البخيتي يتحدث في حوار مطول عن مصير المشاورات وقضايا هامة (النص)
أكد القيادي السابق في جماعة “أنصار الله” الحوثية علي البخيتي أهمية المشاورات اليمنية التي تستضيفها دولة الكويت لإحلال السلام في اليمن، طارحاً ما وصفها ب”المعادلة الذهبية” لإخراج المشاورات من عنق الزجاجة، عبر تقديم ضمانات أممية متبادلة لطرفي النزاع تؤدي إلى طمأنتهما وتفتح الباب أمام إنهاء الحرب.
البخيتي الذي كان قيادياً سياسياً كبيراً في “أنصار الله” وممثلها في مؤتمر الحوار قبل أن يعلن انفصاله عن الحوثيين إثر دخولهم صنعاء في سبتمبر 2014، عرض في حوار شامل مع “السياسة” رؤيته للأزمة وخلفياتها وأسبابها ونتائجها والحلول المطروحة لها، مشدداً على أن الحوثيين عليهم تقديم غالبية التنازلات في مشاورات الكويت لأنه لديهم السلطة في صنعاء وبعض المحافظات، فيما لا يمكن مطالبة الطرف الآخر بالتخلي عن ورقته الأقوى الممثلة بالشرعية.
وكشف البخيتي أن الإيرانيين و”حزب الله” مستاؤون من الحوثيين بسبب تقاربهم الأخير مع السعودية، واصفاً جماعة الحوثي بأنها “مجموعة تم إحياؤها من القرن الأول الهجري ووضعوا في القرن الواحد والعشرين الميلادي من دون أن يخضعوا لأي عمليات تأهيل أو دورات تدريبية”.
وفي ما يلي نص الحوار:
* ما قراءاتك للمشاورات اليمنية – اليمنية في الكويت ؟
/ ان المشاورات في الكويت إيجابية جداً، خاصة أنها تنعقد في دولة عربية وخليجية لها في ذاكرة اليمنيين الكثير من الاحترام والود، سيما أن المساعدات التي كانت تقدمها الكويت لليمن خلال العقود الماضية تختلف عن المساعدات التي قدمتها دول أخرى، لأنها لم تكن مشروطة يوماً، وكانت تركز على البنية التحتية والنهضة التعليمية، ولم تكن تذهب إلى مراكز نفوذ قبلية، واليمنيون يحبون الكويت، وهذا ما دفع الناس للتأمل خيراً من الحوار فيها، إضافة إلى أن هناك حفاوة رسمية كبيرة من سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ومن الشعب الكويتي، كما أن استضافة الوفود اليمنية في قصر بيان تحمل رسالة قوية جداً للمتحاورين عليهم أن يعوها جيداً وأن يقدروها من خلال بذلهم مساعي حثيثة وصادقة للتوصل إلى السلام.
* بحكم معرفتك بالحوثيين، ألا يدركون أنه لا يمكنهم حكم اليمن؟
ان الحوثيين أو “أنصار الله” احيط بهم الكثير من اللبس، وكثير من الأطراف فهمتهم من خلال الإعلام المعادي لهم. كان هناك جماعة اسمها الشباب المؤمن هدفها الأساسي هو إحياء المذهب الزيدي الذي تعرض لعملية تجريف منهجية من قبل الدولة ونافذين هدفت لإحلال مذاهب جديدة محله في المنطقة الزيدية، لم يلتحق بها حسين الحوثي إلا أخيراً، واختلف مع مؤسسيها ومنهم محمد عزان وعبدالكريم جدبين وعلي أحمد الرازحي، وبدأت أفكاره تشذ عن جماعة الشباب المؤمن، وسعى لجر الحركة إلى ملعب السياسة، واعترض عزان وجدبان والرازحي عليه، وحاججوه وحاصروا أفكاره، ولم يبق معه الا العشرات من الأتباع، لكن للأسف أدى التعامل الأمني القمعي من نظام علي عبد الله صالح و”الإخوان” بأجنحتهم القبلية والدينية والعقائدية والعسكرية مع حسين الحوثي وأتباعه إلى تحولها إلى حركة عنف مسلح.
تصاعدت الأمور وانفجرت ست حروب في صعدة ومحافظات أخرى، ونتيجة للممارسات الخاطئة للنظام والجيش ومخابراته والقبائل التي شاركته بعض الحروب واستباحتهم للكثير من المناطق وحرمات الناس ونهبهم ومعاملتهم بشكل سيء توسعت المشكلة كثيراً.
