دعا الحزب الاشتراكي اليمني إلى إيقاف الحرب الدائرة في اليمن، معتبراً إياهاً حرباً عبثية، واعتبر أن انقلاب الحوثيين وحلفائهم كان مغامرة غير محسوبة سياسيا ووطنيا، خرجت على الدستور والقانون وعلى التوافق الوطني، وتعدت على سيادة الدولة، وقفزت على حساسية الموقع الجغرافي لليمن في الصراع الإقليمي.
جاء ذلك في بيان صادر عنه اليوم حصل نشوان نيوز على نسخة منه، حيث اعتبر أن "الانتصارات في الحروب الداخلية بين أبناء الوطن الواحد تفضي دائما إلى الإقصاء وتكريس مبدأ الغلبة وتؤسس لانكسارات وطنية تعيد انتاج الحروب وتقذف بالبلاد إلى دوامة عدم الاستقرار".
وقال الحزب إن "ليعلم الجميع أن الوطنية الحقة هي امتلاك الشجاعة لتقديم تنازلات موجعة من أجل الوطن والشعب، وأن إيقاف الحرب وحقن دماء اليمنيين لهو مكسب وطني وإنساني نبيل له الأولوية القصوى على ما سواه ، ودونه تهون كل المكاسب التي يسعى إليها طرف ما أو عدة أطراف".
وفيما يلي نشوان نيوز ينشر نص البيان
منذ أكثر من عام والشعب اليمني يعيش تحت وطأة ظروف شديدة المأساوية على الصعد الأمنية والإنسانية جراء الانقلاب الذي دبره الرئيس السابق علي عبد الله صالح ضد شرعية التوافق الوطني مدفوعا برغبة غرائزية في الانتقام من ثورة11 فبراير 2011 الشعبية التي وحدت معظم اليمنيين من كل الجهات والفئات للتعبير السلمي عن حقهم المشروع في إسقاط نظامه السياسي بعد أن تآكل وفقد شرعيته ومشروعيته بسبب التمادي في تحويل المشروع الوطني الكبير لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين إلى مشروع عائلي صغير قائم على الفساد والإفساد، ونهب خيرات البلاد والعبث بمقدراتها وتهديد وحدتها الوطنية وسلامها الاجتماعي، وتعطيل قطار التنمية، وتشويه الديمقراطية بتحويل الانتخابات الرئاسية والنيابية والمحلية إلى أعياد رسمية للجلوس.
وبسبب تصلب الرئيس السابق علي صالح ولجوئه إلى العنف في مواجهة الإرادة الشعبية المطالبة برحيله خرجت المشكلة اليمنية مبكرا من إطارها المحلي إلى الإطارين الإقليمي والدولي، وصالح نفسه من استدعى هذا الخروج وسعى إليه واستنجد به مقابل الحصول على الحصانة، وكان هذا مكسبا كبيرا له أبقاه محتفظا بنصف حكومة الوفاق الوطني، وأغلبية البرلمان، وأكثر من 90% من السلطة المحلية، مع تشبثه برئاسة المؤتمر الشعبي العام. لكن الرجل لم يتقبل الخروج من تحت الأضواء فذهب يواسي نفسه بلقب "الزعيم" الذي أصبح عنوانا لأعمال وممارسات وضعته تحت مجهر الشرعية الدولية كمعطل للتسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة.
وعوضا عن استشعار مخاطر هذا التعطيل على أمن اليمن واستقراره استثمر صالح نفوذه في الجيش وأعاق إعادة هيكلته لتوظيفه في التحالف مع "عدوه اللدود" عبد الملك الحوثي. ومما يؤسف له أن هذا الأخير أساء التقدير وقبل أن يلعب دور طاقية إخفاء مفرطاً بالمكاسب السياسية الكبيرة التي ضمنتها ثورة 11 فبراير لجماعة " أنصار الله " على أمل تحولها من مليشيا مسلحة إلى حزب سياسي شريك في صياغة مستقبل البلاد.
لقد كان شعار " إقالة حكومة الفساد وإسقاط الجرعة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني " مجرد غطاء لتنفيذ انقلاب 21 سبتمبر 2014 وتقويض العملية السياسية الجارية برعاية إقليمية ودولية. واليوم يتحدث الانقلابيون عن "حرب ضد العدوان"، وكأن الأمر استتب لهم والشعب اليمني بارك انقلابهم واحتفى به لولا العدوان الذي أفسد الأمر ووقف ضد ما اختاره اليمنيون!!!!!!. والحقيقة أن الانقلاب كان مغامرة غير محسوبة سياسيا ووطنيا، خرجت على الدستور والقانون وعلى التوافق الوطني، وتعدت على سيادة الدولة، وقفزت على حساسية الموقع الجغرافي لليمن في الصراع الإقليمي، وفي أعقابها تحولت دول مجلس التعاون الخليجي بسرعة قياسية من راع للتسوية السياسية في اليمن إلى تحالف عربي محارب تقوده السعودية بغطاء دولي داعم لشرعية التوافق الوطني التي يمثلها ويرمز إليها الرئيس الانتقالي عبد ربه منصور هادي.
ومنذ اللحظات الأولى للتدخل العسكري في اليمن والسيطرة المطلقة على مجاله الجوي بدا واضحا أن تحالف صالح والحوثي يخوض حربا عبثية في الداخل، وحربا خاسرة مع الخارج، ويفرط بأمن اليمن واستقراره ولحمته الوطنية، ويعرض مقدراته للدمار وأهله للجوع والقتل والتشرد والنزوح.وعوضا عن تحكيم العقل والتخلي عن خيار الحرب بالعودة السريعة إلى شرعية التوافق الوطني، نصَّبَ هذا التحالف نفسه مالكا حصريا لليمن وناطقا بلسانه ، وأطلق آلته الإعلامية للإسراف في استعداء الخارج وتخوين الداخل وإهانته وتعذيبه وقتله.ومازال مصراً في السير على هذا النهج رغم قساوة الحرب ومآسيها على اليمن واليمنيين.
