
أشياء غريبة تحدث على صعيد الملف الإيراني بصورة عامة، وملف المقاومة الإيرانية بصورة خاصة، هذه الاشياء وعند جمعها مع بعضها البعض والتدقيق فيها، نجد تفاصيل ثمة سيناريو غير مألوف في الطريق.
مشروع الحل الانتقالي المؤقت لسکان معسکر أشرف، والذي بدأ تطبيقه منذ اوائل العام الجاري، لايزال يثير جدلا ولغطا غير عاديين على العديد من الاصعدة، ولئن تؤکد کل واحدة من الاطراف المشارکة في المشروع'منظمة الامم المتحدة، الحکومة العراقية، سکان أشرف وليبرتي، الولايات المتحدة الامريکية والاتحاد الاوربي'، إنها قامت بتنفيذ إلتزاماتها الملقاة على عاتقها، غير ان إلقاء نظرة متفحصة على الذي جرى ويجري على أرض الواقع بصدد هذا المشروع. يبين بوضوح أن المسألة ليست کذلك تحديدا وانما هناك ثمة تباين وإختلاف کبير في تنفيذ تلك الالتزامات بين الاطراف الواردة ذکرها آنفا.
هذا المشروع الذي مثلما يحدد الواجبات يحدد أيضا الحقوق والاستحقاقات، يبدو أن ثقله الاکبر قد کان ولايزال على سکان معسکر أشرف، والذين هم أساس وجوهر القضية، ومنذ شهر شباط الماضي، حيث جرت عملية نقل اول وجبة من سکان أشرف و إلى حد شهر أيار الذي جرت فيه عملية نقل الوجبة الخامسة، والتي جرت کلها على أساس تجاوب سکان أشرف بقبولهم بالحد الادنى من الشروط الواجبة توفرها لعملية النقل، ومع کل ماجرى من ممارسات عدوانية وقمعية وذات طابع ترهيبي من جانب الجيش العراقي، فإن نقل 2000 من سکان أشرف إلى مخيم ليبرتي قد تم، وتوقفت عملية النقل عند الوجبة السادسة والتي تهيأ سکان أشرف لها وصاروا في الحافلات لکنه تم إعادتهم من جانب السلطات العراقية إلى أماکنهم، وبعدها لم تجري أية عملية نقل.
واضح أن سکان أشرف قد کانوا ولايزالون أصحاب المبادرة والطرف الاکثر إستعدادا لتنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتقهم، وقد طلبوا ومنذ اللحظة الاولى الحدود الدنيا من الشروط الواجبة توفرها إنسانيا وقانونيا لإتمام هذا المشروع، وقد أکدوا على عدة نقاط کانت من بينها ضرورة توفر المعايير الانسانية في المخيم الجديد وتوفر الخدمات الاساسية فيها، وکذلك ضرورة تصفية الاموال غير المنقولة لسکان أشرف والتي تقدر بأکثر من 500 مليون دولار، لکن، هذين المطلبين العادلين واللذين يعتبران حقا مشروعا لسکان أشرف، لم يتم تنفيذ أي واحد منهما بالصورة المطلوبة، فمشکلة المياه وفي موسم الحر هذا حيث وصلت درجات الحرارة إلى 55 درجة مئوية، لازالت المياه تنقل إلى السکان بواسطة مقطورات المياه والتي تنتظر بدورها ساعات طويلة لکي تتزود من مصدر واحد فتصل درجة حرارة المياه إلى حد غير عادي، وعلى الرغم من أن سکان ليبرتي قد طلبوا إيصال شبکة المياه في ليبرتي بشبکة إسالة بغداد للقضاء على مشکلة المياه وعلى الرغم من الوعود التي قطعها ممثلون عن الحکومة العراقية بأن تتم العملية قبل شهر رمضان، لکننا ونحن في شهر رمضان لم ينجز أي شئ بهذا الخصوص، أما بالنسبة لقضية الاموال المنقولة، فإن المثير للقرف والسخرية أن يبادر قائد عصابات القدس الارهابية قاسم سليماني إلى إصدار أوامره للحکومة العراقية بأن تصفى قضية الاموال المنقولة لسکان أشرف ويمنحون مبلغا لايزيد عن 5 إلى 6 مليون دولار، وإذا ماتمت مقارنة هذا المقدار بالمبلغ الاساسي وهو أکثر من 500 مليون دولار، فإنه تتوضح درجة الظلم والاجحاف التي تمارس بحق الاشرفيين.
منظمة الامم المتحدة وفي شخص مارتن کوبلر ممثل الامين العام للأمم المتحدة في العراق والذي يمثل طرفا اساسيا ومحوريا في ذلك المشروع، سبق وان قطعت الحکومة العراقية الکثير من الوعود والعهود أمامها بخصوص جاهزية مخيم ليبرتي، وبصدد تصفية الاموال المنقولة ومشکلة المياه في المخيم، لکن لم تبادر الحکومة العراقية إلى تنفيذ أي من هذه الالتزامات، وفي المقابل لم يقم کوبلر بممارسة الضغط على الحکومة العراقية للقيام بتنفيذ إلتزاماتها مثلما لم يقم بشرح وتوضيح ذلك للمجتمع الدولي، وانما نقل عنه في الاونة الاخيرة بأن صبر الحکومة العراقية'يکاد أن ينفذ'حيال سکان أشرف لعدم إستجابتهم وتعاونهم في المشروع المشار إليه في السياق!
الحکومة العراقية التي تجيد فقط لغة التهديد والوعيد وحرف الحقائق وقلبها وإجراء الصفقات والاتفاقات السرية مع النظام الإيراني، مستمرة في تجاهل حقوق سکان أشرف وليبرتي ومواصلة الضغوطات ضدهم من أجل إرضاء الملالي، وصل بها الامر إلى حد القفز على المشروع الاممي نفسه وحرفه عن سکته الاساسية بإتجاه مشروع مشبوه آخر بأن يتم نقل 1200 فردا من المتبقين من سکان أشرف إلى فندق تشرف عليه المخابرات الإيرانية؟!
الولايات المتحدة الامريکية، وعلى الرغم من أن محکمة الاستئناف قد حددت الاول من أکتوبر کآخر موعد لإخراج منظمة مجاهدي خلق من قائمة المنظمات الارهابية، فإن وزارة الخارجية مازالت تقوم بعملية ربط غبية وغير منطقية مابين نقل السکان من أشرف إلى ليبرتي وبين إخراج منظمة مجاهدي خلق من القائمة السوداء؟!
الاتحاد الاوربي الذي وعد بدوره أن يساهم في المشروع وخصوصا في إستقبال سکان مخيم ليبرتي، لم يخطو لحد الان أية خطوة عملية ملموسة وانما کل الذي قام به مجرد إلتزامات مکتوبة على الورق من دون تنفيذ!
*خبير ستراتژي في شؤن شرق الأوسط




