لماذا نحتفي بالسادس والعشرين من سبتمبر؟
المثنى الهمداني يكتب: لماذا نحتفي بالسادس والعشرين من سبتمبر؟
ما من شكٍّ بأنكَ كيمني تستولي عليكَ مشاعر خاصة تجاه ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، ولذا فانت تعبر عن تلك المشاعر بتصرفاتك وأقوالك وآرائك وموافقك سواء قصدتَ ذلك أم لم تقصد، ومع مطلع شهر سبتمبر من كل عام تجد نفسك وقد خرجت من دائرتك الخاصة إلى فضاء سبتمبر، مدفوعاً بدافع خفي قد لا تدرك كنهه تماماً، فاذا كنت شاعراً "مثلاً" وتكتب الشعر الغزلي طيلة العام، تجد قريحتك الشعرية قد غيرت وجهتها صوب سبتمبر دون سابق إنذارٍ بذلك، فتزواج مشاعرك مع اللغة لتنجب قصيدة سبتمبرية يرددها الكون وتقرؤها أنت بذهول..
وهكذا إذا كنت كاتباً أو فناناً، أما اذا كنت غير مهتماً بالأدب والشعر والفن فإن تلك المشاعر السبتمبرية تجد طريقها للظهور من خلال أحاديثك مع الناس ومنشوارتك في وسائل التواصل وتعاملاتك اليومية مع المجتمع وما إلى ذلك.
وعلى سبيل المثال ففي اليوم الأول من الشهر المجيد، يعتريك شعور بالملل من نغمة رنين هاتفك التي كنت قد اقتتطعتها بداية العام من أغنية حزينة لجورج وسوف، فتبحث في ملفات الموسيقى على هاتفك عن مقطع من اغنية مناسبة تحدث بها نغمة رنين هاتفك فلا تجد أجمل من مقطع ينساب بصوت أيوب طارش بـ:
دمت ياسبتمبر التحرير يا فجر النضالِ
ثورة تمضي بإيمانٍ على درب المعالي
تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحالِ
ففتوقف وتضغت لا إرادياً على زر الاختيار.
وكذلك على مدار الشهر تلوح ملامح سبتمبر من صورك الشخصية في بروفايلات حساباتك الشخصية وقصصها وما تنشره وتشاركه فيها. ولن تختلف سماتك وملامحك الشخصية في عالمك الحقيقي عن سماتك وملامحك في عالمك الافتراضي، فجملة (صباح الخير ) التي اعتدت أن تلقيها على أصدقائك وزملاء العمل والجيران كل صباح تختفي ويحل محلها جملة (صباحك سبتمبري).
حتى مفردات اللقاء والوداع تصبح سبتمبرية حتى آخر ساعة في الشهر، والجملة الوحيد التي تقولها لاصدقائك وأنت تغادر مجلسهم بعد أن تكون قد قضيت وقتاً جميلاً برفقتهم هي جملة (نلتقي في الساحة يوم السادس والعشرين سبتبمبر) هُنا ليس غريباً أن تسمع أحدهم يرد عليك بالقول : لماذا نحتفي بالسادس والعشرين سبتمبر ولم يبق منها إلا ذكرى ؟
كما أنه ليس غريباً أيضاً أن تسمع الجميع يردون عليه بثقة وقد شعروا بجرح في كبريائهم السبتمبري، حينها تتراجع أنت عن المغادرة لا إرادياً أيضاً وتعاود الجلوس لترد على سؤاله بالقول:
يا صديقي.. إن السادس والعشرين من سبتمبر ليس ذكرى كما تعتقد إنما هي الوقاء الوحيد والأخير لنا لكي لا نصبح ذكرى.
السادس والعشرون من سبتمبى ياصديقي ليست مجرد مناسبة للإحتفال بالحدث الوطني الذي مضى بل مناسبة لاستنهاض الهمم والمدارك لصناعة الحدث الوطني القادم، إنها كتابنا المقدس الذي نستلهم منه طرائق الحفاظ على الذات والهوية والتاريخ والمستقبل والوطن أرضاً وإنساناً. إنها المنهج الوطني الحق، ذلك المنهج الذي "من آمن به صدق، ومن تمسك به نجا، ومن مضى عليه مضى على صراطٍ مستقيم".
إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لم تمت يا صديقي ويجب أن لا تموت، يجب أن لا تموت لأن موتها يعني موت الأمة اليمنية بتاريخها ومستقبلها، بحضارتها ومجدها، بأحلامها وتطلعاتها، وإن الحفاظ على مباديء تلك الثورة لحفاظ على الوجود اليمني.
إن سقوط النظام الجمهوري لا يعني بأي حال من الأحوال سقوط ثورة السادس والعشرين من سبتمبر بمبادئها ومنهاجها وأهدافها، فالثورة باقية لاستعادة النظام الجهموري وبها دون غيرها يُستعاد.
لهذا نحتفي بها، نحتفي بها لأننا نعرف ماذا يعنى لنا أن تموت، وإذا كنا لا نعرف فلزاماً علينا أن نعرف.
لزاماً علينا أن ندرك أن موت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر
يعني خروج الأمة اليمنية من مدار الوجود، وتوقفها عن التفاعل مع حركة التاريخ، وفقدان دورها فيه واقتصاره خدمة أصحاب الحلم باختطاف مكانتها وسرقة دورها،
لهذا يجب أن لا تموت الثورة روحاً لأن روح اليمن تتنفس بها.
يجب أن لا تُطوى كتاباً لأن ثوار اليمن يهتدون إلى المجد بنصوصه.
يجبُ أن لا نتوقف عن الاحتفاء بها لأن احتفاءنا بها تأكيد على ديمومتنا واستمرارية حركتنا الوجودية الحضارية بموازة حركة التاريخ.
ولهذا نلتقي في كل ساحات الجمهورية يوم السادس والعشرين من سبتمبر لنقول أننا هنا أرضاً وإنساناً. هوىً وهويةً..ذاكرةً وتاريخاً
كنا ومازلنا وسنبقى
باقون
نحن هُنا إلى يوم القيامة
من شرق مهرتنا هنالك في أقاصي الشرق نحن
إلى أقاصي الغرب (غربكِ يا تهامة)
باقون
أيلولاً مجيداً
ثورةً يمنيةً
وهويةً
باقون جمهورية عظمى على الأرض المجيدةٍ
والعتيدة
والعصية في جميع مراحل الدهر الطويل على الأمامة
باقون فوق ترابنا الغالي بقاءً سرمدي العمر دائمْ
باقون..لن نخلي البلاد لعصبةِ الكهنوتِ تجبرنا بأن نحيا عبيداً
أو نفر من العبودية المقيتةِ للتشرد في مطارات العواصم
باقون لن نعطي الولاء لكاهنٍ في أرضنا
كلا.. ولن نرضاهُ حاكم
متمسكون بحقنا
والحقُ يسقطُ من يدٍ تمتدُّ صوب يد العدوء لكي تُحاور
أو تُساوم
والسلم لا نرضاهُ إلا بانتزاع الحقِّ مُجملهُ
وأما دون ذلك لا نسالم
والحقُّ يُنتزعُ انتزاعاً بالبنادق
لا بطاولة الحوار
ومن يظن الحقَّ يُستجدى
فذاك ورب هذا الكونِ واهمْ
باقون في الأرض التي منها خُلقنا
نحن صناع البدايات العظيمة بها
ونحن بها نقرر من تكون له النهايات الأخيرة والخواتم