وكانت تلك الأخطاء سبباً في الانتصارات العسكرية التي حققها الحوثيون، وكلما سيطروا على مناطق زادت ثقتهم في أنفسهم وهنا بدأ مشروعهم في التبلور، وكلما توسعوا بالسيطرة أكثر كبر مشروعهم وحلمهم أكثر.
لم تكن احلام الحوثيين ما قبل 21 سبتمبر 2014 عند دخولهم صنعاء مشابهة لأحلامهم بعد دخولهم، وأنا أجزم بهذا الكلام وأتحدث من داخل الحركة حيث بدأت مشكلاتي معها منذ لحظة دخولهم صنعاء وتوسع مشرعهم.
قبل ذلك التاريخ كانت الحركة تطمح إلى شراكة سياسية تكون بموجبها جزءاً من السلطة ومن كل مؤسسات الدولة بعد أن يتم دمج جناحيها العسكري والأمني في مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية إضافة إلى استيعابه أجنحتهم الأخرى في أجهزة الدولة المدنية وفقاً لما نصت عليه مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وكان فعلا عندهم هذا الأمل لأنهم تعبوا من الحروب وكانوا يريدون أن يصبحوا جزءاً من الدولة، لكن للأسف الأطراف التي كانت حاكمة آنذاك أي التحالف الثلاثي بين الرئيس عبد ربه منصور هادي و”الإخوان” وحزب “المؤتمر” برئاسة صالح كانوا يرفضون إشراك الحوثيين وتطبيق مخرجات مؤتمر الحوار، لأن الكعكة ستتوزع على شريحة أكبر، وسيدخل الحوثيون والحراك الجنوبي بموجب مخرجات مؤتمر الحوار. ونتيجة لذلك وصل الجناح الأمني والعسكري لدى الحوثيين إلى قناعة بأنه لا فائدة من الحوار السياسي، وبالأخص بعد تعرض مظاهراتهم السلمية داخل صنعاء لعمليات قمع شديدة أدت إلى مقتل العشرات منهم.
وبناء على ذلك، قرر الحوثيون الدخول في معركة مع الجناح الذي في السلطة الذي كانوا يحملونه مسؤولية قمعهم وقتل متظاهريهم، لكنهم لم يتوقعوا انهيار الدولة بمجرد سقوط تلك الفرقة العسكرية التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، إذ أن مؤسسات الدولة كافة سقطت وبسهولة في أيدهم وسارع قادتها بإعلان الولاء لانقلاب الحوثيين، ليس في صنعاء فقط بل في أغلب المحافظات، فقد تمكن الحوثيون من الانتقال من صنعاء إلى ضواحي تعز ومدينة الحديدة في أقل من أسبوع، ولم يكن ذلك ناتجاً عن عملية عسكرية بل عن سقوط نظام في يد جماعة.
وخلال تلك المرحلة لم يواجه الحوثيون في سيطرتهم على بقية المحافظات أي قوة عسكرية بدليل أنهم مثلاً عندما دخلوا الحديدة وهي محافظة كبيرة لم يسقط لهم قتيل واحد.
* كيف تطور مشروع الحوثيين ومخططهم في تلك المرحلة؟
/ بعد سيطرتهم على المحافظات الواحدة تلو الأخرى، شعر الحوثيون أن وصولهم إلى عدن والمحافظات الجنوبية والسيطرة عليها بأقل الخسائر هو بمثابة “تمكين” من الله وأن زعيمهم عبد الملك الحوثي كزعيم ديني يجب أن يحافظ على هذه الهبة التي منحها الله إليه ولم تمنحها السياسية والحوارات أو الانتخابات، ولأن الحوثي مؤمن بنظرية ولاية الأمر وهي شبيهة إلى حد ما بنظرية ولاية الفقيه في إيران اعتقد أن ذلك النصر ايذاناً من الله بتطبيق تلك النظرية المذهبية السلالية العنصرية الضيقة للدين الإسلامي الحنيف.
