تقارير ووثائق

شرق صنعاء وميناء الحديدة: جبهتا الحرب والضغط السياسي

تحتدم التطورات الميدانية في اليمن حول جبهتين رئيستين للمواجهات بين قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي وبين الانقلابيين، وهما شرق العاصمة صنعاء، ومحافظة الحديدة غربي البلاد. وتكتسب الجبهتان قدراً من الأهمية السياسية والعسكرية وتتداخل فيهما الضغوط الدولية بجهود التسوية السياسية بين الفرقاء في البلاد.

فالجبهة الأولى (شرق صنعاء) ترتبط أهميتها بكونها الطريق إلى العاصمة صنعاء، مركز الدولة وسيطرة الانقلابيين في الوقت الحالي، والثانية (محافظة الحديدة) تضم المرفأ التجاري الأهم الذي يغذي مناطق الكثافة السكانية بالواردات، فضلاً عن أن مدينة الحديدة من أهم المدن اليمنية ومن شأن انتقال الحرب إليها، إطباق الحصار على مناطق سيطرة الانقلابيين مثلما تهدد في الوقت نفسه، بتفاقم تدهور الأوضاع الإنسانية.

وتصدرت جبهة المواجهات في شرق صنعاء، تطورات الأيام الماضية، إذ أكدت مصادر في "المقاومة الشعبية" وأخرى تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، أن معارك عنيفة تدور رحاها بوتيرة يومية منذ ما يقرب من أسبوع، مع بدء قوات الجيش اليمني الموالية للشرعية موجة عمليات جديدة تسعى من خلالها إلى تجاوز مربع المواجهات في مديرية نِهم إلى مديرية أرحب، المحاذية لها شمال العاصمة.

وفيما كانت مصادر رسمية تابعة لقوات الجيش الموالية للشرعية أعلنت منذ أيام، انتقال المواجهات إلى أرحب، تقول مصادر أخرى إن المواجهات لا تزال في منطقة محاذية لها، من جهة مديرية نِهم وإنها على مشارف أرحب، التي تسعى للوصول إليها مع استمرار العمليات والتعزيزات التي استقدمتها أخيراً إلى ساحة المعارك، الواقعة بين صنعاء ومأرب.

وتعتبر مديرية أرحب، بالنسبة لقوات الشرعية، من أبرز الأهداف التي يمكن أن يمثل التقدم إليها تحريكاً للجمود في الحرب المستمرة شرق العاصمة منذ أكثر من عام، ومن خلالها تستطيع تهديد مطار صنعاء الواقع تحت سيطرة الحوثيين والموالين للرئيس السابق علي عبدالله. كما أنها حاضنة اجتماعية لزعماء قبائل موالين للشرعية، وتحديداً من قيادات حزب التجمع اليمني للإصلاح، ومنها قائد مقاومة صنعاء حالياً الشيخ منصور الحنق، وآخرون.

وبالتزامن، أبدت القيادة الشرعية، في الأيام الماضية، اهتماماً ملحوظاً بمتابعة تطورات شرق صنعاء، إذ أجرى الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي اتصالات للاطلاع على آخر التطورات. وأشاد حسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية "سبأ"، بنسختها التابعة للشرعية، بالتقدم الذي حققته "قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية"، وقال إن "المشروع الوطني وبناء الدولة الاتحادية" والقضاء على من وصفها ب"القوى الإمامية الكهنوتية"، يعتبر أمراً "لا مناص منه مهما كانت التضحيات". بدوره، قام نائب رئيس الوزراء، وزير الخدمة المدنية، عبدالعزيز جباري، بزيارة تفقدية لقوات الشرعية في مناطق المواجهات، يوم الاثنين الماضي.

إلى ذلك، تأتي جبهة محافظة الحديدة الحيوية المطلة على البحر الأحمر، على رأس أهداف الضربات الجوية لمقاتلات التحالف العربي، إذ تتعرض الأهداف المفترضة والمواقع العسكرية التي يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم لغارات جوية بوتيرة شبه يومية، منذ شهور، وازداد التركيز عليها، مع انطلاق عملية "الرمح الذهبي"، التي أطلقتها قوات الشرعية مدعومة من التحالف العربي في الساحل الغربي لليمن، وتمكنت على ضوئها من السيطرة على أجزاء كبيرة من مديريتي ذوباب والمخا غرب تعز، وهما أقرب المناطق اليمنية الساحلية إلى مضيق باب المندب.

ومع وصول الشرعية إلى المخا، واستمرار المعارك في ميدي، وهي الجزء الشمالي من الساحل الغربي بمحافظة حجة، تتجه الأنظار إلى الحديدة باعتبارها هدفاً مقبلاً لأي عملية عسكرية في الساحل الغربي. وهي محافظة تكتسب أهمية استثنائية، باعتبارها تحوي المرفأ التجاري البحري الأهم في البلاد، وتتوسط الساحل الغربي لليمن وتطل على البحر الأحمر بأكثر من عشر مديريات.

وفي خضم المخاوف والعمليات الجوية المستمرة في الحديدة، جدد المتحدث باسم التحالف العربي، اللواء أحمد عسيري، يوم الاثنين الماضي، في تصريحات صحافية مطالبة الأمم المتحدة بتولي الإشراف على الميناء، واعتبر أنه بات مصدراً للتهريب من قبل الحوثيين ويستخدم لأعمال عدائية، فيما بدا مؤشراً على احتمال أن يسعى التحالف لإغلاق الميناء في الفترة المقبلة، ما لم يقبل الانقلابيون الدعوة بتسليمه لإشراف الأمم المتحدة.  إلا أن الأمم المتحدة رفضت هذه الدعوة. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، إنّ "على الطرفين المتحاربين في اليمن مسؤولية حماية المدنيين والمنشآت التحتية في هذا البلد"، مضيفاً أنّ "هذه الواجبات لا يمكن نقلها إلى آخرين". 

وجاءت دعوة التحالف للأمم المتحدة بالإشراف على الميناء، بعد أيام من مقتل 42 لاجئاً صومالياً وجرح العشرات جراء قصف تعرض له القارب الذي كانوا على متنه، رداً على الضغوط الدولية التي تواجهها دول التحالف بقيادة السعودية، على خلفية التصعيد في مدينة الحديدة، إذ أطلقت الأمم المتحدة وأطراف دولية بينها روسيا، تحذيرات من استهداف الميناء، واعتبرت أن المزيد من التضييق على الميناء أو اقتحامه، سيدفع بالبلاد خطوة جديدة نحو المجاعة، التي باتت تهدد نحو سبعة ملايين يمني، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

وتأتي هذه التطورات، في ظل تراجع مؤشرات العودة إلى طاولة المفاوضات، إذ لا تزال الأطراف اليمنية تتمسك بمواقفها تجاه المقترحات المقدمة من الأمم المتحدة، والتي يبدو أنها مجمدة بشكل غير معلن إلى حين، على الرغم من تأكيد المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، أن الخطة لا تزال تنطلق من الأسس نفسها، لكنه في الوقت نفسه، يؤكد أن لا جديد طرأ يمكن أن يمثل تغيراً محورياً في المسار السياسي، ما لم تطرأ مفاجآت في هذا الإطار.

زر الذهاب إلى الأعلى