آراء

كيف تستفيد منك وسائل التواصل؟

تطرق المقال إلى كيفية تحديد وسائل التوصل مثل الفيس بوك وتوتير أو سناب للمعلومات، وكيف تحصل على المعلومات وكيف تبوبها.


ندخل وسائل التواصل ونكتب ونعلق ونعجب ونحن لا نعلم قيمة ما نفعله الا القيمة الشخصية لنا أو لمن يتبعنا أو يقرأ لنا، وهذا يجعلنا مقصرين في الاستفادة الحقيقية والكبرى والعظمى لوسائل التواصل.

تكلمت في مقالات سابقة عن الفيس بوك وتويتر وكيف يمكن أن تستغل طريقتها في معرفة أهمية الشخص أو السلعة في مكان ما، وتكلمت عن طريقة التي يمكن لنا أن نستغل هاتان الوسيلتان لنشر أفكارنا مع الحفاظ على السرية وبدون وجود أصدقاء أو متابعين.

اليوم سأتطرق لكيفية تحديد وسائل التوصل مثل الفيس بوك وتوتير أو سناب للمعلومات، وكيف تحصل على المعلومات وكيف تبوبها، بالطبع نعلم القيمة المادية للفيس بوك وتقدر الآن 250 مليار دولار. وسناب الذي بلغت قيمته السوقية 28 مليار أما تويتر فيبلع حوالي 11.5مليار دولار، ونظرا لأهمية هذه الوسائل نجد لأمير الوليد بن طلال يشترى حصة إستراتيجية في تويتر بمبلغ 300 مليون دولار.

لماذا أصبحت هذه المواقع بهذه القيمة الكبيرة؟ لو حللناها إلى أساسياتها المادية الملموسة لم نجد إلا بعض أجهزة الحاسب (خوادم) وبرنامج ينظم ما يكتبه المستخدمون فقط، هذا كقيمة مادية ملموسة هذه هي موجودات الفيس بوك وسناب وتويتر، وهذه بالطبع لا تبرر المليارات التي تقيم بها. أما حجم الإعلانات فلا يغطي إلا جزءا يسيرا من هذه القيمة.  فعلى سبيل المثال دخل إعلانات جوجل الضخمة تقل عن ثلث دخلها السنوي، ودخل الإعلانات في الفيس بوك وتويتر أقل بكثير من هذه النسبة. وسأعود لاحقا لشرح هذه النقطة

قد يتصور أن الأمير الوليد اشترى هذه الحصة فقط كاستثمار مادي، ولكن عندما نربط الوليد بن طلال مالك الشركة السعودية للأبحاث والتسويق بكم المعلومات المتوفرة في تويتر ستعرف ما هو سر هذه الصفقة التي اهتم بها الإعلام على أوسع نطاق سواء خارجيا أو داخليا.

انتشر في السنوات الأخيرة اصطلاح (Data Mining) الذي يعني منجم المعلومات، وظهر هذا الاصطلاح عندما توسعت شبكة الإنترنت وتعددت مصادر المعلومات فيها في كل المجالات من الطب والهندسة إلى التسوق والسياسة، ولا يمكن أبدا لبشر أن يجمع ويحلل هذا الكم الهائل من المعلومات من نصوص وصور وأفلام. وهنالك حاجة ماسة لدى الشركات الكبرى وحكومات العالم والمؤسسات الفاعلة إلى معلومات جاهزة تحت الطلب مبوبة ومعدة بطريقة احترافية،

قديما كانت محركات البحث كياهوو وأم أس أن (أصبح يسمى بنج) ثم ظهر عملاق البحث جوجل إلى الساحة، كان يتم تبويب المنشورات حسب الكلمات المفتاحية (Key words) كما تم تبويب عمليات البحث التي قام بها المستخدمين هذا في محركات البحث. ولكن عندما دخلت وسائل التواصل الاجتماعي إلى مسرح الانترنت، أصبح من العسير جدا متابعة ما يكتب من منشورات وتعليقات عليها في وسائل التواصل من منشورات أو تغريدات وتسجيل عمليات الإعجاب أو عمل مشاركة أو إعادة تغريده، فهذه المهمة يستحيل أن يقوم مها محرك بحث، فمحركات البحث تفهرس المنشور وتفهرس طلبات البحث فقط ولكن المعلومات الجديدة تكاد تكون أهم كثير من فهرسة كامل المنشور لأن المعلومات الجديدة هي نبض القارئ العادي واهتماماته بكل معنى الكلمة. إذا كبر منجم المعلومات وتشعب.

