في وصف الريال.. جوهرة الوسط التي لا يوجد مثلها في إنكلترا
ألا يقلقك أداء اليوم في كأس السوبر؟ تم توجيه هذا السؤال لمورينيو في المؤتمر الصحافي بعد مباراة الريال واليونايتد، ليرد المدرب البرتغالي بكلمات حاسمة "في البريميرليغ لا يوجد ريال مدريد، ولا يوجد كروس ومودريتش وإيسكو وكاسيميرو"، في إشارة قوية تدل على قوة وسط الريال وتفرده في الفترة الأخيرة.
وينجح الميرنغي مؤخراً كلما أشرك هذا الرباعي في المنتصف، مع رسم شكل "الجوهرة" بوجود كاسيميرو في الخلف وأمامه إيسكو، وبينهما كل من مودريتش وكروس، لينجح الفريق في إضافة لقب جديد إلى خزائنه ويفوز على اليونايتد في مباراة جيدة على مدار شوطيها.
ركن الحافلة
اختار مورينيو في البدايات أسلوب "ركن الحافلة" المعروف عنه، بالرهان على خطة لعب 3-6-1 وتقليل الفراغات بين الخطوط، ليختار ثلاثي دفاعي صريح أمام مرمى دي خيا، سمولينغ في العمق وعلى يمينه لينديلوف ويساره دراميان، مع فتح الأطراف بالثنائي فالنسيا ولينغارد، رفقة خط وسط ثلاثي يبدأ بماتيتش وينتهي بالفرنسي بوغبا مروراً بأندير هيريرا، رفقة مخيتاريان كلاعب وسط متقدم ومهاجم متأخر خلف رأس الحربة الوحيد لوكاكو.
ربما نجحت هذه الطريقة من مورينيو أمام بعض الفرق في إنكلترا بالموسم الماضي، كما حدث ضد تشيلسي في الدوري، بسبب وضع هازارد تحت الرقابة الفردية، ومنع حامل لقب البريميرليغ من تنفيذ المرتدات السريعة، ليحافظ اليونايتد على شباكه أولاً، ومن ثم يبحث عن التهديف مستغلاً عامل الوقت لصالحه، لكن في نهائي السوبر الأوروبي ضد ريال مدريد، لم تفلح أبداً هذه المحاولة لإيقاف فريق زيدان، لأن بطل دوري الأبطال يستطيع التسجيل من أنصاف الفرص، دون الحاجة إلى بذل مجهود مضاعف بالتمرير، أو حتى استغلال الهجمات المرتدة فقط.
يعتبر الريال من أفضل فرق أوروبا إذا لم يكن أفضلها فعلاً في ألعاب الهواء، لذلك عرف كيف يتعامل مع أسلوب خصمه الدفاعي، بالصبر على الهجمة وعدم التسرع في البحث عن أهداف، ليأتي الحل سريعاً باستخدام سلاح الكرات العرضية، من خلال صعود كاربخال داخل نصف ملعب الفريق المنافس، وهز شباك دي خيا عن طريق القادمين من الخلف، ليصل اللاعب القابع أسفل دائرة المنتصف في معظم الفترات إلى منطقة جزاء اليونايتد، ويسجل هدف التقدم الذي جعل فريقه أقرب إلى الفوز رغم محاولات جوزيه المتكررة للنيل من الإسبان داخل الملعب كما ينجح خارجه.
خط الأمان
يُعرف كاسيميرو بأنه لاعب الارتكاز التقليدي في خطة 4-3-3، يقطع الكرات ويقلل من هجمات الخصوم، يعود كثيراً للتغطية خلف تقدم الأظهرة، ويعطي زملاءه راحة مضاعفة في التقدم إلى الهجوم، لذلك ينطلق مارسيلو إلى الثلث الأخير، ويزيد كروس ليقوم بصناعة الفرص والأهداف رفقة الكرواتي لوكا مودريتش، مع الطاقة المضاعفة الذي يوفرها كارخال على اليمين، لذلك يشبه البرازيلي أسطورة هذا المركز في بدايات الألفية، كلود ماكيليلي، الذي قال عنه زيدان حينما كان لاعباً "إنه أشبه بمحرك السيارة البنتلي" في دلالة واضحة على قوته وصلابته وتأثيره الإيجابي على زملائه.
