تقارير ووثائق

أرامل الحرب في اليمن.. ماذا بعد عودة خاتم الزواج في تابوت؟

يقول تقرير لموقع دويتشه فيله الألماني (DW عربية) إن الحرب المستعرة نارها في اليمن منذ سنوات تحصد الأخضر واليابس وحيوات مئات آلاف العوائل. تبقى النساء من أرامل الحرب في اليمن من بين الفئات الأكثر تضرراً في مجتمع تقليدي ينظر للمرأة على أنها "ضلع قاصر"، وحيث يعود خاتم الزواج للقتلى في تابوب. 


لم يكن أمام اليمنية، أمان، وهي أم لطفلين، في الـ20 من عمرها، سوى الرضوخ للضغوط الاجتماعية بالزواج من شقيق زوجها، الذي قُتل خلال الحرب المستمرة في البلاد، منذ أكثر من سنوات، وخلفت أعداداً كبيرة من الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن، ليواجهن مصائرهن في ظروف مأساوية في الغالب. وتُجبر البعض من أولئك الأرامل، على الزواج من أقارب المتوفين أو يقفن في وجه الضغوط ويبدأن حياة جديدة، تختلف باختلاف الأسر أو الأعمار وغيرها من الاعتبارات.

تنحدر أمان، من إحدى ضواحي صنعاء الشرقية وتفيد لDW عربية، أنها تزوجت وما يزال عمرها 14 عاماً، إلا أن زوجها التحق بجبهات الحرب بين مسلحي جماعة الحوثيين المعروفين ب"أنصار الله" والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً، في مديرية "نِهم" شرق صنعاء. وبينما ولدت زوجته طفلتها الثانية في العام 2016، عاد عبدالله إلى أسرته جريحاً، وبعد أن تعافى حاولت أمان إقناعه، ألا يذهب مجدداً إلى "الجبهة" وأن يبقى لها ولطفليها، إلا أنه أصر على الذهاب. 

 

"الاستعاضة" بشقيق الزوج

تواصل أمان حديثها ودموعها تنهمر، أنه "لم يعد إلينا إلا في الصندوق، فتحتُ الصندوق لرؤيته وتوديعه (ميتاً) لكنني لم أر سوى يده التي عليها خاتم زواجنا"، وعقب ذلك، قضت أمان شهور "العِدة" (الفترة الشرعية بعد وفاة الزوج أو الطلاق التي يجب على المرأة انتظارها قبل الزواج من جديد)، في منزل أهلها، قبل أن يأتي إليها والد زوجها القتيل، يضعها أمام خيار الزواج بشقيقه للحفاظ على طفليها أو أن يأخذ طفليها، وهو ما دفعها للقبول بالزواج بشقيقه، حتى لا تفارق طفليها.

يعد زواج "الأرملة"، المرأة التي تفقد زوجها بالحرب، من شقيق زوجها أو أحد أقاربه، أحد أكثر الخيارات التي تدعمها العادات والتقاليد والضغوط الاجتماعية، بمناطق متفرقة باليمن في إطار ما يُعرف ب"الاستعاضة"، وهو ما حصل مع أمان، ومثلها خديجة، البالغة من العمر 35 عاماً، وهي أم لأربعة أطفال، إذ لم يكن أمامها من خيارٍ للبقاء مع أطفالها في منزل زوجها الذي قضى بغارة جوية سوى الارتباط بشقيقه زوجاً جديداً، ومع كونه خياراً يتم تحت الضغوط الاجتماعية بالغالب، فإنه بالنسبة لأخريات، قد لا يكون هناك من أسرة القتيل، من يتزوجها، إذا ما كان الخيار الأقل مرارة، في مرحلة ما بعد رحيل الزوج.

 

العيش مع الأمل

وبالرغم من ذلك، لا يعد الزواج بشقيق أو قريب الزوج القتيل/المتوفي، أمراً لا مفر منه دائماً، فعلى عكس أمان وخديجة، ما تزال "فاطمة" تقاوم الضغوطات والقيود المجتمعية، بعد نحو عام ونصف على مقتل زوجها أحمد، بغارة جوية، استهدفت أحد المواقع العسكرية الخاضعة للحوثيين. وتعتقد فاطمة، البالغة من العمر 30 عاماً، أن زوجها قد لا يكون قُتل بالضرورة، إذ لم تستطع التعرف على جثته عندما أُحضرت للدفن، حيث ملامح وجهه كانت قد اختفت.

ما يزال الأمل يراود فاطمة بأن زوجها قد يعود، والسبب في ذلك، كما تروي لDW عربية، هو قصص يتم تناقلها، عن صديقة لها، تُدعى "خلود"، عاد زوجها بعد عامين على أنباء مقتله، إذ اتضح أنه كان أسيراً، ليفُاجأ سكان القرية التي تقطنها غرب صنعاء بعودته بينما كانت زوجته على وشك الزواج بآخر، وهو ما يمنح فاطمة الأمل، بينما تعمل على "ماكينة خياطة" للملابس لتوفير ما يطعم أطفالها الثلاثة، إلى جانب تسملها معونة غذائية ومبلغاً مالياً لا يتجاوز 20 ألف ريال (بحدود 80 دولار)، من إحدى الجمعيات، كل ثلاثة أشهر.

 

بين بيع الرياحين وحمل السلاح

تتعدد مصائر الأرامل اللاتي يقتل أزواجهن في الحرب، من الزواج بآخر (كشقيق القتيل) أو سواه، وبين مواصلة الحياة بظروف صعبة، دون شريك، وخصوصاً بالنسبة لأولئك، اللاتي صار لديهن عدد من الأطفال، يتحولن إلى معيلات لرعايتهم، كما هو حال بلقيس (تتحفظ عن تقديم هويتها الكاملة بسبب الحساسيات المجتمعية)، في الإفلات من القيود المجتمعية. فبعد عامين على مقتل زوجها في إحدى جبهات الحرب الداخلية، انتقلت بلقيس، بصحبة أطفالها الخمسة، من الريف إلى العاصمة صنعاء، حيث تعمل في بيع نبات الرياحين، ذات الرائحة العطرية، والذي يستخدم بشكل واسع في المناسبات الاجتماعية، وتقول لDW عربية، إنها تبيع حزمة الرياحين الواحدة بنحو 700 ريال، بعد أن اتفقت مع صديقات لها في القرية قبل سفرها تزويدها بكميات الرياحين أسبوعياً لبيعها في الأسواق.

 

إلى جانب ذلك، دخلت الأرامل، على خط التجنيد، وهو الأمر الذي طرأ في سنوات الحرب الأخيرة، على الرغم من محدوديته، حيث نظمت القوات الحكومية في تعز استعراضاً لنساء يحملن السلاح أكثر من مرة، ومثلها استعراضات مسلحة لمواليات للحوثيين ظهرن يحملن الأسلحة وتلقين دورات في استخدام الأسلحة، وهي الاستعراضات التي كشفت الخطابات المترافقة معها، عن دخول "زوجات الشهداء"، ضمن المجندات. ويُسند إليهن، في الغالب، مهام في جهاز الشرطة أو واجبات تنظيمية غير علنية.

الموضوع من المصدر DW من خلال الرابط اضغط هنا

زر الذهاب إلى الأعلى