يتحدث كثيرون عن مذكرة مزعومة من الحكومة تطالب نجل الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح بالعودة إلى اليمن للتحقيق حول أسلحة "منهوبة"..
خطوة جيدة من حيث المبدأ لكنها من حيث التوقيت والظرف ليست أكثر من ورقة سياسية تستخدم لتحقيق أهداف على الضد من مصالح الناس والدولة. أو هكذا نفهم وفق المعطيات والأوضاع التي يمر بها اليمن.. فالذي يستدعي للتحقيق هو سلطة تفكيك البلاد وتصعيد الجماعات المسلحة!
أليس من المهم طرح السؤال: لماذا لا يتم إصدار مذكرات مماثلة للحوثيين الذين سيطروا على أسلحة مختلفة من ممتلكات الدولة ويحاربون بها الجيش والمواطنين من صعدة إلى الجوف إلى عمران إلى أطراف العاصمة وحتى إلى ذمار؟ لماذا لا يتم توجيه مذكرة بالتحقيق في استيراد الحوثيين لأسلحة خطيرة ونحو 15 ألف عبوة ناسفة في سفينة واحدة قال مسؤول أمني إنها تكفي لقتل نصف اليمنيين؟
**
يمكن تفهم أن صالح وأقاربه حكموا البلد لعقود وخاضوا حروباً وخاصموا وعادوا.. وعندما تم إبعادهم من السلطة آخذوا مجموعة من الأسلحة لتأمين أنفسهم أو حتى لأهداف أخرى وربما دعموا جماعات تخريبية كما تقول بعض المزاعم، وهذا أمر متوقع وفق ظروف الخروج من السلطة. لكن الذي لا يمكن تفهمه: لماذا يلتقي وزير الدفاع بقائد جماعة مسلحة قتلت آلاف الجنود والمواطنين وتحارب إلى اليوم؟ ولماذا رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة يتخلى عن دوره ويساوي بين جيش الدولة والمتمردين على الدولة؟
قبل أن نحاسب أحمد علي عبدالله صالح على 40 ألف بندق وغيرها زعموا نهبها من الحرس الجمهوري علينا أن نحاسب وزير الدفاع والرئيس الحالي على حدود 40 ألف كيلومتر من مساحة اليمن سمح للحوثي بالتوسع فيها وعلى إقراره إلغاء الجمهورية اليمنية وتقسيمها إلى معازل مناطقية وطائفية والتراجع عن الوحدة خلافاً للقسم الذي أداه أمام الشعب بالحفاظ على الوطن ووحدته وأمنه واستقراره.
**
الحديث عن الأسلحة المنهوبة من قبل "أحمد علي" - مع ترك الحوثي وخطوات السلطة المدمرة - فقاعة إعلامية يُراد من خلالها تشويش الصورة على الرأي العام وحرف الأنظار عن القضايا الأهم المتمثلة في وصول الجماعات المسلحة إلى أطراف العاصمة وسط تواطؤ واضح من القيادة العليا ووزارة الدفاع.
استعادة "الأسلحة المنهوبة" وفق الظرف والمعطيات كلمة حق يُراد بها باطل؛ ومسعى لإحباط دعوات المصالحة لأن استمرار الخلافات السياسية بين القوى الرئيسية يظل البيئة الأفضل والزاد الأول والأخير لتصعيد جماعات اللادولة وبقاء البلد تحت الوصاية والتدخلات الدولية.. فلو كان النظام الحالي مسؤولاً ويدافع عن الجمهورية ويمنع الانهيار ويضبط الدولة، يمكن أن نبدأ بخطوات استعادة أسلحة منهوبة مزعومة. أما عندما يُستخدم هذا غطاء للابتزاز وصرف الرأي العام عن القضايا الخطيرة بتخلي قيادة الدولة عن واجبها تجاه المواطنين وتطبيعها مع الجماعات المسلحة، فهذا آمر آخر!
**
في هذا التوقيت والظرف السياسي، والجماعات المسلحة على أبواب العاصمة أصبح واضحاً أن الحملات التي تستهدف صالح هي نفسها الحملات التي تستهدف "الإصلاح" في محاولة لفرض المعادلة التي أشرنا إليها في تناولات عديدة وفصّلناها، وهي: تمهيد الوضع في الشمال لطرف وحيد وقوة طائفية. حيث يتم بعث الهويات والانتماءات المذهبية ويتم تسليحها وتمهيد الطريق لها للقضاء على الهوية الوطنية الجامعة لليمنيين والدولة الوطنية. على أن الحوثي نفسه أداة يتم تشجيعها ولن تنجح في نهاية المطاف.
الرئيس السابق علي عبدالله صالح عسكري قبيلي وصل إلى السلطة وحكم البلاد فترة من الزمان، أصاب وأخطأ وأُغري بالتوريث والبقاء في السلطة والفتنة بينه وبين القوى الأخرى. لكنه في النهاية يمني عسكري وإن أخطأ التصرف وهو مسؤول في وسائل إعلامه على الأقل إلى الآن عن السكوت عن توسع الجماعات المسلحة.
**
يدخل المؤتمر والإصلاح في تصنيف سياسات النظام الحالي ومن يشجعها من الأطرف الدولية تحت عنوان واحد وهو "القوى التقليدية". أي القوى التي قامت على أساس وطني وشروط وأهداف سياسية، سواء خالفت أو وافقت أهدافها لكنها قامت على هذا الأساس.
وفي مقابل ذلك يتم تصعيد "القوى الحداثية" وهي الجماعات الطائفية والمذهبية والمناطقية التي يعول عليها تمزيق النسيج المجتمعي ثم الاحتراب فيما بينها حتى تنتهي معالم الدولة وتنتهي البلاد.
ولتحقيق هذا الهدف يمكن استخدام قضايا تعطى للجماهير لتناولها للتخدير ولابتزاز الأطراف السياسية، على غرار "الأسلحة المنهوبة" و"الأموال المنهوبة".. وهي عناوين ترددت كثيراً قبل ومع احتلال العراق. بحيث يتم آخذ الناس إلى اهتمام ب"أموال مزعومة" ومهما كانت حقيقية أو مزيفة، تستخدم كغطاء لنهب بلد لا يقدر بثمن وتدمير دولة من الأساس إلى الرأس.
ثمة طريق يمكن عبوره لتأمين بلد 26 مليون مواطن ومحاولة تقادي طريق العراق والصومال. هذا الطريق هو المصالحة الوطنية.. أحمد علي عبدالله صالح وكل الأطراف المفترض أنها حريصة على البلاد مدعوة إلى هذا الطريق وعدم الانحباس بمعارك إقليمية لا تنطبق مع الواقع اليمني وكذلك خلافات 2011. أما الأسلحة المنهوبة فنقول بكل وضوح: لقد جرى خلال المرحلة الانتقالية تدمير الجيش ونهب الكثير من سلاح الجيش وممتلكات الدولة أضعاف مضاعفة لما يجري الحديث عن نهبه من النظام السابق.
مهما كانت الأسلحة المزعومة لدى صالح فإن المطلوب هو المصالحة الوطنية والاصطفاف الوطني. وقد أثبتت الفترة الماضية أن الجميع (مؤتمره وإصلاحه وصالح وغيره) مستهدفون بنفس الزاوية في سبيل تمهيد الطريق للأسوأ وهو جماعات الطائفية والأهداف والشعارات الغامضة.
**
من المهم في هذا السياق أن نشير إلى الخطاب للرئيس السابق صالح بمناسبة رمضان، حيث حمل دعوة غير مسبوقة للمصالحة ولم يكن خطابه محملاً بالهجوم على الأطراف كما هو معتاد، كما أشاد برجال القوات المسلحة والأمن الذين يواجهون الإرهاب والحاقدين على الجمهورية. خطاب مهم ومسؤول يجب التعامل معه بحدية ودعوة الرئيس السابق إلى تحويله إلى واقع في وسائل الإعلام مثلما نوجه الدعوة إلى الأطراف الأخرى بالتعامل المسؤول معه.
علي عبدالله صالح مع كل ما له وعليه ونصيبه من المسؤولية عن الوضع الذي آلت إليه البلاد، لا يزال أقرب إلى اليمن من المجهولين الدوليين وميليشيات الموت وزعماء الاتحادات. فالباحثون عن مخرج دولي إنما يجلبون نكبة مستدامة للبلد، أما المصالحة فهي الطريق الأفضل والممكن عند طرح الأحقاد.