الطرف العربي الخليجي والطرف الإيراني يتحدثان بلغتين مختلفتين، لغة الدولة والمصالح العربية والخليجية في جهة، ولغة الميليشيا والمصالح الفارسية والطائفية في جهة أخرى.
فاجأنا أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، عربا وخليجيين، على هامش زيارته الأخيرة إلى طهران بتصريح وصف فيه علي خامنئي (مرشد الجمهورية الإيرانية) بأنه مرشد المنطقة كلها، معلنا استعداد الكويت لفتح صفحة جديدة بين البلدين. لا يمكن تصور هذا التصريح من خليفة أمير الحرية جابر الأحمد، وولي عهده بطل التحرير سعد العبدالله، وعليه وجب تذكير الأمير بما يعرفه قبل غيره.
في عام 1983 وقعت سبعة انفجارات في العاصمة الكويتية، منها تفجير السفارة الأميركية والسفارة الفرنسية، تبعتها محاولة اغتيال أمير الكويت (جابر الصباح) عام 1985. أدينت خلية تابعة لإيران، ترأسّها مصطفى بدرالدين القائد العسكري ل(حزب الله) لاحقا والمتهم باغتيال رفيق الحريري، بجرم العمليات الغاشمة. تم الحكم على المذكور بالسجن لكنه لم يكمل العقوبة بسبب فراره إثر الغزو العراقي للكويت.
ردا على سجن بدر الدين ورفاقه، قام عماد مغنية برفقة مسلح إيراني- سوري (حسين مرتضى) باختطاف طائرة كويتية (الجابرية) في أبريل 1988 في محاولة لإطلاق سراح رفاق السلاح الإيراني، تضرجت بمقتل مواطنين كويتيين. ونذكّر الشيخ صباح بأن من سمّاه مرشدا للمنطقة كان رئيسا لإيران خلال الأحداث المؤلمة التي استهدفت الكويت، ولعله يشرح لذوي شهداء الكويت مسببات إنعامه بالخلافة على المسؤول عن قتل أبنائهم، ويشرح الفرق بين تصريحه، وقيام بعض النواب الكويتيين بواجب العزاء في مغنية عام 2008.
السلوك العدائي الإيراني تجاه دول الخليج وغيرها لم يتغير، في عام 2010 استدعت البحرين والكويت سفيريهما من طهران بسبب كشف شبكات تجسس إيرانية هدفها الإضرار بالمصالح الاقتصادية والأمنية في البلدين. في عام 2012 ضبطت السلطات اليمنية ست خلايا تجسس إيرانية هدفها دعم التنظيمات المتطرفة والمسلحة. وفي عام 2013 أوقفت السلطات السعودية خلية تجسس إيرانية من 27 فردا (24 من المواطنين، إضافة إلى تركي ولبناني وإيراني) مهمتها جمع معلومات عن مواقع حيوية في المملكة.
لو اتسعت نظرتنا لتشمل العالم العربي ستتضخم قائمة الجرائم الإيرانية، بدءا من تفجير الخبر بالسعودية عام 1996 التي تدل قرائن عدة على تورط إيران في تدبيرها من خلال (حزب الله). دخلت إيران إلى فلسطين فتفرغ الفلسطينيون لقتال بعضهم بدلا من العدو الإسرائيلي، ودخلت إلى العراق فشن حليفها نوري المالكي حربا طائفية على شريحة من شعبه، ولم تستثنى اليمن أو سوريا، من جحيم التدخلات الإيرانية. ويكفي إيران جرما إيواؤها لبعض قادة تنظيم القاعدة واستهداف الخليج والعرب عبرهم (أبو سليمان المكي، سيف العدل المصري، سعد بن لادن، سليمان أبو غيث، أبو حفص الموريتاني، صالح القرعاوي وماجد الماجد).
