السجون لن توقف المد
عادل الأحمدي يكتب: السجون لن توقف المد
يوم آخر يغرب ورفاقنا داخل معتقل مجهول بمأرب بلا تهمة ولا محاكمة ولا شيء.
والحقيقة أنه ليس همنا إطلاق سراحهم فحسب، بل ايقاف العبث المسيء لأجهزتنا الأمنية.. أما الأقيال فالسجن يسهم في انتشار فكرتهم ويجعل حراكهم أقوى طالما صار لديه سجناء ونضال وتضحيات.. وواهم من يظن أن مثل هذه الاعتقالات قد توقف زخم حراك القومية لأنه حراك شعب.. حتى لو تم اعتقال الآلاف.
وعلى افتراض أن هناك تهمة أو شبهة دفعت لاعتقالهم:
إذا كانوا حركة أو تنظيم اقبضوا على القيادات
إذا كان لهم ارتباطات افضحوهم
إذا كان معهم تمويل اكشفوه
إذا عثرتهم على مخططات لديهم انشروها بأمانة وبلا تلفيق.
لا يوجد شيء مما سبق..
هؤلاء مع الدولة والجيش والقضية، بل إن بعضهم ضباط بالجيش ويفترض أن تتعامل معهم أجهزة مختصة وليس ملثمين. وعديد منهم لديهم تضحيات مرسومة على وجوههم وأطرافهم.. عبدالرحمن المقضي (أبو ضرغام الحجوري) قدم في الميدان قدميه وإحدى عينيه. وتم الإفراج عنه بعد سخط شعبي واسع.
لا يعادون أي طرف وطني.. ولا معهم حتى حق المواصلات.. حالتهم حالة.. يتقاسمون القات والسندوتشات.. ويرهنون الجنابي لإقامة الفعاليات.. الواحد منهم يقطع لك من لحم كتفه.. إذا عزمك القيل العميد فيصل الشعوري تجده يكرمك بما لذ وطاب وفراش منزله حصير.
لقد حار المحققون في أمرهم وبعضهم استقال والآخر تمقْيَل.
يندهش المحقق من أجوبة القيل وصلابة حجته:
- أنتم تقدسون الوعل؟ حاشا لله.. بالعكس.. احنا ضد تقديس البشر فكيف بالحيوانات.. والوعل شيء رمزي مثله مثل النسر الجهوري على البريه حقك.
يخطئ المحقق في منصوص آية فيصححها له القيل.. ليجد نفسه أمام علماء وليس مجرد ناشطين.
- طيب والشحطات ضد الدين؟ أغلبها من معرفات وهمية هدفها تشويه الأقيال ولا يستبعد أن بعض المعرفات المسيئة حوثية والبعض الآخر من مطابخ مدعومة من لوبيات التي تحرض ضدنا.. يحاولوا يتصيدوا لنا أي خطأ.
- اشتيك تدي الصدق.. منو رئيسكم؟ الدكتور رشاد العليمي.
- لا لا.. أقصد زعيمكم انتو يا الأقيال؟ محناش تنظيم ولا حركة.. بل حراك شعب وكل واحد زعيم نفسه.
- تظننا مغفلين أنت.. وكيف تنظموا حملاتكم؟ جروبات وتواصلات بلا مَرأسة ولا شي.
- كيف يعني حراك؟ محرك بحث ذكي يقدم الأجوبة الدقيقة على كل الأسئلة الكبيرة. أو يمكن تقول دالّة تصل بصاحبها إلى حالة من وعي الذات وسلم الأولويات.. إحساس بالكرامة يسري بالتخاطر من يمني لآخر دون الحاجة سوى لقليل من الاضاءات.
- والتمويل.. من يدعمكم؟ بالله عليك هذي صور ناس معاهم تمويل.
- معاكم ٧٠٠ شاعر وتقول لي بلا تمويل؟ كلهم مناتيف حالتهم حالة.
- رأيك في سلطان العرادة؟ اللواء سلطان العرادة قيل سبئي عظيم وحامي حمى أوام، وفعالياتنا برعايته.
- والفندم طارق؟ تقصد العميد طارق صالح.. وانعم به وبكل قيل يمني يواجه الكهنوت السلالي.. ما عندنا مشكلة إلا مع خرافة السلالة.
- أنتم ضد الأحزاب؟ مَن قال..! كثير منا منتمين لأحزاب.
- عارف ليش تم اعتقالك؟ لا والله ما لي علم.. قل لي أنت. عيوننا على صنعاء وعيونكم علينا.
يحار المحقق وينهي التحقيق ويرفع توصية بضرورة التحري عن دوافع المحرضين على اعتقال هؤلاء الشباب.
يتم استبداله بمحقق آخر أقل كياسة.. يعيد نفس الأسئلة وعندما تفحمه الإجابات يعود ليدير التحقيق على طريقة "أين الكوفية، هات الكوفية".
لن يجدوا لدى هؤلاء الشباب ما يريب إذ ليس لديهم ما يخفونه أو يخافون من انكشافه.
لا يفرَج عن الواحد منهم إلا وقد أثّر على نصف السجناء وثلثي الحراسة. مع هذا يتكرر الاعتقال دونما تهمة أو قضية أو محاكمة أو عقوبة أو براءة.. فلماذا إذن يتكرر، ومن المحرض، وما الهدف؟
أرجح القراءات أن هناك من يجد في خطاب الأقيال تهديدا لمطامعه في الاستحواذ على المناصب في الحكومة والأحزاب، وهؤلاء ارتفع امبير الخطر لديهم إلى مستويات تفقدهم التوازن.
