين. ان يقدم دعما واضحا للمعارضة السورية وذلك بدعمهم بالسلاح النوعي خصوصا ان السلاح النوعي هو ما كان ينقص فصائل المعارضة السورية للتقدم بشكل اكبر واسرع.
واذا نتحدث عن هذا السلاح نتحدث عن مضادات الطيران التي قدمتها من قبل الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان عندما غزا في تلك الحقبة ما سمي بالاتحاد السوفيتي أفغانستان. وكانت تلك الأسلحة النوعية صواريخ(STINGER) هي من غير كفة الحرب لصالح المجاهدين الأفغان وعندها تمكنوا من دحر الاتحاد السوفيتي والحقوا الهزيمة بجيشة.
كذلك تقديم التدريب لفصائل المعارضة والجيش الحر وهنا نقصد التدريب واسع المجال ولأعداد كبيرة وعدم الاشتراط عليهم بعدم مجابهة قوات بشار وهذا الطلب الأغرب من نوعه وكأنه صادر من الكرملين خطيا. حيث تتم قواعد الاشتباك بعيدا عن النظام القاتل لشعبه وهو مصدر الإرهاب ومغناطيسه. ان لم يتم تدريب وتسليح قوات المعارضة وعلى رأسها الجيش الحر اليوم لدحر قوات بشار ومليشيات إيران الإرهابية. فذلك يعني ان هناك اتفاق خفي ما بين الروس واميركا على هذا التواجد الروسي داخل سورية.
خصوصا اذا ما عرفنا ان هذا التدخل جاء بطلب من إيران كان عرابه الإرهابي الأول قاسم سليماني عندما زار موسكو في يوليو الماضي وعرض خارطة سورية للمسؤولين الروس وكيف انهم لم يعد باستطاعتهم عمل شي لسورية وانهم يستجدون التدخل الروسي لقلب ميزان المعركة كما يظنون وبالذات اذا عرفنا ان النظام الغاشم لم يعد يسيطر على اكثر من 18% من الأراضي السورية. اذا التحضيرات لذلك لم تكن وليدة اللحظة مما يوحي بأن هناك نوايا مبيتة.
كذلك، ان يكون هناك منطقة حظر أو منطقة آمنة طالبت بها دول الخليج وتركيا من قبل، منطقة يحظر فيها الطيران توفر بيئة آمنه تقي المدنيين السوريين شعواء هذه الحرب ولؤاها. ولو تم فرض هذه المنطقة من قبل لكان بالإمكان انقاذ آلاف الأرواح ان لم تكن مئات آلاف من بطش النظام المجرم الذي لا يأبه بحياة السوريين فجميع من لا يريده أو يقاتل معه أو لا يقع تحت سيطرته هو إرهابي على حد وصفه. كما ان هذه المنطقة لو تم وضعها لخففت من الهجرة بل قد تكون منعت هذا النزوح الملاييني للسوريين تجاه البلدان المجاورة لهم أو حتى عبورهم البحار وتعريض حياتهم للمآسي والأخطار والموت غرقا كما رأيناه على شاشات التلفزيون. اذاً خلال الأيام القادمة ستتضح معالم هذا الغزو الروسي وهذا العدوان هل تم بتنسيق مع الدول العظمى ام ان أميركا لها حساباتها الخاصة ومازال هناك الكثير من المفاجآت والحديث عنها.
روسيا بعدوانها اليوم تكون قد أظهرت عدائها للعرب وخصوصا انه كان هناك اكثر من زيارة بين موسكو ودول عربية وخليجية حتى يتم التنسيق والتقارب بل والعمل على رفع مستوى العلاقات بين هذه البلدان وموسكو إلى اعلى المستويات وعلى عدة اصعدة. منها العسكري والسياسي والاقتصادي والتعاون في مجال الطاقة النووية وغيره من المجالات الحيوية. وكان لمثل هذه العلاقات ان تزدهر وان تثمر وخصوصا في ظل انكفاء الدور الأميركي في المنطقة وخفوت بريقه. الا ان الذهنية الروسية يبدو انها مازالت تعيش عقدة أفغانستان والشيشان. فقد فاجأت الجميع بدخولها الفج وبعدوانها على الأراضي السورية بل وطلب المباركة من الكنيسة الارثوذكسية.
وبعد هذا كله تريد ان تقول للجميع انها أتت لتحارب الإرهاب (داعش). انها بذلك تصب الزيت على النار وتعطي الذريعة الأكبر لهذا التنظيم بزيادة مكينته الدعائية بأنه يتصدى اليوم لحملة صليبية روسية. والكل يعلم ان روسيا لم تأت لمحاربة داعش وانما أتت لتدعم نظام بشار وان تقوم على مصالحها ببناء قاعدة بحرية لها في طرطوس. ان البلدان العربية تفهمت عندما حاولت التقارب مع روسيا بأنها دولة ترتبط بسورية منذ زمن وان لديها مصالح في دمشق يجب مراعاتها وقد لاقى ذلك الترحيب من دول المنطقة.
الا ان بوتين بعناده استبدل الذي هو ادنى بالذي هو خير. فلم ينظر إلى علاقات واسعة وكبيرة مع المنطقة بل رأى ان تبقى علاقاته مع الأقليات كما يحبون الترويج له بأنهم هم الذين يدافعون عن هذه الأقليات. وفضل ان يبقى على الساحل السوري. ان الغرض من وجود روسيا اليوم هو ضرب المعارضة السورية والجيش الحر الذي ينكر وجوده الروس تارة وتارة يقولون انهم مستعدون للحوار معه والتعاون. تناقضات تدل على ان وجودهم لا يمثل الا دعما لهذا النظام عندما رأى الروس ان بشار وإيران لم يعودا قادرين على حمايته من السقوط عندها أتوا ظنا منهم انهم سيتمكنون من ذلك.
ما سيفعله الروس انهم قد يطيلون امد الأزمة ويزيدون عدد الضحايا من المدنيين وغيره الا انهم لن يستطيعوا بإذن الله من كسر إرادة شعب قرر الخلاص من مجرم لا يمت لهذا البلد ولا ادل على ذلك من جرائمه اليومية بحق شعب سورية، فقد فاق إسرائيل في خراب وتدمير الأراضي العربية. ما تريده روسيا هو التصدي للمقاومة والجيش الحر لأنه هو مستقبل سورية حتى ان ضرباتها قد تركزت عليه ولم ينل داعش الا اقل من 5%. والسبب واضح ومعروف لان داعش لا يريده احد ولا يخيف وانما هو ذريعة لكل من أراد التدخل في سورية بأنه يريد قتال الإرهاب. على الروس اليوم ان يستعدوا لكل السيناريوهات بأنهم سيواجهون مقاومة لن تسمح لهم بأن تكون سورية نزهة بل قد تكون أفغانستان هي النزهة.
او حتى ان يفكروا انهم قد تورطوا في مستنقع ارادت لهم الأطراف الدولية الكبيرة توريطهم فيه حتى يدفعوا ثمن احتلالهم للقرم في أوروبا وتطاولهم. وهنا سيخسرون لا محالة السيطرة على سورية وسيخسرون صداقة وعلاقة كان من الممكن ان تكون مع اغلبية العرب والمسلمين. والأمور تحتمل المزيد من التصعيد.
*باحث في العلاقات الدولية وأستاذ بمعهد الدراسات الدبلوماسية