زيدان ليس أول مدرب في مدريد يعتمد على كاسيميرو، بل يُنسب الأمر لرافا بينيتيز، لكن الجدير بالذكر أن شخصية زيدان القوية نجحت في إجبار بيريز على تقدير اللاعب البرازيلي، ليقنعه بقدراته وأهميته للفريق، من خلال الابتعاد عن فرض أسماء معينة في التشكيلة الأساسية على حسابه، كما كان يُشاع سابقاً قبل كلاسيكو البرنابيو في موسم 2015-2016، والذي انتهى لصالح البارسا برباعية نظيفة. وقتها لعب الريال بخطة هجومية بحتة مع وضع كاسيميرو خارج التشكيلة الرئيسية رغم ما قدمه من مستوى مميز في بدايات الموسم.
عنونت الصحف البريطانية بعد المباراة قائلة، انتظر الجميع مباراة قوية بين بوغبا وكروس ومودريتش، لكن كاسيميرو من خطف الأضواء من الجميع، بمجهوده الدفاعي الوافر وإضافته الهجومية البارزة. ولا تقتصر هذه الإضافة على تسجيل هدف التقدم، بل أظهر اللاتيني تطوراً ملحوظاً على مستوى التمرير، بالعمل على زيادة دقة هذه المهارة، لتصل إلى نسبة 94 % أمام مانشستر، مع تسريع نسق الأداء بجرأته لعب التمريرات العمودية، واستغلال سلاحه الفتاك في المباريات الكبيرة، بالتسديدات بعيدة المدى، بعد أن ضمن لفريقه الفوز أمام يوفنتوس في نهائي كارديف الشهير، وبالتالي يتطور كاسيميرو مع الوقت، ليُظهر عدم الاكتفاء بالشق الدفاعي فقط، وتحسين قدراته الهجومية لمساعدة فريقه عند إغلاق الطرق أمام نجوم الخط الأمامي.
طرفا المعادلة
يسجل الملكي أهدافاً بالجملة من العرضيات، لكن هذا لا يحدث بسهولة كما يعتقد البعض، فهذا العمل يأتي بعد مجموعة تمريرات في جانب من الملعب، واحد اثنان ثلاث وفجأة لعبة عرضية إلى الجانب الآخر، وهنا طوفان أبيض نحو الكرة. فريق مثل اليونايتد أو يوفنتوس يركز على جانب واحد، بينما يقابل أربعة لاعبين في جانب آخر، يزيد هذا الرقم إلى خمسة وستة في بعض الأحيان، وقبل التركيز على قطع الكرة من حاملها، يتحول اللعب مباشرة إلى الاتجاه الآخر بتمريرة قطرية خاطفة، هذا الأسلوب في اللعب يُعرف بال Switching Play أو قلب الهجمة من طرف إلى طرف.
كروس هو نجم هذا النوع من اللعب القائم على قلب التمركز من جانب لآخر، لأنه بارع في إتقان الكرات القطرية التي تتعدى أكبر قدر ممكن من اللاعبين، مع تميزه في كسر مصيدة الضغط بلعب التمريرات الذكية في وبين الخطوط. ويميل الألماني باستمرار إلى اليسار قليلا، حتى يغطي على مارسيلو في حالة تقدمه، ويعطي البرازيلي كرات أفضل على الخط الجانبي، مع دخوله إلى العمق بطريقة مباغتة، حتى يلعب الكرة الطولية تجاه كاربخال في الناحية الأخرى، باختصار شديد إنه الموزع الرئيسي الذي يمد أظهرة فريقه بالهجمات بعيداً عن نقاط قوة الخصوم.
