آراء

فصل الخطاب فيما يتعلق بمسألة "الخُمُس" (رؤية تأصيلية)

أحمد البتيت يكتب: فصل الخطاب فيما يتعلق بمسألة "الخُمُس" (رؤية تأصيلية)


هذه القضية ليست من القضايا الشائكة في الفقه الإسلامي، وليست من القضايا الحتمية فيه أو الملتبسة، لكننا إذا قلنا إن حب السلطة هو المحرك الفعلي لكل الصراعات التي تخوضها السلالة الهاشمية وأنصارها، فإن حب المال "الخُمس" هو الجناح الآخر لهذا المحرك!
قد تقول: إنهم إن وصلوا للحكم، وصلوا للثروة والإثراء كمحصلة ثابتة، أقول لك نعم، لكن هل يصلون دائمًا للحكم والسلطة؟ وهل كلهم يصل للحكم والسلطة؟
ولئن كان يهتم بالحكم والسلطة كبراؤهم فقط، فإن الاهتمام بالخُمس منصب منهم جميعًا، ولذا يحرص بعض مَن لا خلاق لهم من جهال العرب والعجم على شراء مشجرات نسبٍ هاشمي؛ ليُوجبوا لأنفسهم الخُمس من أموال الناس، وليدفع الناس إليهم أموالهم، بسبب جهل الناس لهذه القضية من جهة، واستغلالها استغلالًا كبيرًا من جهة الشيعة في هذا الزمان والأزمان التي قبل، حتى عدّوا دفع الخُمس أصلًا من أصول الدين، بل هو عندهم أهم من الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام!
تنبيهات مهمة جدًا:
ومن هنا ينبغي التنبيه بشكلٍّ جدي لمسائل مهمة قبل مواصلة الحديث عن هذه القضية:
أولًا: موضوع الخمس برُمَّته، إنما هو من أموال الكفار الذي يغنمه المسلمون، باتفاق العلماء، وليس في أموال المسلمين، ولا يؤخذ من مال المسلمين شيء غير الزكاة، وعلى المسلمين أن يتنبهوا لهذه المسألة، فلا خُمس ولا خُمس خُمسٍ في مال مسلم، ولم يقل به أحدٌ غير الشيعة الذين يأكلون أموال الناس بالباطل.
ثانيًا: الكلام عن خمس الخمس، وليس عن الخمس، وينبغي التنبه لهذه المسألة، فهو واحد من خمسة من خمسة وعشرين، وقيل بل واحد من ستة من ثلاثين، لأن آية سورة الأنفال ذكرت خمسة أصناف، وقيل ستة أصناف يتوزع عليهم الخُمس، كما سيأتي.
ثالثًا: هذه المسألة كما نوهت قبلُ = مسألة فرعية من مسائل الفقه، يجوز فيها الخلاف، بل قد وقع الخلاف فيها بشكل واضح وكبير كما سترى، فليست من مسائل أصول الدين أو من مهمات الإسلام كما تصوره السلالة وشيعتها.
نعود لقضية الخُمس:
الأصل فيها قول الله تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [الأنفال:41]، فالآية تتحدث عن قسمة الغنائم المأخوذة من الكفار، وجعلت قسمتها على خمسة، وقيل على بل على ستة: (الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل).
فالكلام هنا في عدة مسائل:
المسألة الأولى: مما يُخرج الخُمس؟:
نصّت الآية أنه مما ﴿غَنِمۡتُم﴾، أي من الكفار، بحربٍ أو فيء، أي من دون حربٍ كصلح أو غيره-، ولا يجوز في مال الذمي، ولا يخرج من مال مسلمٍ أبدًا، وهذا هو ما عليه عموم المسلمين.
وقالت الشيعة الإمامية: أن الخُمس يُنزع من غنائم الحرب، ومن كل مال المسلم، فيؤخذ من:
1. الغنائم الحربية من الكفار الذين يحل قتالهم.
2. ومما يستخرج من المعادن كالذهب والفضة والنحاس والحديد والكبريت والنفط وغيرها.
3. ومن الكنوز المستخرجة من مدافنها أرضاً كانت أم جداراً أم غيرهما.
4. ومما يُخرج بالغوص من البحار أو الأنهار الكبار مما يتكون فيها من اللؤلؤ والمرجان وغيرهما من الأشياء الثمينة.