أبقى الحوثيون في الظاهر على النظام الجمهوري، لكنهم شرعوا في الباطن في تأسيس نظام امامي في صورة جمهورية، إذ أنهم بدلاً من أن يسعوا لتعزيز مؤسسات الدولة، عملوا على ترسيخ وتقوية مؤسسات جماعتهم الموازية لمؤسسات الدولة، وبدلاً من أن يدمجوا مؤسساتهم الخاصة في المؤسسات الرسمية الموجودة عملوا على دمج المؤسسات الرسمية في مؤسساتهم البدائية الهزيلة، وبالتالي أصبح الحكم فعلياً لعبد الملك الحوثي في صعدة، من دون أن يحمل أي صفة رسمية، مع أن الظاهر أن هناك لجنة ثورية وأن هناك مسؤولين ومؤسسات رسمية تعمل في داخل صنعاء لكن الحقيقة أن الريمونت كونترول داخل صعدة عند ولي الأمر.
هل كان هذا حلم الحركة ومشروعها الذي قاتلت من أجله؟ أنا أجزم أن هذا الكلام غير دقيق تماماً، لكن بعد دخولهم صنعاء والمحافظات بسهولة ظنوا أنهم وصلوا إلى مرحلة “التمكين”، ووصلوا إلى قناعة أن الله معهم 100%.
وعندما بدأت “عاصفة الحزم” والتدخل العربي في اليمن، مع أنني ضد هذا التدخل وأعتبر أنه تجاوز الحدود المطلوبة منه بكثير، وما تعرض له الحوثين من هزائم دفعتهم للخروج من المحافظات الجنوبية وبعض الشمالية، بدأوا يدركون أن الله ليس معهم، وقد قلت لهم بصراحة أن الله الذي كان معكم في صعدة لم يكن معكم في عدن، المسألة ليست أن الله مع أحد، المسألة هي أنكم في صعدة كنتم تدافعون عن بيوتكم وأسرتكم ومزارعكم ووجودكم، لكن عندما ذهبتم إلى عدن فإن الله مع أبناء عدن، وعندما ذهبتم إلى محافظات خارج نطاق تواجدكم فإن الله حتماً سيكون مع أبناء تلك المحافظات.
* هل كان باستطاعة “أنصار الله” السيطرة على صنعاء وباقي المحافظات من دون تواطؤ مباشر من علي صالح وحزبه؟
/ هناك وهم كبير للأسف مع أكاذيب كثيرة وُجِدت حول دور الرئيس السابق صالح الذي سلم السلطة في 2012 وسلم الجيش والأمن وقام عبد ربه منصور هادي بتغير ابن صالح وإخوانه وأبناء أخيه وكل أقربائه من كل الوحدات العسكرية والأمنية، حتى أنه غير قادة الكتائب والوحدات العسكرية الذين كان يشعر بأنهم موالون لصالح ونقل الكثير منهم إلى مناطق بعيدة خارج صنعاء.
وبالتالي ليس منطقياً القول ان صالح بقي مسيطراً على هذه الوحدات وسهل دخول الحوثيين، فعلينا أن نكون واضحين بشأن هذه النقطة… المسؤول الأول الذي كان يحكم اليمن ورئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة هو عبد ربه منصور هادي.
لا شك أن علي صالح متعاون مع الحوثيين حيث كان يجمعه معهم هدف مشترك هو أولاد الأحمر وحزب “التجمع اليمني للإصلاح” (إخوان اليمن) وعلي محسن الأحمر، الذين يعتقد أنهم وراء محاولة اغتياله في حادثة جامع النهدين الشهيرة التي استشهد فيها رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني وأصيب وقتل آخرون من كبار مسؤولي الدولة وقتها، لكن السبب الرئيسي لدخول صنعاء ليس صالح والتحالفات الخفية بل هو تقاعس وضعف هادي وسلطته، فلم يكن هناك أمر عملياتي واحد من هادي بصفته رئيس الدولة للقوات المسلحة لمواجهة الحوثيين ومنعهم من دخول صنعاء … عبد ربه منصور هادي للأسف كان يضحك على دول الخليج فقد زار السعودية بعد سقوط عمران وطمأنها، ثم بعد عودته من المملكة بفترة بسيطة أعلن من داخل عمران في تصريح رسمي بعد سيطرة الحوثيين عليها أنها عادت للدولة.
