قهوة (شعر)
قصيدة محمد جميح بعنوان: قهوة (شعر)
ذريني في خيالات السحاب
وذريني على البرق المذاب
وصبي قهوتي فنجان حلمٍ
وصبي فوقها عرق الشهاب
وصبيها تخضبْ شيب روحي
وتشعل فيَّ أنفاسي الخوابي
وتسري بي على متن القوافي
وتسلمني إلى طيفٍ سرى بي
مشعشعة رقيت بها كلاماً
أصرفه على معنىً رقى بي
وحكي قشرة الليل اعصريها
على شيء من الخطأ الصواب
وصُبِّي الوقت خمريَّ القوافي
وخلِّي الليل مهتوك الإهاب
وخلِّي النجم يهوي في كؤوسي
وخلِّي الضوء يغرق في ضبابي
وقومي واقطفي ما نشتهيهِ
من الوقت المعطر بالشباب
ورشي لذة القلب المضنى
على جرحي تقبله حرابي
وخلِّي روح هذا الليل تهمي
على روحي من الفكر العذاب
وقولي لي وقد لاحت بروقي
حكايات السحابة للروابي
وهزي سدرة الأحلام تـُسقطْ
تهاويم الغيوم على رحاب
وخليني بهذا الليل معنى
تعلق بين صحوي وانجذابي
وطيفاً فاض في بيد القوافي
ودس الماء في هجس السراب
ووجداً موَّه الأشياء حتى
تراءت في سديم من ضباب
وهمساً راعشاً قد بلـَّلتـْهُ
أحاديثي ولكن ما وشى بي
وحلماً سربته جفونُ ليلى
لقيس عند منعرج الهضاب
ودرباً كلما ألقيتُ رحلي
على أرضٍ يهيئ لي ركابي
قولي يا معاني يا قوافي
ويا سمار حيا على الشراب
وقولي للنواسي قد غسلنا
عن الأرواح أكدار التراب
ويا ابن ربيعةٍ هذي رباب
فما لك من هوى أخت الرباب
ويا خيام هذي خمر روح
فما الأجساد ما خمر الرضاب
تراودني المعاني عن كلامي
تقدُّ عليَّ من دُبُرٍ خطابي
ويأتي الليل يرعش بالأماني
كـَلـَمْعِ البرق في ثغر السحاب
ويصفو الوقت حتى أن قلبي
يرى فالليل شفاف النقاب
قدحتِ الهجس في غيم المعاني
فأعشبت القصائد في خطابي
وخبأتُ الهواجسَ في كؤوسي
فأمسى الحرفُ يطفح بالحباب
ودورت الكؤوسَ على الندامى
فدار الليل حولي بالصحاب
ودسَّ الليل في عرقي وروداً
تبوح بسرِّها عند انسكابي
وغمَّس خافقي في أمنيات
غضيضات نديات رطاب
وحطَّ الحلْمُ طيراً فوق روحي
يغنيها وينقر لي رغابي
وقال الليل لي مرِّغْ مواجيد
روحك في غبارٍ من ثيابي
وقال اضرب بحرفك بحر معنىً
وخل القلبَ يمخر في العباب
وقال انظر فلما قمت أرنو
رأيتُ الكون حرفاً في كتابي
وقال افتح فقلت فتحت قلبي
ولونَ قصائدي وخلعتُ بابي
وقال افرح فقلت فرحت حتى
لقد أنسيتني لونَ اكتئابي
وقال ارحل على متن القوافي
وسافر في دروب من صعاب
فـَرُحـْتُ أسير فوق الماء علـِّي
أبلـِّلُ بالرؤى شفة اليباب
وأبحث في البراري عن مياهٍ
يداعب طيفُها جفن السحاب
وأرحل باحثاً عن عشب روحي
وأنثر لهفتي فوق الشعاب
أغيب عن المرائي كي أراها
ويبدو لي حضوري في غيابي
وأنأى في فيافي الوجدِ حتى
يرى العشاقُ في نأيي اقترابي
وها أنا في مسافاتي سؤالٌ
تعلق في متاهات الجواب
وما لاقيت شيئاً في ذهابي
ولا فكرتُ يوماً في إيابي