5. ومن الحلال المختلط بالحرام في بعض صوره.
6. ومن الفوائد والأرباح المستحصلة من تجارة أو صناعة أو حيازة أو أي مكسب آخر، ومثلها ما يملكه الشخص بهدية أو وصية، وما يأخذه من المعونات والمساعدات، والإرث في بعض الحالات[1].
والخمس عندهم أهم من الزكاة، لذا يصبون اهتمامهم عليه ولا يلتفتون للزكاة، فهي لا شيء مقارنة بعوائد الخمس!
وقالت الزيدية: يجب الخُمس على كل غانم في ثلاثةٍ:
الأول: صيد البر والبحر وما استُخرج منهما أو أُخذ من ظاهرهما كمعدن وكنزٍ، ودرةٍ وعنبر، ومسك، ونحل، وحطب، وحشيش، لم يُغرسا ولو من ملكه أو ملك الغير، وعسلٍ مباح.
الثاني: ما يُغنم في الحرب ولو غير منقول إن قُسم إلا مأكولًا له ولدابته لم يعتض منه ولا تعدى كفايتهما أيام الحرب.
الثالث: الخراج والمعاملة وما يؤخذ من أهل الذمة[2].
ولقد كفانا الشوكاني -رحمه الله- الرد على ما نص عليه متن الأزهار، وهو أهم كتاب معتمد لدى الزيدية، فقال في السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: اعلم أن هذه الشريعة المطهرة وردت بعصمة أموال العباد، وأنه لا يحل شيء منها إلا بطيبة من أنفسهم، وأن خلاف ذلك = من أكل أموال الناس بالباطل، وقد ثبت في الكتاب والسنة أن الله سبحانه أحل لعباده صيد البر والبحر، فما صادوه منهما فهو حلال لهم داخل في أملاكهم كسائر ما أحل الله لهم، فمن زعم أن عليهم في هذا الصيد الحلال خُمسة أو أقل أو أكثر لم يقبل منه ذلك إلا بدليل يصلح لتخصيص الادلة القاضية بعصمة أموال الناس، وينقل عن الأصل المعلوم بالضرورة الشرعية. ولم يكن ها هنا دليل قط، بل إيجاب ذلك سببه توهم دخول الصيد تحت عموم قوله تعالي: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ﴾ [الأنفال: 41]، وهو توهم فاسد وتخيل مختل...[3].
والخلاصة أنه لا خُمس في مال مسلم، إلا عند الشيعة الإمامية والزيدية، وقد توسعوا في ذلك بما يُشعر بأن المقصود هو جباية الأموال، وأكل أموال الناس بالباطل، وليس مجرد فهمٍ لكتاب الله تعالى.
المسألة الثانية: كم هم أهل الخُمس؟:
ذكرت الآية ستة أصناف، هم: الله تعالى، ورسوله، وذوو القربي، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وقيل: بل خمسة أصناف، وعدّوا سهمي الله ورسوله سهمًا واحدًا[4].
المسألة الثالثة: هل للهاشميين نصيب في الخُمس؟:
الشيعة الإمامية والزيدية يقسمون الخُمس قسمين، فيجعلون سهمًا لرسول الله، وبقية الأسهم (سهم ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) كلها لبني هاشم، فيجعلون المقصود: ذوي قربى الرسول، وأيتامهم ومساكينهم وابن سبيلهم!
قال صاحب متن الأزهار الزيدي: ومصرفه -أي الخمس- مَن في الآية، فسهم الله للمصالح، وسهم الرسول للإمام، إن كان وإلا فمع سهم الله، وأولو القربى هم الهاشميون المحقون وهم فيه بالسوية ذكرًا وأنثى غنيًا وفقيرًا ويخصص إن انحصروا وإلا ففي الجنس، وبقية الاصناف منهم[5]. أي: المقصود باليتامى والمساكين وابن السبيل في الآية مَن كانوا من بني هاشم!
وقد رد الإمام الشوكاني على هذا الزعم فقال: قوله: "وبقية الاصناف منهم"، هذه دعوى مجردة وتقييد القرآن الكريم بمجرد الرأي الذي لا دليل عليه، والحق أن لليتامى على العموم سهم من الخمس وكذلك للمساكين وأبناء السبيل، فالقول بأن هذه الثلاثة الأسهم تُصرف في سهم ذوي القربى بعيدٌ من الحق بعدًا شديدًا ومخالف للنصوص القرآنية مخالفة بينة[6].