وبالتالي أنا أحمل الكثير من الأطراف مسؤولية سقوط صنعاء لكن أحمل عبد ربه منصور هادي المسؤولية الأولى لأنه كان صاحب السلطة الرسمية … أما بالنسبة للتحالف بين الحوثيين وصالح فهو تحالف مصلحة يمكن أن ينهار في أي لحظة لو انتهت الحرب وعادت الأوضاع إلى المنافسة السياسية.
* ما هو تقييمك للتفاهمات بين الحوثيين والسعودية؟
/ هناك تفاهمات على بعض القضايا لكن لا يمكن اعتبارها تسوية أو اتفاق شامل، والدليل أن الكثير من الجبهات لا تزال متفجرة، وقصف التحالف لا يزال يطال الكثير من المناطق، وبالتالي كان هناك بعض التفاهمات المحدودة وحتى هذه التفاهمات الأمنية والعسكرية يتم خرقها بين الحين والآخر ويظهر أنها لم تكون واضحة بالدرجة الكافية.
ان السعوديين حسب معرفتي بهم، خصوصاً أنني ساهمت بشكل كبير في فتح قنوات التواصل بينهم وبين الحوثيين، لم يفاوضوا أنصار الله على أي قضايا سياسية، فهم يتركون ذلك للأطراف اليمنية، وانحصرت تفاهماتهم في كيفية وقف العمليات العسكرية بين مختلف الأطراف إضافة إلى عمليات التحالف تسهيلاً للحوار السياسي.
وباعتقادي ان الحوثيين فهموا التفاهمات مع السعودية خطأ وظنوا أنهم تمكنوا من احتواء السعودية وأنهم سيقدمون أنفسهم في المستقبل كشريك للمملكة وبقية دول الخليج، وقد يعترفون بسلطتهم، وهذا اعتقاد خاطئ، وقد دفع سوء فهم الحوثيين لتفاهماتهم مع المملكة إضافة إلى عدم وضوح تلك التفاهمات في ما يتعلق بالتزامات المملكة والتحالف إلى تفاقم الأوضاع واشتعال الحرب من جديد في الكثير من الجبهات واستمرار غارات التحالف حتى اليوم وإن بوتيرة أقل.
* إلى أين وصلت مشاورات الكويت وهل تتوقعون نجاحها خاصة في ظل الضغط / الاقليمي والدولي لوقف الحرب في اليمن؟
حتى الآن حسب معلوماتي لا يوجد توافق حصل حتى على نقطة واحدة، ومن يتحدث بغير هذا الكلام يحاول تجميل الواقع. للأسف الأطراف السياسية اليمنية سواء التي أتت من الرياض أو من الداخل لا تدرك أن مشاورات الكويت هي الفرصة الأخيرة الممنوحة للوصول إلى تسوية سياسية، وبعد المشاورات سيكون الأمر مختلفاً عما قبلها.
الحوثيون فهموا الانفتاح العربي والغربي عليهم خطأ وهو ما دفعهم للتعنت في مسألة التسوية السياسية ولا يدركون أن السفراء الغربيين وغيرهم يحملونهم مسألة عرقلة المفاوضات لسبب بسيط هو أن أوراق القوة في الداخل وبالأخص في صنعاء والمحافظات المحيطة بها (مركز ثقل السلطة في اليمن) غالباً بيدهم، فيما الطرف الذي جاء من الرياض ليس بيده حقيقة أي قرار وسلطة فعلية، إذ أن المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين في غالبها لا تخضع لسلطة هادي عملياً، بل لسلطة مجموعات مسلحة وسلطات مختلفة في الجنوب ترفع علماً آخر ولها مطالب بفك الارتباط والانفصال.
ولأن العاصمة في يد الحوثيين فإن التنازلات يفترض أن تقدم في غالبها منهم، أما الطرف الثاني فليس بيده سوى ورقة الشرعية ولا يمكنهم بالتالي التخلي عن ورقة الشرعية بسهولة. فإذا سقطت ورقتهم الوحيدة ما الذي يستطيعون عمله؟، وبالتالي فمن المنطقي أن يتم الضغط على الحوثيين بتقديم تنازلات في الجانب الأمني والعسكري، وتقدم لهم بالمقابل ضمانات بمشاركتهم في كل مستويات السلطة ووقف التدخل العربي، وإذا تعنتوا بعد ذلك يتم تحميلهم مسؤولية فشل الحوار.
