قالت مصادر مقربة من تنظيم "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" بأن الهجوم الذي استهدف مجلس عزاء للجان الشعبية في مدينة جعار بمحافظة أبين مساء السبت، كان بواسطة عبوة ناسفة موضوعة داخل خزان مياه صغير "ترمس" تمكن أحد عناصر تنظيم "القاعدة" من التسلل إلى المكان ووضعه هناك ثم تفجيره عن بعد وليس بواسطة انتحاري، كما تناقلته بعض وسائل الإعلام.
وفي حين لم يعلن تنظيم "القاعدة" رسمياً مسؤوليته عن الهجوم، قالت المصادر نفسها إن الهجوم الذي أودى بحياة 56 شخصاً وإصابة أكثر من 43 آخرين، استهدف عناصر اللجان الشعبية التي نظمت مجلس العزاء، وذلك انتقاماً منها لدورها في القتال إلى جانب القوات الحكومية والطيران الحربي الأمريكي ضد عناصر تنظيم "القاعدة" وجماعة "أنصار الشريعة" المرتبطة به، وإجبار المقاتلين المتشددين على الانسحاب من مدينتي زنجبار وجعار في يونيو الماضي.
وتحدثت المصادر التي طلبت عدم كشف هويتها، إلى صحيفة "الغد" عن تفاصيل العملية، التي أثارت استياء العديد من الأوساط اليمنية، مشيرةً إلى أن أحد عناصر تنظيم "القاعدة"، كان يرتدي حزاماً ناسفاً، تمكن من الدخول بالمتفجرات إلى مجلس عزاء أقيم في منطقة باتيس التابعة لمدينة جعار، نظمه قائد اللجان الشعبية عبداللطيف السيد لأحد أقربائه قتل قبل يومين في مواجهات مع مسلحي التنظيم، الذين تفيد المعلومات بعودتهم إلى المدن التي كانوا انسحبوا منها.
وأوضحت بأن العبوة الناسفة كانت موضوعة في خزان صغير من البلاستيك (ترمس)، يستخدم عادة في المناطق الحارة لحفظ المياه الباردة، حيث حمل الانتحاري هذا (الترمس) ودخل به إلى منزل العزاء، دون أن يشتبه به أيّ من الحضور، الذين تعاملوا معه على أنه أحد المعزين، سيما وانه كان يحمل معه (ترمس) مياه الشرب الذي تحول في لحظات إلى خزان للموت منها أثناء التواجد في العزاء الذي يتناول فيه المعزين "القات".
وقالت ذات المصادر إن (الترمس) يتسع لنحو 15 لتراً من المياه، وأنه كان يحتوي على مادة (تي إن تي) شديدة الانفجار، تم إعدادها للتفجير عن بعد، ولفتت المصادر إلى أن الانتحاري الذي كان يرتدي حزاماً ناسفاً، كان مستعداً لتفجير نفسه في حال تم اكتشافه أثناء دخوله إلى مجلس العزاء، وأنه غادر المنزل ثم قام بتفجير العبوة الناسفة من مكان قريب وشاهد بنفسه عملية التفجير.
وأشارت مصادر محلية في مدينة جعار إلى أن هذا الهجوم الذي يؤكد من خلاله تنظيم "القاعدة "، عودته القوية إلى المناطق التي كان انسحب منها، كان بمثابة انتقام من قائد اللجان الشعبية عبداللطيف السيد، الذي كان انضم إلى مقاتلي جماعة "أنصار الشريعة"، في بداية سيطرتها على مدينة جعار أواخر مارس 2011، قبل أن يعلن انشقاقه منها وينضم إلى اللجان الشعبية التي شاركت في العمليات القتالية ضد "القاعدة" في أبين منذ منتصف شهر مايو الماضي وانتهت منتصف يونيو بانسحاب المسلحين المتشددين من مدن محافظة أبين بعد عام وعدة أشهر من سيطرتهم عليها. وتابعت المصادر بأن الهجوم أثار حالة من الغضب في أوساط المواطنين، بقدر ما أثار أيضاً حالة من الرعب في صفوف بعض مقاتلي اللجان الشعبية الذين أعلنوا تخليهم عن السلاح وتعهدوا بعدم القتال ضد عناصر "القاعدة".
وفي هذا السياق أشارت المصادر نفسها إلى أن مجلس العزاء المستهدف بالتفجير كان يتواجد فيه عدد من المسئولين المحليين والعسكريين والأمنيين في المحافظة، وزعماء بعض لجان القبائل الشعبية، حيث أصيب ثلاثة من مرافقي وكيل المحافظة أحمد الرهوي الذي نجا من التفجير، كما نجا رئيس اللجان الشعبية في جعار عبداللطيف السيد، وقتل ثلاثة أشقاؤه، كما قتل أربعة آخرون من أسرة واحدة، بالإضافة إلى معلومات عن سقوط عدد من الأطفال بين قتيل وجريح.