جاء دور الفيس بوك وتويتر ثم سناب تشات، فقام بعمل برنامج يبحث عن الكلمات المهمة. مثل أسماء الأشخاص المهمين، العلامات التجارية. كصحة وعمل وترفيه وكلمات مثل دواء، سكري، مرض، إرهاب، إسلام، سلاح، ذخيرة.... الخ  قائمة طويلة جدا من الكلمات, وذلك من خلال برامج مخصصة, بل وزادت مصطلحات الانترنت كلمة جديدة كانت في السابق تسمى كلمات مفتاحيه, ولكن بعد تطور الاحتياجات أضيف إليها ما يسمى اصطلاحا كلمات الزناد (Trigger words) فعندما تظهر الكلمات الزنادية تعطى أهمية خاصة, وهذه الكلمات قد تكون ذات أهمية أمنية أو عسكرية أو لها أهمية خاصة لدى احد الشركات الكبرى بعضها يحوي كلمات السر الشائعة الاستعمال في الجماعات الإرهابية أو كلمات تجمع بين متناقضات, ولأوضح هذه, مثلا لو وضع شخص منشورا أو تغريده تجمع بين نيويورك وفعل مضارع مثل نزور أو مستقبلي مثل سنزور, بينما هو يسكن في اليمن أو في الصومال, حينها ستنطلق عملية الاهتمام والمتابعة الآلية في جوجل والفيس و تويتر بل ومتابعة واضع التغريدة خلال جميع حركاته على الإنترنت.

هنا إذن دخلنا مستوى جديد في استخدام الإنترنت، إذ دخل عالم الجاسوسية ولكن ليس عن طريق جيمس بوند بل عن طريق برامج لا تنام ولا تغفل.

أما الكلمات المفتاحية فلها استعمالات، وسأضرب مثال، لو أردنا معرفة حجم الأهمية لشخص ما في السعودية مثلا، سنضع اسمه ككلمة مفتاحية في برنامج التبويب، وسيحسب مرات تكرر هذا الاسم في التغريدات ومرات إعادة التغريد أو في المشاركات والتعليقات وكم شخص أعجب بهذا الموضوع أو التغريدة وكم مرة أعيد تغريدها أو مشاركتها، بالطبع لا يحسب البرنامج هل ذكر بخير أو شر. هل من مؤيد أو معارض أو من محب أو كاره، بل مرات التكرار، فلو كان شخصا غير مهما لما اهتم به سواء معارضة أو تأييدا وبكثرتها تظهر أهمية الشخص المطلوب.

يستغل هذا بعض السياسيين أو النخب هذه المعرفة فيقوم بتحرك صارخ ما أو تصريح قوي أو نشر إشاعة تجعل الكثير يكتبون عنه وكلما زاد العدد حتى ولو سبا أو قدحا. حينها سيصبح رجلا مهما في نظر أصحاب القرار، وسيعمل له حساب، فمثلا قناة فوكس أو سي بي أس أو غيرها يرغب في استضافة شخصية في برنامج معين عن اليمن مثلا، فيطلب قائمة بالأشخاص المهمين في اليمن فيجدون الشخص الذي في قمة اللائحة ممن ذكرت أسمائهم بالمواضيع أو التغريدات ولهذا نرى الكثير من السياسيين أو الإعلاميين يخرجون بتصريحات نارية أو إشاعات حتى يتكرر اسمهم كثيرا في أوقات معينة ولا نعلم لماذا خرجوا بهذا التصرف أو الإشاعة في هذا الوقت.

وكذلك تستعمل هذه الطريقة لحساب أهمية منتج ما أو علامة تجارية ما، وتستعمل أيضا في دراسات السوق وفي دراسات وسائل الترفيه والكثير الكثير من المجالات السياسية والتجارية والصناعية.

فمثلا إذا أرادت هيئة ما معرفة هل يرغب قاطني منطقة أو دولة ما في إقامة مشروع أو صدور قرار، فتصدر إشاعة عن طريق وسائل الإعلام بفحوى هذا المشروع أو القرار أو ما يقاربه تقوم هذه البرامج بحساب المدخلان بالسالب أو بالموجب، أي كأنها قامت باستفتاء فوري بدون علم المستفتيين.

في الفيس وتويتر تراقب هذه برامج التبويب مرات إعادة التغريد أو المشاركة في الفيس وعمليات تسجيل الإعجاب وتعطي كل عملية من هذه العمليات عدد من النقاط، وهذا يوضع في المعلومات تحت الطلب. مثلا في أحد التغريدات عن دواء لمرض السكري أعيدت مرات التغريد أكثر من 10 ألاف مره، حينها سيسجل البرنامج في قسم الصحة هذا الاهتمام، وسيكون أعلى من الاهتمام بمرض آخر، وهذه المعلومات مفيدة لشركات الأدوية ومسئولي الصحة ومنظماتها.

قد يسأل سائل هل تعمل هذه البرامج على كل اللغات، أقول لا، هذه البرامج تترجم الأفعال والأسماء إلى الإنجليزية وتغض النظر عن غيرها لا يهم بناء الجملة وصحة القواعد فيها، وتحسب كميات التكرار الكلمات.

بالطبع تويتر يقوم بعرض ما أعاد المتابعون لك ومن يماثلهم في السن والاهتمامات التي يعرفونها من خلال حساب تكرار الكلمات المفتاحية أو الزناديه التي غردوا بها, ويضعونها لك في " اكتشف" (Discover) وسيكتشفون أهمية التغريدة عندك من خلال إما فتحها, أو الإعجاب بها أو إعادة تغريدها, وكلما زاد عدد مرات إعادة التغريد تزيد أهمية التغريدة.