هناك اتفاق على العناوين التي يتم بحثها وأهداف الحوار وأهمها تسليم السلاح والانسحاب من المناطق وأن يكون هناك حكومة وحدة وطنية والاتفاق على سلطة جديدة، لكن الخلاف على تراتبية تلك الخطوات والبرنامج الزمني لكل منها والضمانات، ومتى ما صلحت النية باعتقادي أنه يسهل حل تلك القضايا الخلافية طالما هناك تفاهم على الأهداف، فلا يعقل أن نُدمر اليمن لخلاف على آلية زمنية أو تراتبية تنفيذ الخطوات.
أنا أعتقد أنه يجب التوصل إلى معادلة فيها تطمين للطرفين، وبالتالي إذا أرادت الأمم المتحدة وسفراء الخليج وسفراء دول مجلس الامن الوصول إلى تسوية عليهم تقديم معادلة فيها ضمانات للطرفين، بحيث تضمن للطرف الحكومي بأن تبقى شرعيته إلى أن ينسحب الحوثيون من أهم المدن اليمنية على الأقل، وفي الوقت نفسه تضمن للمؤتمر الشعبي العام وللحوثيين ألا ينفرد هادي في هذه الفترة باتخاذ اي قرارات وأن يعود لشرعية التوافق الذي نصت عليها المبادرة الخليجية ووثيقة مؤتمر الحوار، إلى حين الاتفاق على سلطة رئاسية بديلة فور عودة القوى السياسية والسفراء إلى صنعاء.
هذه هي المعادلة الذهبية التي ستخرج اليمن من الأزمة، وإذا ما نجحت دول الخليج في تقديم ضمانات حيالها فإن العرب سيظهرون وللمرة الأولى أنهم تمكنوا من حل مشكلة سياسية. وأنا أقول للإخوة في دول الخليج انه إذا تمكنوا من حل الأزمة اليمنية عبر العمل السياسي والحوار فإن هذا سيمثل نصراً ستراتيجياً لهم، لأن النصر في العملية السياسية هو نصر بعيد المدى أما حسم المعركة عسكرياً فسيؤدي إلى سقوط المزيد من المناطق في مربع الفوضى والفشل، كما حصل في بعض المحافظات بعد اخراج الحوثيين منها.
أنا مع أن نختبر نية الحوثيين، بمطالبتهم بالانسحاب من المدن الرئيسية (صنعاء وتعز والحديدة) التي تشكل نسبة 5 في المئة من مساحة المناطق التي يسيطرون عليها، وبالتالي ستبقى لديهم أوراق كثيرة، أما الطرف الآخر فليس بيده سوى ورقة الشرعية ولا يمكن مطالبته بالتنازل عنها بسهولة، مع ملاحظة أن هادي وابنه جلال قد اساؤوا كثيراً إلى ورقة الشرعية و إلى دول التحالف حيث حولوها إلى ملكية خاصة مارسوا عبرها لصوصية واستغلال منقطع النظير.
حتى يثبت الحوثيين صدق نواياهم تجاه السلام يجب أن تُسلم مدينة صنعاء على اقل تقدير إلى لجنة عسكرية من ضباط يمنيين مستقلين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقلال عن أطراف الصراع، ولا أنصح بتقاسم تلك اللجان لأنها ستفشل في عملها كما فشلت لجان التهدئة التي تم تحاصصها ثم تمترس كل طرف مع تياره السياسي، وبعد رفع اللجان العسكرية والأمنية تقريراً مؤيداً من الأمم المتحدة بأن الحوثيين انسحبوا وسلموا الأسلحة يتم تشكيل سلطة جديدة، على مستوى الحكومة ومؤسسة الرئاسة، وعلى دول التحالف ضمان عدم افساد هادي للتسوية عبر اتخاذه قرارات مفاجئة كما حدث عندما غير رئيس الوزراء السابق بحاح، متجاوزاً شرط التوافق الذي جاء به إلى السلطة وعلى أساسه مُنح الشرعية، لذا كان يسمى الرئيس التوافقي، قبل أن ينقلب على التوافق ويحصل نزاع بعدها حول شرعيته.
* إلى اي مدى يمكن القول ان هناك ضوء أخضر من إيران للحوثيين لتقديم تنازلات؟
/ أنا لدي تحليل خاص لهذا الموضوع. فالحوثيون بحسب تقييمي مستقلون تماماً في قرارهم السياسي وحتى الأمني والعسكري عن إيران، وعلاقتهم معها ليست كعلاقة “حزب الله” بل هي مختلفة تماماً.