وفي حين قالت هذه المصادر بان 3 من ضباط الجيش والأمن بينهم قائد كتيبة برتبة مقدم كانوا في مجلس العزاء قتلوا في التفجير، أكدت بأن جماعة "أنصار الشريعة" يعيدون ترتيب مواقع لهم في عدد من مديريات محافظة أبين والتي كانوا انسحبوا منها تحت ضغط ضربات الجيش، وطائرات التجسس الأميركية قبل نحو شهرين، وألمحت هذه المصادر إلى مخاوف السكان من إعادة الأوضاع في أبين إلى ما كانت عليه قبل تحريرها من سيطرة "القاعدة" ومسلحي "أنصار الشريعة" خصوصاً وأن المسلحين ينفذون ضربات موجعة لقوات الجيش في عدد من النقاط العسكرية والأمنية التي تتعرض لهجمات مباغتة، كما تتعرض تجمعات قبائل "اللجان الشعبية" التي لعبت دوراً محورياً في تحرير المحافظة من سيطرة المسلحين المتشددين إلى جانب الجيش، وقدرت المصادر عمليات "القاعدة" في أبين خلال شهرين بعشرات العمليات "الإرهابية" سقط فيها عشرات القنلى والجرحى معظمهم من قوات الجيش والأمن، والقبائل الموالية للدولة.
وعقب الهجوم نفذ أفراد من الجيش واللجان الشعبية حملة عسكرية لتعقب عناصر "القاعدة" بمدينة جعار بمحافظة أبين، تمكنوا خلالها من القبض على خمسة "إرهابيين" مفترضين من عناصر "القاعدة" بينهم أربعة من قيادات التنظيم، وفقاً لوزارة الدفاع اليمنية، التي أشارت في موقعها الإلكتروني "26 سبتمبر" نقلاً عن مصدر محلي بأن "احد الإرهابيين المقبوض عليهم كان يرتدي عباءة نسائية".
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم يعد الأكبر من نوعه ينفذه مقاتلو "القاعدة" منذ مايو الماضي، ويأتي بعد أربعة أيام فقط من ظهور عشرات المقاتلين الذين ينتمون لجماعة "أنصار الشريعة" بشكل علني في عدد من أحياء مدينة جعار، ثاني أكبر مدن محافظة أبين، والتي كانت الجماعة أعلنتها إمارة "وقار" الإسلامية، وانطلقت منها للسيطرة على مدن أخرى أعلنتها أيضاً إمارات إسلامية.
وأوضحت مصادر أمنية ومحلية، بأن الأيام السابقة شهدت العديد من المواجهات والاشتباكات بين اللجان الشعبية ومسلحي "أنصار الشريعة"، استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، مشيرة إلى أن الأسبوعين الماضيين شهدا بين الحين والآخر اشتباكات مماثلة ولكنها كانت محدودة جداً، وأن المواجهات التي حدثت مساء الاثنين 31 يوليو كانت هي الأقوى منذ انتهاء العمليات العسكرية.
وتأتي هذه التطورات وسط معلومات كشفتها مؤخراً مصادر أمنية وأخرى مقربة من تنظيم القاعدة، تقول إن التنظيم يسعى للتواجد مجدداً في المناطق والمدن التي سبق لعناصره الانسحاب منها، خاصة مع محدودية التواجد والانتشار الأمني لقوات الأمن اليمنية، وضعف دور السلطات المحلية الحكومية في مختلف مدن ومناطق محافظة أبين، وهو الأمر الذي لم يكن متوقعاً من قبل "القاعدة".
من جانبه، دان الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني هذا الهجوم الذي وصفه بأنه "عمل إجرامي جبان ينتهك كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية". وعبر الزياني، في تصريح صحافي نقلته وسائل الإعلام الرسمية الخليجية، عن ثقته بأن "مثل هذه الأعمال الإرهابية والتخريبية التي ترتكب في اليمن الشقيق لن توقف مسيرته الوطنية نحو الإصلاح والتغيير وإعادة البناء في ظل قيادة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحكومة الانتقالية برئاسة دولة رئيس الوزراء محمد سالم باسندوة".
ودعا أمين عام مجلس التعاون الخليجي "كافة القوى والشعب اليمني إلى التكاتف وتوحيد الجهود لمواجهة ظاهرة الإرهاب الدخيلة على المجتمع اليمني والتي تتنافى مع عاداته وتقاليده وقيمه العربية والإسلامية". مؤكداً دعم ومساندة دول مجلس التعاون للجمهورية اليمنية في كل ما تتخذه من إجراءات من أجل تعزيز أمن اليمن واستقراره وحماية المجتمع اليمني المسالم من أخطار الأعمال الإرهابية.