احتلال الأحواز.. الدروس والعبر

تعتبر الأيام الوطنية المفرحة منها والأليمة أياما ذات تأثير بالغ على عقلية ومشاعر الإنسان تجاه وطنه وقوميته، لذلك جميع الدول تركز عليها وتحييها وتحتفل بها وتعتبرها فرصة ثمينة لزيادة اللحمة الوطنية وتجديد العهد والولاء للوطن.

والشعب العربي الأحوازي كسائر شعوب العالم لديه أيام وطنية ذات أهمية خاصة، لذلك يحتفل بها ويحييها ويحاول إضفاء القدسية عليها.

و التاريخ السياسي الأحوازي حافل بهذه الأيام، كذكرى احتلال إمارة القواسم عام 1887 م واحتلال إمارة المرازيق عام 1922 م واحتلال إمارة العبادلة عام 1923 م واحتلال إمارة آل علي عام 1924 م أو ذكرى انتفاضة المحمرة(مجزرة الأربعاء السوداء) في تاريخ 29 – 5 - 1979 م وذكرى استشهاد القادة العروبيين الأحوازيين (القائد الشهيد محيي الدين آل ناصر والقائد الشهيد عيسى المذخور والقائد الشهيد دهراب شميل آل ناصر) في تاريخ 13 – 6 – 1964 م وذكرى انتفاضة 15 نيسان المجيدة.

و لكن رغم أهمية وقدسية هذه الأيام يبقى تاريخ 20 نيسان 1925 م يوما يتمتع بقدسية وأهمية استثنائية عن جميع الأيام في العقل الجماعي الأحوازي ويقع في أعلى سلم اهتماماته، باعتبار أن في هذا اليوم اغتصبت من قبل الفرس كامل الأراضي العربية الأحوازية الواقعة على الضفة الشرقية للخليج العربي وانتهت السيادة العربية على هذه الأراضي وأصبحت جزءا من الكيان الإيراني المسخ، وباعتبار إن هذا اليوم نكبة للعرب عامة وللأحوازيين خاصة لأنه فتح الباب على مصراعيه للمشاكل والمصائب والتمادي الإيراني تجاه الأمة بأكملها.

الكثير ممن مارسوا السياسة وعرفوا دهاليزها يرون إن في هذا اليوم الوطني فرصة ثمينة من المفترض أن يغتنمها الشعب العربي الأحوازي ليتعلم ويعتبر منها لدفع عجلة النضال الأحوازي بالاتجاه الصحيح وإلى الأمام.

فهذا اليوم له أسباب عديدة أدت أو عجلت في وقوعه ومنها أسباب أحوازية تستحق التمعن. إن التفكير السائد والحاكم في الأحواز آنذاك عند قادته وأصحاب النفوذ لم يكن تفكيرا وطنيا بحتا حتى يصون الوطن من الأعداء وشرورهم وإنما كان تفكيرا قبليا ضيقا مستخدما ميزان القبيلة كمقياس للحكم على الظواهر والمشاكل الوطنية مما ساهم إلى حد بعيد في ضياع البلاد.

وهذا يُلمس عندما تحرك الفرس باتجاه الأحواز واحتلوها إمارة تلو الأخرى لم ينهض أمرائه للتعاون والتضامن مع البعض لصد هذا العدوان وإنما اعتبروا هذا العدوان قضية ومشكلة خاصة تحدث بين الإمارة العربية المعتدى عليها والدولة الفارسية المعتدية، ومن جانب آخر عندما يغزو الفرس إمارة ويحتلوها لم ينهض الشعب بكامله ليقاوم العمل العدواني الفارسي وإنما اختصر الفعل المقاوم على جزء من مواطنين هذه الإمارات لأن باقي أفراد الشعب يعتبرون هذا الغزو كالغزو القبلي مشكلة بين القبيلة(القبيلة الحاكمة) والدولة الفارسية.

فساهمت هذه العقلية وهذه الثقافة في تسهيل أو تعجيل احتلال الأحواز وسلخها من الأمة العربية. كما إن عدم وجود أهداف إستراتيجية وطموح سياسي لمعظم المؤثرين في الساحة الأحوازية واكتفائهم بالحدود القبلية أو أكثر بقليل أدى إلى أن تكون بلاد الأحواز جزءا من مخططات وأهداف الأجانب. لذلك يعتبر التفكير القبلي والاكتفاء بأهداف محدودة وعدم وجود تفكير وطني وعدم وجود أهداف إستراتيجية وطموح سياسي ساهم في احتلال الأحواز وضياعها.

و هذا يستدعي من نخبة الشعب الأحوازي وساسته أن لا يقعوا في نفس هذه الأخطاء - حتى وإن كان ظاهرها مختلفا - في إدارة النضال الأحوازي. فإنماء الثقافة الوطنية بين أوساط الشعب وجعل الفكر الوطني هو المصدر والمرجع النهائي للنضال الأحوازي ورسم الأهداف الإستراتيجية الوطنية ووضعها في سلم أولويات التنظيمات الأحوازية والتركيز على الهدف الجوهري والإستراتيجي، أي محور القضية الأحوازية (تحرير الأحواز) وصب جل الاهتمام لتحقيقه. كل هذه النقاط ستلعب الدور الحاسم في تحرير الأحواز بالمستقبل.

إن السياسيين يرون في هذا اليوم العظيم إضافة على العبر التي يمكن أن تستفيد منها طليعة ونخبة الشعب فإحيائه والاهتمام به يعد تجديدا للعهد وصقلا للانتماء الوجداني الوطني من الشوائب ورفعه فوق الانتماءات الأخرى وتقوية للولاء السياسي الأحوازي. واعلانا للعالم عن الرفض الأحوازي لجميع تصرفات وسياسات الفرس الإجرامية وعلى رأسها الإحتلال ونتائجه وعدم الخضوع للأمر الواقع..

*كاتب عربي من الأحواز المحتلة