نداء السلام: أوقفوا الحرب!
تكمل الحرب في اليمن عامها الثاني. تغطي الحرب جل مناطق اليمن. حصيلتها الفاجعة أكثر من عشرة آلاف قتيل وفق إحصاءات المنظمات الدولية. الجرحى مئات الآلاف.
المشردون أكثر من ثلاثة ملايين. المعاقون خارج الحصر. طال التدمير عشرات المدن ومئات القرى: الأحياء السكنية، الأسواق، المعالم والآثار، والمدارس، والجسور، والبيوت، والمصانع، والمزارع، والمؤسسات، والمنشآت، والمشاريع التي بنيت من عرق الإنسان اليمني، أو من مساعدات ومعونات الدول الصديقة والشقيقة، وطال التدمير معالم أثرية.
اليمن أمام كارثتين حقيقيتين: الحرب الداخلية، والحرب الخارجية، نجم عنهما جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب، وحصار داخلي، وحصار خارجي.
يطال الحصار البر والبحر والجو، كما يقطع أوصال التواصل بين المدينة والمدينة، والقرية والأخرى. مدينة تعز أكبر المدن اليمنية محاصرة منذ ما يقرب من عامين. دُمِّرت المدينة، وقتل المئات والآلاف من أبنائها، وهدمت مآثرها ومعالمها الحضارية. أفق الحرب مسدود، والحسم العسكري شديد الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً.
شيئاً فشيئاً تتحول الحرب إلى حرب الكل ضد الكل. استمرارها يقوي الإرهاب والاتجاهات الأكثر فاشية ودموية، ويؤذن ببديل أكثر دموية ويشكل خطورة ضد الجميع، وهو موجود في غير منطقة، والحرب - بما فيها قصف الأمريكان - يزيدها انتشاراً أو تعاطفاً.
إستمرار الحرب خطره ليس فقط على المدنيين الذين قتل منهم أكثر مما قتل من المحاربين، وإنما يمتد إلى قادة الحرب أنفسهم، وأنموذجاً: أفغانستان والصومال ليسا ببعيدين. الحرب المدمرة لن تقف عند حد، ونتائجها كارثية على كل اليمنيين بما في ذلك قادة الحرب ومشعليها.
الدعوة للسلام نابعة من إدراكنا أن الحرب كريهة وخطيرة في أي بلد وفي أي زمان أو مكان، ولكن خطورتها في بلد كاليمن أنها تصبح نمط حياة، ووسيلة معيشة وكسب، ومصدر جاه وثراء للمتاجرين بها والمنتفعين منها؛ فهي حرب أهلية بامتياز تدخل كل مدينة وقرية، وتطال كل فئات وشرائح المجتمع، هي إرث وبيل، وثارات تبدأ ولا تنتهي، تعرش في بيئة مجاعة شاملة، وأوبئة فتاكة.
دمار الحضارة والآثار والسدود في اليمن (السعيدة سابقاً)، وخراب الزراعة والتجارة، وانهيار الكيانات المتكرر مرده في جانب مهم إلى الحرب. الحرب تلغي السيادة والاستقلال، تدمر الكيان اليمني، تلغي الإرادة الوطنية الموحدة، وتعصف بالأمن والاستقرار. ألغت التعددية السياسية والحزبية، وصادرت الحريات العامة والديمقراطية وحرية الرأي والتعبير؛ فلا صوت يعلو فوق صوت المليشيات.
غابت حقوق الإنسان بعد أن قتل الإنسان نفسه، تعطلت التجارة والزراعة ومصالح المجتمع ككل، ونهبت مرتبات الموظفين التي تعيل ملايين الأسر والتي تمثل آخر ما تبقى من الدورة الحياتية في جسد الإقتصاد المنهار. التقارير الدولية تؤكد أن عشرين مليون يمني في حالة مجاعة، وأن من كل خمسة أشخاص أربعة جوعى، وأن اليمن حالياً يمثل أسوأ بلد في مختلف مناحي الحياة، وما يقرب من نصف مليون طفل معرضون للموت جوعاً. يدمر بلده و يقتل أهله.
السلام يتضمن العودة لمخرجات الحوار؛ فالحوار نفسه نفي للحرب، ومعطى من معطيات السلام. والأسئلة الحقيقية غالباً ما تطرح عقب الحرب، ولا بديل غير التصالح والتسامح، وقبول العيش المشترك. السلام إقرار والتزام وتقيد بكل الوثائق المقرة التي مهرها المتحاورون؛ فالمنتصر الوحيد هو السلام. كل قرارات مجلس الأمن، ابتداء من القرار 2014، و2015، وصولاً إلى القرار 2216، تدعو إلى وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن، والعودة للحوار، والتقيد بالمرجعيات الدولية.