الأكيد أن هناك دعماً إيرانياً يصلهم بطريقة أو بأخرى لكن هذا الدعم ضئيل جداً إذا ما قورن بالدعم الإيراني المقدم ل”حزب الله”، والدعم الذي يتلقاه الحوثيون ليس له القدرة على التأثير في قرارهم، إضافة إلى أن الحوثيين مختلفين عقائدياً عن إيران، فليسوا اثني عشرية ابداً، وان كانوا تأثروا بالجانب السياسي للثورة الخمينية.
لو كان هناك دور قوي لإيران على الحوثيين لكانت جعلتهم أكثر عقلانية، بدليل أن “حزب الله” مثلاً ابن المدرسة الإيرانية عندما دخل بيروت وسيطر عليها في مايو 2008 عاد وانسحب خلال ساعات وسلمها للدولة، وبذلك أوصل الرسالة وأصبح بشكل أو بآخر الطرف الذي يتحكم في لبنان من وراء ستار، لكن الحوثيين ليسوا بهذا الذكاء وليس لديهم دهاء المدرسة الإيرانية، ونحمد الله على ذلك.
وأنا نقلت رسائل من السفارة الإيرانية ومن مسؤولين إيرانيين والكثير من قيادات “حزب الله” للحوثيين مفادها أن لا تتورطوا في دخول صنعاء والسيطرة على السلطة بمفردكم، لأنه سيقابلها مسؤولية كبيرة وستحاصركم كل الدول وسيتم افشالكم وستخسرون الشعب، ولا تدخلوا مناطق لا حاضنة شعبية لكم فيها ولديها خصوصية مذهبية، ونصحوهم بأن لا يدخلوا الجنوب، فكل ذلك سيسبب حساسية ومشكلات كبيرة.
لكن الحوثيين ضربوا بهذه النصائح عرض الحائط ولو استمعوا لها لكان الوضع مختلفاً تماماً. كما أن الإيرانيين كانوا يقولون للحوثيين احتفظوا بهادي لأنه أحسن رئيس ممكن أن تجدوه، خاصة أنه لم يصدر أوامر للقوات المسلحة بمواجهتكم.
ان الحوثيين بالنسبة لي وإن كان لهم جسم امني وعسكري قوي وفاعل وجسم اجتماعي قوي على الأرض لكنهم بصريح العبارة “أغبى جماعة سياسية في التاريخ اليمني المعاصر”، لأن غباءهم وضعفهم السياسي يطيح بكل المكتسبات التي يحققها الجانب العسكري والأمني.
يمكن أن أصف الحوثيين باختصار أنهم “مجموعة تم احياؤها من القرن الأول الهجري ووضعوا في القرن الواحد والعشرين الميلادي دون أن يخضعوا لأي عمليات تأهيل أو دورات تدريبية”.
* هل تقصد أن قرار دخول صنعاء لم يكن بضوء أخضر إيراني؟
/على العكس من ذلك فالإيرانيون -برغم أنني أختلف معهم وأعارض أي تدخل لهم في اليمن- كانوا أذكى ويعرفون أن دخول صنعاء وسيطرة الحوثيين على السلطة يعني نهايتهم، لذلك قدموا لهم تلك النصائح من وحي الحرص على مصالحهم ومصالح حليفهم في اليمن.
أعيش حالياً في بيروت وأعرف تماماً أن الإيرانيين وقيادات “حزب الله” مستاؤون جداً من تقارب الحوثيين مع السعوديين ويعتبرون أن الحوثيين انبطحوا وقدموا تنازلات كبيرة بمجرد أن فتحت لهم الرياض لهم نافذة صغيرة في مدينة ظهران الجنوب، بدليل أن أمين عام حزب الله حسن نصرالله لم يعد يأت على ذكر الملف اليمني في خطاباته الأخيرة الا بشكل عابر، رغم أنه كان يتطرق إليه في كل خطاباته السابقة وكان يخصص له وقتاً مطولاً، ويراهن بشكل قوي على الحوثيين ويضع معادلات ولاءات كثيرة كالتي كان يضعها في لبنان.
* باعتقادك هل يعد الحوثيون جماعة دينية لا يمكن الوصول معهم إلى تسوية سياسية ك”القاعدة” و”داعش”، أم أنهم جماعة لها أهداف سياسية يمكن التفاهم بشأنها؟
الحوثيون جماعة براغماتية إلى أبعد حد، صحيح أنهم يغذون قواعدهم بشعارات الموت لأميركا وإسرائيل واللعنة على اليهود، لكن ثبت من خلال عملهم السياسي ومن واقع ممارستهم الأخيرة أنهم جماعة براغماتية سياسية لأبعد حد تسعى للسلطة مثلها مثل أي حزب وهذا أمر مشروع بل وايجابي جداً.
لكن كم يؤلمني ويحز في نفسي عندما أراهم هنا في الكويت يلتقون مع السفير الأميركي في اجتماعات عدة، مع أنني معهم في هذا الأمر وهذا من صميم العمل السياسي، لكن ما يؤلمني ويدمي قلبي أنهم يلتقون السفير الأميركي فيما يواصلون تعبئة قواعدهم تحت شعار “الموت لأميركا” وهو الأمر الذي يؤدي إلى سقوط قتلى وإزهاق أرواح، ولو اقتصر الأمر على ترديد شعارات في الهواء كالتي يرددها المتظاهرون في أوروبا مثلاً ضد الولايات المتحدة فلا مشكلة لي مع تلك الشعارات.
واللافت ان الحوثيين يلتقون بالأميركيين في الكويت ليلاً نهاراً ويقدمون لهم العروض والتنازلات ويقدمون أنفسهم على اعتبارهم الطرف الاقدر على حماية اليمن من “القاعدة” وحماية باب المندب واستقرار اليمن وبالتالي حماية المصالح الأميركية والغربية بشكل عام.
وفي اللحظة التي قدم فيها وفد الحوثيين في الكويت قبل يومين تعازيه للسفير الأمريكي في العملية الإرهابية التي وقعت في نادي للمثليين في اورلاندو والدموع تكاد تتساقط من أعينهم تأثراً بالحادث، فجروا منزل العقيد عبدالعزيز عبدالقوي العيزري والشيخ عادل علي محمد في منطقة الكعبين بمديرية القبيطة التابعة لمحافظة لحج وهم يرددون (الموت لأميركا الموت لإسرائيل)، ما جعلني مصدوم وعاجز عن التعليق وعن تخيل كل هذا التناقض في جوف رجل واحد، فكيف بجماعة كاملة!!، وتبادر إلى ذهني سؤال مُلح لم أجد له إجابة: كيف يبررون لأتباعهم كل هذا السقوط؟!
كما أنهم يتحدثون عن السعودية باعتبارها عدواً ثم ذهبوا إلى ظهران الجنوب ووقعوا سبع اتفاقات لوقف إطلاق النار فيها اشادة بدور المملكة الإيجابي ومنحوها ما يشبه دور الرقيب على تنفيذ تلك الاتفاقات، ثم عادوا لنفس الخطاب المُشيطن للمملكة وتحريض المواطنين على القتال.
ان موقفي من الحوثيين لا يعني أني مؤيد لعاصفة الحزم، صحيح أنها أتت بطلب من قوى سياسية يمنية رئيسية ومن سلطة يعترف بها العالم –وان كنا لا نعترف بها بعد اتخاذ هادي لقرارات متجاوزاً لشرعية التوافق- لكنها تجاوزت الحدود المطلوبة منها بكثير، فلم تميز العاصفة بين سلطة الحوثيين الانقلابية وجناحهم الأمني والعسكري من ناحية، وبين المدنيين والمدن ومؤسسات الدولة التي بنيناها خلال أكثر من خمسين عاماً وبنيتنا التحتية المتواضعة من ناحية ثانية، فقد عوقب وحوصر الجميع، ودمرت الكثير من المؤسسات والبنية التحتية والمصانع العامة والخاصة …. وكنت مع أن تدعم دول الخليج ثورة شعبية سلمية ضد الحوثيين حيث كانت الأجواء مواتية لها قبل العاصفة، وكان سيخرج الناس بالملايين إلى الشارع وسيعجز الحوثيون عن مواجهة المدنيين بالسلاح، وحتماً كانوا سيسقطون، فجماعة الحوثي تحيا بالحرب وتموت بالسياسة.