واختلف أهل السُنة في تحديد الأصناف المستحقة للخُمس: فقالت الحنفية: يصرف على اليتامى والمساكين وابن السبيل، وليس لذوي القربى شيء بعد وفاة رسول الله.
وقالت المالكية: يعود إلى بيت المسلمين، فيصرفه إمام المسلمين على مصالح المسلمين كلهم.
وقالت الشافعية والحنابلة: يقسم على الخمسة الأصناف المذكورين في الآية، فسهم الله ورسوله للإمام يصرفه على مصالح المسلمين، والسهم الثاني لذوي القربى لبني هاشم، والسهم الثالث سهم اليتامى، فيصرف عليهم، والسهم الرابع سهم المساكين فيصرف عليهم، والسهم الخامس لابن السبيل.
وروي عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى كانت طعمة لرسول الله صلى ا لله عليه وسلم في حياته فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله، وروى ابن عباس أن أبا بكر وعمر قسما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكي عن الحسن بن محمد ابن الحنفية، وهو قول أصحاب الرأي قالوا يقسم الخمس ثلاثة: اليتامى والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله صلى ا لله عليه وسلم وسهم قرابته[7].
فالذي عليه عمل أبي بكر وعمر، وهو ما وافقهم فيه: علي ابن أبي طالب، وابن عباس، ومحمد ابن الحنفية، والحسن البصري، وقتادة وأبو حنيفة وأصحابه، ومالك وأصحابه، أنه ليس لبني هاشم شيء في الخمس، وأنه إما يقسم بين الثلاثة الأصناف، اليتامى والمساكين وابن السبيل، كما هو مذهب الحنفية، أو يُرد إلى بيت مال المسلمين، فيصرف في مصالحهم، كما هو مذهب المالكية.
وهذا المذهب هو الراجح، لأمور، منها:
الأول: أن هذا هو فهم الخلفاء الراشدين المهديين، وهو فعلهم، ولذلك لم يعطهم أبو بكر ولا عمر، إلا كما يُعطى بقية المسلمين.
الثاني: أن هذا هو المنسجم مع حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يورث دينارًا ولا درهم، وما ورثه فهو صدقة، ومال الخمس إنما كان يحصل بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أن كبار المعنيين من بني هاشم لم يأخذوا الخمس، وعلى رأسهم علي وابن عباس -واختلفت الرواية عنه- ومحمد ابن الحنفية.
الرابع: أنه مقتضى العدل، فالأصل في الغنيمة أن تقسم على من غنمها، ثم إن تعدت فلعموم المسلمين، وتخصيص فصيل منهم منافٍ للعدل، وإنما خُصصوا ابتداءً لأجل رسول الله، أو أنهم لم يخصصوا أبدًا كما سيأتي.
الخامس: أن هذا هو المنسجم مع عدم طلب الأجرة، ليتحقق قول الله تع إلى على لسان نبيه: ﴿قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ﴾ [الأنعام:90]، فإذا كان يصل قرابته الخُمس دون الناس فهو كالأجر.
لمن خُمس الركاز؟
المقصود بالركاز هو استخرج ما دفن في الجاهلية والكفر، فمن وجد شيئًا من دفنهم فهو ركاز، أما ما كان من دفن الإسلام، ووجد عليه علامات تدل على أنه من دفن الإسلام فيُعامل معاملة اللُقطة.
ثم اختلف الفقهاء في الركاز، هل فيه الخمس أم الزكاة:
فذهبت الحنفية والملكية أنه يُعامل معاملة خُمس الغنائم، وعلى هذا، وبناءً على قولهم السابق فيمن يُصرف لهم الخُمس، فيكون تقسيم الركاز كالتالي: خُمس الركاز لليتامى والمساكين وابن السبيل، على قول الحنفية، أو لبيت المال على قول المالكية، والأربعة الأخماس الأخرى لواجد الركاز.
وذهب الحنابلة إلى أن في الركاز الخُمس، ويقسم على الأصناف الخمسة، بناءً على رأيهم في تقسيم خُمس الغنيمة.
وذهبت الشافعية ورواية للحنابلة إلى أنه يجب صرف خمس الركاز مصرف الزكاة، قال النووي: هذا هو المذهب[8].