أما مودريتش فيتضاعف دوره في مثل هذه المباريات، لأنه يملك خاصية الاختراق من الخلف إلى الأمام، ويعبر الدفاعات المتكتلة بسرعته وخفته بالكرة ومن دونها، لذلك يعتمد عليه زيدان ومن قبله أنشيلوتي في مباريات "التشامبيونزليغ" بالأخص، لأنه لا يكتفي بالحركة المباشرة تجاه العمق، بل يتحول إلى الطرف في بعض الأحيان، ليقوم بدور الجناح الوهمي على حافة منطقة الجزاء، من أجل لعب الكرات العرضية من أقصى الخط إلى خارج الصندوق، حتى يقابلها لاعبو الوسط في المرمى مباشرة، أو يستغلها بيل الهارب خلف ظل بنزيمة.
الخيار الأفضل
بدأ إيسكو الموسم الماضي على الدكة لكنه قدم أفضل مستوى ممكن ضد أتليتكو مدريد في الكالديرون، وقتها فقط احتاج زيدان إليه، لأن خصمه يدافع بشكل مميز ولا يترك فراغات كبيرة أمام المرتدات، لتزيد الحاجة لنوعية الأسماء التي تراوغ وتتفنن في التألق خلال أضيق الفراغات الممكنة، مما يدل على الدور المحوري لهذا اللاعب، لأنه أفضل إسم ممكن في ريال مدريد عندما يتعلق الأمر بالمراوغة والمهارة والقدرة على تخطي المدافعين، لذلك تتضاعف الحاجة إليه أمام الفرق التي تدافع بشكل متأخر ولا تهاجم كثيراً.
أمام مانشستر يونايتد على سبيل المثال، استخدم مورينيو طريقته الشهيرة "المايند جيم" أو حرب العقول قبل المواجهة، عندما صرح في المؤتمر الصحافي "إذا لعب بيل المباراة سيستمر في الريال، لكن إذا لم يشترك وجلس على الدكة، وقتها سنجلبه بأي شكل"، ليعتقد الكثيرون أنه يؤثر بالسلب على فريق الريال قبل ساعات من النهائي، لكن هناك رأي تكتيكي يؤكد بأنه أراد فعلاً إجبار زيدان على اللعب بغاريث بيل أساسياً، خصوصا بعد دخول رونالدو القائمة النهاية للمباراة، لتزيد خيارات اللعب بخطة 4-3-3.
زيدان أشرك بيل في المباراة لكنه فضل إراحة كريستيانو ووضع أسينسيو على الدكة، حتى يتخلى عن رسم 4-3-3 في سبيل خطته الأنجح على الإطلاق 4-1-2-1-2، بتواجد ثنائي هجومي صريح في الأمام، مع فتح الطريق على مصراعيه أمام الظهيرين على الخط، دون إهمال تغطية الفراغات في منتصف الملعب، لكن كل هذا لم يكن يتم إلا بوجود إيسكو أساسياً، لأنه رأس هذه الخطة التي تعتمد على تمركز صانع اللعب أمام الوسط وخلف الهجوم مباشرة.
يعود الرقم 22 إلى مناطقه من أجل البناء من الخلف، والبحث عن الزيادة العددية على اليسار رفقة بيل وكروس، ليستغل الريال حركة لاعبيه المستمرة، وينجح في التوغل بالمنطقة ما بين هيريرا ولينديلوف. كذلك ينطلق صانع اللعب إلى الأمام بالقرب من لاعبي الهجوم، حتى يخلق حالة 3 ضد 3 أمام دفاعات اليونايتد، ويستغل سرعته ومهارته في إيصال فريقه إلى الشباك كلقطة الهدف الثاني، ليكتب اسمه بحروف من ذهب كأحد نجوم المباراة والمرحلة الحالية ككل.