وفي ظل الحرب توالت القرارات الأممية صريحة في التأكيد على وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، وعلى الدعم القوي للشرعية التوافقية، وإدانة الانقلاب، والدعوة إلى نبذ العنف وعودة كل الأطراف إلى طاولة الحوار على أساس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل. ومن الطبيعي أن تقابل هذه القرارات بترحيب كل يمني يعي أهمية التوافق الوطني من أجل استقرار الوطن ويدرك استحالته بغير دعم قوي من المجتمع الدولي للعملية السياسية في اليمن.
لقد آلت ثورة 11 فبراير السلمية إلى عملية سياسية متعددة الأطراف رعتها الأمم المتحدة لنحو ثلاث سنوات على أساس المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية. وبفضل ذلك التعدد تمخض مؤتمر الحوار الوطني عن مخرجات برنامجية جرى على أساسها صياغة مشروع لعقد اجتماعي جديد على الطريق لبناء دولة اتحادية مؤهلة لمعالجة مشاكل اليمن المزمنة، وإعادة صياغة الوحدة اليمنية على أساس الحل العادل للقضية الجنوبية كقضية سياسية، وعودة الجنوب إلى وضعه الطبيعي كشريك حقيقي وفاعل في المعادلة الوطنية. وبينما كان اليمنيون يستعدون لمناقشة هذا المشروع والاستفتاء عليه، وإعادة بناء الدولة وفقا له، جاء انقلاب 21 سبتمبر 2014ليشكل واقعا جديدا على الأرض أوقف العملية السياسية ودفع البلاد إلى أتون الحرب.
إن عملية سياسية شاملة لكل الأطراف أفضل – وإن كانت أصعب – من عملية سياسية قاصرة على أطراف دون غيرها. وانطلاقا من هذه القناعة يدعو الحزب الاشتراكي اليمني العقلاء من كل الأطراف– بما في ذلك " أنصار الله " - إلى استدراك الوقت والإصغاء إلى القرار الأممي 2216 والاصطفاف حول مبادرة وطنية جامعة مؤهلة لإنهاء الحرب التي لا جدوى من استمرارها سوى مضاعفة أعداد القتلى والجرحى والمشردين والنازحين من أبناء الشعب اليمني،وتدمير المدن والبنى التحتية، والمزيد من تعقيد مشاكل البلاد، وتوسيع دائرة مجرمي الحرب وتجارها.
وليعلم الجميع أن الوطنية الحقة هي امتلاك الشجاعة لتقديم تنازلات موجعة من أجل الوطن والشعب، وأن إيقاف الحرب وحقن دماء اليمنيين لهو مكسب وطني وإنساني نبيل له الأولوية القصوى على ما سواه ، ودونه تهون كل المكاسب التي يسعى إليها طرف ما أو عدة أطراف.
إن القرار الأممي2216 صريح في تأكيده على أن كل الإجراءات التي يتخذها الحوثيون تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن، وتهدد أمن البلد، واستقراره، وسيادته، ووحدته. والحوثيون مطالبون وفقا لهذا القرار بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات تدخل في نطاق السلطة الحصرية للحكومة الشرعية، وتسليم السلاح، وعدم استهداف المدنيين، والانسحاب الفوري دون قيد أو شرط من المؤسسات الحكومية في العاصمة والمحافظات الأخرى ومن جميع المناطق التي استولوا عليها.وما لم تنفذ جماعة " أنصار الله " ما يخصها من هذا القرار ستظل تقدم الذرائع تلو الذرائع لاستمرار ما تسميه الآن بالعدوان، الذي نراه تدخلا عسكريا خارجيا لم يعد يفرق بين أهداف مدنية وعسكرية، بل وصل به الأمر إلى استهداف أفراد ومساكن مأهولة ومنشئات مدنية.
إن الحزب الاشتراكي اليمني إذ يصدر هذا البيان يؤكد من جديد على عبثية الحرب الراهنة ويجدد الدعوة إلى إيقافها والعودة إلى الحوار في إطار الشرعية السياسية التوافقية التي ارتضاها اليمنيون وتوافقوا عليها، ويعيد التذكير بأن الانتصارات في الحروب الداخلية بين أبناء الوطن الواحد تفضي دائما إلى الإقصاء وتكريس مبدأ الغلبة وتؤسس لانكسارات وطنية تعيد انتاج الحروب وتقذف بالبلاد إلى دوامة عدم الاستقرار.
ولكي تكون هذه الحرب آخر الحروب يناشد الحزب الاشتراكي اليمني شركاء الحياة السياسية من الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وكل الفاعلين وأهل الرأي وكل العقلاء من كل الأطراف، لا سيما جماعة " أنصار الله "، إلى تغليب مبدأ إيقاف الحرب على مبدأ الانتصار العسكري، ويؤكد أن الانتصارات الحقيقية هي تلك التي تتحقق في ميدان السياسة لصالح اليمن وطنا وشعبا. ودروس الحروب الداخلية تؤكد أن انتصاراتها كلها هزائم للوطن، وما "انتصار"7 يوليو 1994 عنا ببعيد.
صادر عن الحزب الاشتراكي اليمني/ صنعاء - الثلاثاء23 فبراير 2016.