ولذا فإن لدى المحرضين رغبة في الشيطنة وتلفيق الإدانات وجعل الاعتقال المتكرر دليلا على وجود مشكلة.. ويخرج المحرضون بعد كل مرة ليوهموا من يصدقهم أن المسألة خطيرة وأن الاعترافات موجودة لكنها غير قابلة للنشر!! كولسة مقرفة.
لماذا الشيطنة والتلفيق؟ تمهيدا لتصوير الأقيال كجماعة مدانة والشروع في اتخاذ إجراءات تصاعدية ضدها لتلحق بفرقة المطرفية.. أصحاب هذا الاحتمال يستدلون بكون بعض المحرضين هم من أحفاد الكاهن عبدالله بن حمزة الذي أباد في القرن السادس الهجري ١٠٠ ألف يمني من فرقة المطرفية مع ذراريهم.. وذنبهم أنهم قالوا بجواز الإمامة في غير البطنين.
العجيب أنه قبل نحو ١٤ عاما تعرفت بصنعاء على باحث فرنسي من أصل لبناني.. شاب حاد الذكاء يحضر الدكتوراة في إمكانية تكرار مأساة المطرفية باليمن.
اسمه سامي دورليان، ويعرفه الأستاذ سامي غالب.. وكنت أستغرب من اختياره أطروحة البحث.. وقد التقاني مرة على انفراد في بير العزب بهدف إثراء الأطروحة.
هذا الحراك اليماني الهادر والمتصاعد لن يكون مطرفية.. فلقد درس تلك المأساة واستفاد من أخطائها.. فالأولى أن يدخر المحرضون قرشهم الأبيض لليوم الأسود.
تهمة الأقيال الحقيقية أنهم لا يقبلون الإجابات المعلبة ولا يكفون عن البحث في دهاليز التاريخ وخباياه.. إضافة لكونهم جعلوا العيون مفتوحة على أمور كانت تمر دون أن ينتبه لها أحد.
(حافظ ومانع، اثنان اعتقلا قبل سنوات لأنهما حذرا من خيانة.. ثم تكشف أجهزة الأمن الخيانة مصداقا لما قالاه، دون أن تعيد لهما الاعتبار.. أحدهما غادر إلى هرجيسيا والأخر خلف الشمس).
مشكلة الأقيال أنهم أحرار لا يقبلون بتكرار الانخداع.. قضيتهم سيادة اليمني على أرضه وتنزيه الدين الحنيف عن المتاجرة والتزييف.. لا يقبلون أن يتمسيد على الناس أحد سواء جاء مؤتزرا بالتشيع أو بالتسنن.
مشكلة الأقيال ليست مع الدين، حاشا، بل كونهم يريدونه كما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام دينا خالصا لله خاليا من الوثنية والشرك والكهانة.
مشكلتهم أنهم ليسوا تابعين لجهة ولا يمكن تجييرهم لجهة ولا هم بيادق بيد أحد للهجوم على أحد.. قفزوا على كل خلافات الصف الجمهوري وتنادوا لتحديد الخلل رافضين إعادة تدوير خلافات الماضي بوصفها كانت أخطر ثغرات التسلل السلالي.
لا يليق تكرار هذا العبث.. ومن كان معتقلا لشبهة جنائية فلتأخذ العدالة مجراها.. وعدا ذلك فينبغي أن يكون هؤلاء بين أطفالهم في أسرع وقت.
أعرفت ما الأقيال؟ إجابة الشاعر الكبير هشام باشا:
أعَرفْتَ ما الأقْيالُ؟ بَحْرٌ قَرْدَعيٌّ المَوجِ هادِرْ
غَضَبٌ تَراكمَ ثُمّ ثارَ وجاءَ مِن ماضٍ وحاضِرْ
وَجَعٌ يَمانيٌّ تَحَوّلَ ضاربًا كالموتِ كاسِرْ
قِمَمٌ يَمانيةٌ تَكُحُّ فيَسْقطُ الطُّغْيانُ خائرْ
ويَمينُ جَبّارٍ يَجُرُّ الكَاهِناتِ مِن الظَّفائرْ
ودَمٌ يُجيدُ الرَّقْصَ إنْ عَزَفَ الزّمانُ لكُلّ ثائرْ
ويُجيدُ إلْقاءَ السُّقوفِ على عمامةِ كُلِّ جائرْ
ويُجيدُ قَطْعَ يَدِ الظّلامِ، وليسَ تَقْلِيم الأظافِرْ
ويُجيدُ تَنْظيفَ الرُّؤوسِ مِن الزّرائبِ والحَظائرْ
أعَرَفْتَ ما الأقِيالُ؟ جِيْلٌ قَلْبُهُ بالشّمسِ زاخزْ
جِِيْلٌ أبى إلّا أعاصيرَ البّحارِ لهُ مآزِرْ
نَصْرٌ أطَلَّ برأسِهِ مِن بينَ آلامِ الخَسائرْ
الصور رفقة الأحبة: مانع سليمان، عبد الرحمن المقضي، محمد القاضي، السحامي عبدالسلام