إذا كانت الحرب نفياً للحياة، ومن باب أولى إماتة للسياسة وللحريات والحقوق المدنية والسياسية، وتعطيل معاش الناس وأمنهم وسلامهم واستقرارهم، ونهب لمرتباتهم، وهي منذ الرصاصة الأولى، غرسٌ للثارات والضغائن والأحقاد، ونفي للتسامح، وعدم قبول بالتعايش والحوار، وهذا ما تعيشه اليمن واليمنيين كل لحظة، فإن السلام في أهم معانيه يعني العودة إلى مخرجات الحوار، والالتزام بالقرارات الدولية والمبادرات الأممية التي ينبغي التحاور حولها، والمبادرات الدولية كلها مؤكدة ذلك.
الحرب الكريهة وحدها تلغي الإنسان وتميت السياسة وتنبذ الحوار. السلام هو التربة الصالحة لعودة الحياة الآمنة والمستقرة، والقبول بما توافق عليه الجميع في الحوار الوطني الشامل، والقبول بالمرجعيات الثلاث؛ فهي المضمون الجوهري لمعنى السلام ومبناه. في السلام يعلن البشر خياراتهم، ويبرزون التنوع والتعدد واحترام الرأي والحقوق، ويتوافقون على صنع مستقبلهم بحرية واختيار بعيداً عن نزوع الغلبة والقوة. وهذا ما يدعو إليه نداء وقف الحرب الموقع من أكثر من أربعمئة يمني، نداء السلام العادل، ولن يكون السلام إلا عادلاً، وإلا فلن يكون سلاماً.
هذا فهمنا للمعنى العظيم. يدرك الجميع أن العوامل الداخلية قد تراجعت، وأن الإرادة الوطنية العامة ضعيفة؛ فهي مفككة ومنقسمة ومتحاربة. وفي ظل ضعف العوامل الداخلية يصبح الطرف الإقليمي المتدخل في الصراع هو الأقوى، ويلقي الصراع الدولي بظله على الوضع الهش مسانداً للصراع. الخشية أن تصبح الحرب اليمنية نسياً منسياً؛ فالمعارك في العراق وسوريا وليبيا هي العنوان الرئيس حالياً. ويشهد العالم جنوحاً غير مسبوق نحو اليمين، وبروز الإتجاهات الشعبوية في أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، وبروز اليمين المتطرف إلى الواجهات السياسية في ألمانيا وهولندا وفرنسا.
وهذه الإتجاهات المتطرفة تدفع إلى مزيد من التوتر والعداء لبلدان العالم الثالث، وتغذية صراعاتها، والتضييق على المهاجرين. في اليمن، يتركز الصراع الكالح من حول الإستفراد بالسلطة أو من حول الأنصبة والحصص، أكثر مما هو من حول المطالب الوطنية أو القضايا المجتمعية.
هؤلاء المتحاربون هم كل المشكلة وجزء أساس من الحل. يريدون إلغاء إرادة الناس وتعطيل مشاركة الشباب والمرأة والمستقلين. لا يقبلون ببعضهم ومن باب أولى لا يقبلون بالآخرين. وليس من مخرج للكارثة التي نعيش غير الإحتكام للسلام، والتصالح والتعايش مع أنفسنا ومعهم.
مختلفون حول صيغ النداء أو لمن يجب أن يوجه هذا النداء؟ أو الذين يريدون منا موقفاً مبدئياً وثابتاً، وأن لا نكون محايدين، وأن… وأن… إلخ. نقول لإخواننا: بأننا نرى أن الصراع الإقليمي قوي وموجود إلى الحد الذي يسوغ توجيه الخطاب إليه لتحميله مسؤولية القتل والدمار الذي يلحق بشعبنا، بل تحميله جزءاً من مسؤولية ما يجري، كما يفعل مجلس الأمن والمنظمات الدولية. خطابنا مع ملوك ورؤساء العرب والإقليم لا يلغي مسؤولية الزعماء وقادة الحرب اليمنيين الذين هم جذر المأساة وأساس الكارثة.
أقطاب الصراع الإقليمي الممولون والمساندون أكثر قدرة على الضغط على المتحاربين، وهم الأساس في الرباعية الراسمة لخارطة وقف الحرب؛ فهم جزء أساس من الحرب، ونرى أنهم الأقدر على التأثير والتدمير. وعندما يتصدى أناس لدعوة السلام، فلا بد أن يكونوا بعيدين بمسافة عن أطراف الصراع وعلى مسافة واحدة من الجميع، وأن يتخلصوا من التهم أو الأحكام المسبقة؛ فالسلام أسمى وأغلى من الإدانة والتجريم والتحيز لهذا الطرف أو ذاك، السلام أزكى المبادئ وأسماها لأنه اسم من أسماء الله الحسنى، ومعنى الحياة الأقوى من الموت.