الخلاصة:
لا يحل مال أمرئ مسلم إلا بما أوجبه الله عليه أو بما طابت به نفسه، والاستطالة في أموال الناس بلا موجب حرام، وهو نوع من الشحاذة إن أُخذ بحياء، وغصب إن أخذ بقوة، ومؤداه إلى أكل أموال الناس بالباطل.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم شديد التحرز في المال، وهو رسول الله الذي يفتديه الناس بأرواحهم وأموالهم، فما بال هؤلاء المتمسحين بنسبه يستحلون أموال الناس، ويوجبون عليهم مالم يوجبه الله ورسوله؟!
ومن هنا أقول: قد يكون -والعلم عند الله- أنه ليس المقصود بذوي القربى في الآية: أي قرابة رسول الله، بل مثلها مثل اليتامى والمساكين وابن السبيل، فالمقصود كل قريب لكل مسلم، وذلك لأمور:
أولًا: لأنه لو كان معناه قرابة رسول الله، لكان يشبه التعارض مع قول الله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًاۖ﴾ [الأنعام:90]، فإن إعطاءهم بلا سبب يشبه أن يكون كالأجر، وإنما كانوا يعطوا في عهده صلى الله عليه وسلم، لأنه كان يقود المعارك بنفسه، وهو مشغول بأعباء النبوة، فكان ينفق عليهم من هذا السهم، حتى لا ينشغل بهم وبمعاشهم، ولذلك كان له سهم أيضًا.
ثانيًا: أن الصحابة بعد موته صلى الله عليه وسلم فهموا هذا الأمر، فلم يعطهم أبو بكر ولا عمر، لذلك كان ذلك هو ما ذهب إليه ابن عباس في رواية عنه، وابن الحنفية وغيرهم.. وهذا تابع لما قبله.
ثالثًا: أن الصحابة اختلفوا بعد موته صلى الله عليه وسلم في تقسيم الخمس، فبعضهم قال سهم الله ورسوله وذوي القربى يُرد في سبيل الله، في شراء السلاح وغيره، وبعضهم قال: بل يُعطاه أقارب الخليفة، وبعضهم قال: بل يُعطف على اليتامى والمساكين وابن السبيل، وهذا يدل على اختلافهم في المعنى من قوله تعالى: (ولذي القربى).
رابعًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه لا يورث دينارًا ولا درهمًا، قال صلى الله عليه وسلم: «لا نورث ما تركناه فهو صدقة»[9]. فإن كان قد فرض لهم هذا -وحاشاه- فأي ميراث أكبر منه؟!
ولذا، فينبغي أن يعامل أبناء السلالة الهاشمية معاملة المسلمين جميعًا، فقراؤهم وأيتامهم ومساكينهم وأبناء السبيل منهم كفقراء بقية المسلمين وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم لهم من الخمس جميعًا، ولهم من الزكاة إن كانوا من مستحقيها.. والله أعلم.

. من كتاب (فتنة السلالة الهاشمية في الإسلام وجنايتهم على المسلمين)
------------------------
[1] ينظر: منهاج الصالحين للطباطبائي، وملحقاته، والوجيز في أحكام العبادات، السيستاني، مسألة رقم (152).
[2] كتاب متن الأزهار، ص (26).
[3] السيل الجرار، الشوكاني (2/93)، وله رحمه الله مناقشة مستفيضة في نفس الموضوع، وقد ردَّ كلام صاحب متن الأزهار كله تقريبًا، إلا ما وافق فيه أهل السُنة من ذلك.
[4] ينظر: المغني (7/299).
[5] كتاب متن الأزهار، ص (26).
[6] السيل الجرار، الشوكاني (2/95)،
[7] ينظر المغني (7/299).
[8] ينظر في مراجع مذاهبهم وتفصيلاتها: الإجماع (102)، وفتح القدير (1/ 539)، وحاشية ابن عابدين (2/ 337)، والشرح الصغير (1/ 230- 231)، وحاشية الدسوقي (1/ 489)، وتحفة المحتاج (3/ 286- 287)، ونهاية المحتاج (3/ 98)، وشرح منتهى الإرادات (2/ 253،)، وكشاف القناع (4/ 448 و452- 453)، الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير (6/ 594- 595).
[9] رواه البخاري (3712)، ومسلم (1757).

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى