تحضيرات الحسم العسكري في اليمن: تنازلات سياسية وإلا الاجتياح
صعّد التحالف العربي بقيادة السعودية عملياته العسكرية في اليمن على نحو غير مسبوق منذ أشهر، ونفّذ العشرات من الضربات الجوية خلال اليومين الماضيين، بالتزامن مع تكثيف قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية عملياتها الميدانية، بهدف التقدم نحو العاصمة صنعاء. وكشفت مصادر قريبة من الحكومة اليمنية و"المقاومة الشعبية" أن هذا التصعيد يندرج في إطار توجه لـ"الحسم العسكري"، عقب فشل مشاورات السلام برعاية الأمم المتحدة في الكويت.
وذكرت مصادر تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، وأخرى محلية، أن مقاتلات التحالف بدأت موجة ضربات جوية هي الأعنف في الأشهر الأخيرة، وشنت عشرات الغارات ضد أهداف عدة في محافظات صنعاء (الضواحي وأمانة العاصمة)، وتعز وإب والجوف وصعدة وحجة وعمران والحديدة. واستهدف القصف مواقع عسكرية ومقرات يسيطر عليها الحوثيون والموالون للرئيس السابق علي عبدالله صالح. وأضافت المصادر أن الضربات الجوية تركزت في محيط صنعاء، حيث يعتبر طرفا الصراع أن المعركة فيها مصيرية لكل منهما. وقد استهدفت عشرات الضربات الجوية مواقع عسكرية وأهدافاً في مديرية "نهم" شرق العاصمة اليمنية، بالتزامن مع مواجهات هي الأعنف بين الانقلابيين وقوات الجيش الموالية للشرعية، والتي تتقدم نحو العاصمة، وأعلنت السيطرة على عدد من القرى والمرتفعات الجبلية في الأيام الأخيرة، إثر معارك سقط فيها قتلى وجرحى بالعشرات، أغلبهم من الحوثيين وحلفائهم.
وامتدت الضربات الجوية إلى المناطق المحيطة بمديرية "نهم"، إذ شنت قوات التحالف عشرات الضربات ضد معسكرات تابعة لقوات الحرس الجمهوري الموالية لصالح، في مديرية "أرحب" شمال العاصمة، وهي المديرية التي تضعها قوات الشرعية هدفاً لها بالتقدم من جهة نهم. كما شملت الضربات مناطق متفرقة في مديريات "سنحان" و"بني بهول"، و"خولان"، جنوب وشرق العاصمة. وجرى استهداف أبراج الاتصالات في "جبل الخضم" بمديرية "بني حشيش"، شرقاً، ومنطقة "الصباحة" بمديرية "بني مطر"، غرب صنعاء. وعادت الضربات في العاصمة، بوتيرة غير معهودة منذ بدء الهدنة في العاشر من إبريل/نيسان الماضي. واستهدفت مقاتلات التحالف منطقة "النهدين" حيث مقر الرئاسة اليمنية، ومعسكر "الصيانة" شمال العاصمة، ومواقع أخرى.
وعلى إثر التصعيد، أبلغ التحالف العربي الأمم المتحدة، بإيقاف الرحلات من وإلى مطار صنعاء الدولي، لمدة 72 ساعة، قد تكون قابلة للتمديد، في مؤشر على احتمال أن يتواصل التصعيد في الأيام المقبلة. وتأتي الضربات الجوية المكثفة في صنعاء، في ظل تلميحات من الشرعية وقيادات المقاومة ب"معركة حاسمة". وهو ما عبّر عنه الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في اتصال مع رئيس هيئة الأركان، اللواء محمد علي المقدشي. وقال هادي وفقاً لما نقله موقع وكالة الأنباء اليمنية بنسختها الحكومية، إن "بشائر النصر قادمة لا محالة وستهزم وتندحر إلى الأبد المشاريع الضيقه الفئوية والمناطقية ومن يقف خلفها".
وتقف قوات الشرعية عملياً على بعد عشرات الكيلومترات من العاصمة صنعاء، بعدما تقدمت منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2015 من جهة مأرب، وسيطرت على مواقع توصف بالاستراتيجية في مديرية "نهم". وأفاد مصدر قيادي في المقاومة الشعبية بصنعاء، طلب عدم ذكر اسمه، بأن هدف قوات الشرعية حالياً يتمثل في استكمال السيطرة على مديرية "نهم" والتقدم باتجاه مديرية "أرحب" المحاذية لها من الشمال، بما يجعل الجزء الشمالي من العاصمة، ومنه مطار صنعاء، تحت نيران قوات الشرعية.
وتتوقع قيادات المقاومة و"الجيش الوطني" وفقاً للمصدر، أن يؤثر هذا الهجوم مباشرةً على الحزام القبلي المحيط بالعاصمة صنعاء، من خلال انشقاق شخصيات قبلية عن الانقلابيين وتأييدها للشرعية. وبعدما كان الجانب الحكومي متحمساً لـ"الحسم العسكري"، أتت العمليات الأخيرة للتحالف العربي لتخدم هذا الخيار.
ورأى البعض أن دول التحالف بقيادة السعودية بدأت، من خلال تصعيد القصف، تتبنى فكرة حسم المعركة عسكرياً والوصول إلى العاصمة صنعاء، لاستعادة مؤسسات الدولة وإعادة الحكومة الشرعية، بعد فشل مشاورات الكويت. ومع أنّ الحسم العسكري بات هو التوجه المرجح وفقاً للتطورات الأخيرة، إلا أنه لا يزال من المتوقع أن تؤدي العمليات العسكرية لنتائج سياسية تتمثل بتقديم الانقلابيين لتنازلات، من خلال موافقتهم على ما رفضوه خلال مشاورات الكويت، الأمر الذي يتعزز مع وجود أصوات تحذر من مخاطر وكلفة نقل المعركة إلى صنعاء، علماً بأن التحالف لم يعلن رسمياً خيار حسم المعركة عسكرياً.