الحديث عن حزب الله التابع عضويا لإيران يفتح بابا واسعا من الجرائم: الحزب متهم باغتيال شهداء ثورة الأرز اللبنانية بدءا من رفيق الحريري وليس انتهاء بمحمد شطح، وإيواء قتلة الزيادين (2007)، واستهداف طائرة للجيش اللبناني أسفر عن مقتل قائدها وسام حنا ثم احتلال بيروت وترويع الجبل في أحداث أيار 2008 التي ذهب ضحيتها 100 مواطن لبناني، إضافة إلى اختطاف جوزيف صادر وانتهاك السيادة المصرية عام 2009، تفجير انطلياس (2011)، محاولة اغتيال النائب بطرس حرب (2012)، ومشاركة السفاح بشار الأسد في إبادة شعبه.
ما دخلت إيران بلدا عربيا إلا وتضعضعت الدولة وانصرف المواطنون إلى قتال بعضهم بدلا من الدخيل والإرهابي، وهي تشترك مع إسرائيل، عقلا ومسلكا، في احتلال أراض عربية وشهوة الهيمنة والنظرة المتعالية على العرب. استطاعت إيران، بجدارة، أن تسحب رصيدا من الكراهية التي تستحقها إسرائيل لصالحها بفضل السياسات الضيقة وجرائم عملائها التي تتجاوز أحيانا الجرائم الإسرائيلية.
لا أحد يعترض على الحوار مع إيران أو التفاعل السياسي معها، ولا أحد ينكر تقلب موازين السياسة، لكن على أمير الكويت، أولا، أن لا يخلط بين حجم بلاده المحدود ومكانتها الغالية في قلوب العرب والخليجيين بلا حدود. على أي أساس نصّب (خامنئي) مرشدا علينا وبأي حق؟ ومكافأة على ماذا؟ الإرهاب أم التجسس؟ الفتنة أم التشييع المسلح؟ عليه، ثانيا، أن يشرح لشعبه وحلفائه وجيرانه سبب التودد المجاني لإيران، هل غيرت بعض سلوكها ومواقفها أو تعهدت بتغييرها؟ هل تعتقد الكويت أنها قادرة، بمفردها، على تحقيق ما عجز عنه غيرها الأهم حجما ومكانة إقليمية ودولية؟
نتفهم تماما قراءة الجغرافيا السياسية لموقع الكويت كوردة غارقة بين ثلاث أشجار عملاقة (السعودية، العراق وإيران). وإن كان مفهوما تملص الكويت من مقاطعة الخليج الدبلوماسية للدوحة لدواعي الوساطة، فإن هذا التفهم لا ينسحب على الملف الإيراني لأنه أكبر من الكويت ومن غيرها ولأن ظروفه مختلفة. كما أن اقتحام دولة محدودة القدرات والتأثير ومخترقة داخليا في هذا الأتون لن يظهرها إلا بشكل الجثو المهين، ولعل في تصريح أمير الكويت دلالة صريحة على ذلك.
يوم جلوسنا إلى طاولة التفاوض مع إيران بعيد نسبيا، لأن الطرف العربي الخليجي والطرف الإيراني يتحدثان بلغتين مختلفتين، لغة الدولة والمصالح العربية والخليجية في جهة، ولغة الميليشيا والمصالح الفارسية والطائفية في جهة أخرى، كما أن التوقيت في اللحظة الراهنة غير مناسب إلى حين تغير موازين الصراع في المنطقة لصالح العرب والخليجيين. ومن هذا المنطق أجد الدعوة السعودية لوزير الخارجية الإيراني غير موفقة.
من حق مؤسسة الحكم في الكويت أن تهرول إلى ظلال طهران المحرقة على حساب محيطها الجريح إذا أرادت، ومن حق أميرها أن يعلن خامنئي مرشدا له ولبلاده، لكن لا يحق له أن يفرض من لا يستحق على ما لا يملك. رحم الله جابر الأحمد وسعد العبدالله، ورحم ضحايا الخليج والعرب في وجه آلة الغدر الإيرانية ونظامها الإرهابي البشع.