كما أن الهاشتاق (#) مهم جدا في تحديد أهمية بعض الأمور وكيف وكم يهتم بها, ولهذه أيضا حسابات خاصة في برامج التبويب بل قد يتعداها إلى وسائل للإعلام ويكاد الاهتمام بالهاشتاق أن يصبح رئيسيا في تحديد أهمية الكلمات المفتاحية ورأينا كم أصبح هاشتاق مثل Je_suis_Charlie من أهم الهاشتاقات في تاريخ تويتر وكيف أدى إلى تجميع القوى في اتجاه واحد

كيف نستفيد من هذا؟

الملاحظ أن العرب قليلو إعادة التغريد وبخلاء بها جدا، بل أن بعضهم يقوم بنسخ التغريدة وإعادة إرسالها دون داع أو سبب أو لسبب تافه، فقط لأن الكثيرين لا يرغبون إعادة تغريدات الآخرين، بينما لو أعادوا تغريدها لأعطت تأثير أعمق وأكبر، وخصوصا عندما نتكلم عن القضايا المهمة مثل ما يحدث في سوريا أو ما يحدث في اليمن أو العراق.

هذا الإحجام عن إعادة التغريد وتسجيل الإعجاب، يجعل أدوات البحث تعطي الموضوع مستوى اقل بكثير من الأهمية الحقيقة بالنسبة لنا، بينما لو تكررت التغريدة مرات كثيرة ولمدة طويلة لتحولت من كلمة مفتاحية عادية قليلة الأهمية حسب تبويب برامج التبويب إلى كلمة زناديه وتعطيها مستوى عالي، مما يحرك أدوات الإعلام ويؤثر في أصحاب القرار. وهذا ينطبق على عمليات المشاركة في الفيس بوك. وكذلك تسجيل الإعجاب في كليهما

نلاحظ مثلا يتم إعادة تغريده عن عمليات التجميل لمطربة ما الآلاف المرات مما يعطي وهما لبرامج التبويب أن العالم العربي مهتم بهذه المغنية ومهتم بعمليات التجميل. ولكن كارثة مثل الجوع عند المهجرين السوريين قد لا يعاد تغريدها أو يعاد بأرقام خجولة، فتخرج برامج التبويب بان هذه القضية أهميتها ضئيلة لدي المواطن العربي.

كذلك لا يعمل العرب على الاستفادة من الهاشتاق, والأسوأ أن أكثر الهاشتقات العربية إما في الرياضة أو في أمور أقل ما يقال عنها تافهة, ولكن برامج التبويب لا ترى ما إذا كان تافها أو لا بل تبوبها على أنها تهم العرب. كما لاحظ نصابي تويتر من الذين يعرضون بضائعهم ويرسلون رسائلهم الدعائية أهميتها مما يفقد حتى الهاشتاقات المهمة قيمتها.

ما الذي اكسب الفيس بوك وتويتر هذه القيمة العالية؟

إذا نظرنا إلى عدد مستخدمي الفيس بوك 2 مليار شخص ومستخدمي تويتر النشطاء حوالي 330 مليون شخص, ومستخدمي سناب النشطاء حوالي 180 مليون شخص، نستطيع تخيل الكم الهائل من المعلومات الداخلية و الموثوقة التي يتم تحصيلها عن أذواق واهتمامات ومشتريات هذا العدد الهائل من البشر، إذ يستحيل القيام بعملية استفتاء رأي لهذه الأعداد الكبيرة جدا بل ومعرفة اهتماماتهم وعلاقاتهم، وبقيام هذه الشركات وغيرها من شركات التواصل الاجتماعي مثل انستغرام جووجل بلاس ولينكدإن وتمبلر وغيرها بفهرسة وتبويب المعلومات أول بأول و أصبحت تعمل كمنجم للمعلومات. ولأننا نعيش في عصر المعلومات وللحاجة الماسة للمعلومة، تدفع لها الحكومات والشركات والمؤسسات المالية والإعلامية وغيرها مبالغ طائلة للحصول على المعلومات الموجودة لديها، معلومات تكون أقرب للواقع أو صورة عن الواقع.  وهذا هو عصب حياة مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها اكتسبت أهميتها العالية.

نحن نتواصل ونطرح أفكارنا ورغباتنا وهواياتنا ورحلاتنا بل وحتى الطعام والعلاقات وهم يبوبون هذه المعلومات لأي مشتري يدفع الثمن ويستفيد منها. إذن هي ليست مواقع مجانية، بل هي تعطينا خدماتها القيمة مقابل معلوماتنا الأكثر قيمة،

أتمنى أن يكون ما طرحت مفيدا للقارئ الكريم وان نعلم كيف تعمل هذه المواقع ولماذا هي مجانية وان نتعلم كيف نستفيد منها في طرح مشاكلنا على العالم وكيف يمكن أن نوصل صوتنا،

 

زر الذهاب إلى الأعلى