مدخل
من منطلق عقائدي يخصهم بذلك, بقي الأئمة مسيطرين على الحكم في اليمن ما يزيد على الألف عام, كلما ذهب إمام خلفه آخر, حتى جاءتْ ثورة 1962 م والتي أطاحت بالإمام أحمد حميد الدين لتغلق ملف هذه الدولة وتاريخها الطويل ..
دولة ما بعد الثورة لا تعتبر شرعية من منظور زيدي, غير أن وضعهم في مرحلة ما بعد سقوط مملكتهم لم يمنحهم أكثر من ضرورة الرضا والتسليم بالأمر الواقع, ليتحول هذا التسليم مع الأيام إلى وضع طبيعي وربما شرعي من وجهة نظر زيدية أخرى ..
وهذا يعني أن الزيدية قد دخلت مرحلة فكرية جديدة تخلتْ فيها عن بعض ثوابتها العقدية, كما حدث في إيران عندما تخلى الخميني عن عقيدة (الانتظار) تحت غطاء (ولاية الفقيه) أي أن التخلي قاسم مشترك وإن كان المتخلى عنه يمثل طرفي نقيض ..
لقد جاء حسين بدر الدين الحوثي بعد ما يقارب الأربعين عامًا من عمر الثورة ليرمي أحجارة في مياه الفكر الزيدي الراكدة, لكنه اصطدم بواقعين : الأول, واقع الفكر الزيدي الذي يرى أنصاره أن العودة إلى السابق ستعني الصدام مع النظام وستضعهم في موقف محرج .. والثاني, واقع السلطة الذي يعتبر الثورة على الحكم الإمامي أهم ثابت وطني لا يمكن التغاضي عما ومن يحاول المساس به من قريب أو بعيد ..
لم يكن أتباع الفكر الزيدي ليرغبوا بصحوة من هذا النوع, صحوة قد تضعهم في مرمى التهمة إضافة إلى ما ستقدمه من خدمات لخصومهم الفكريين (السنة تحديدا) فكان عليهم أن يعلنوا معارضتهم لحسين الحوثي ولأفكاره التي تعبر عن اجتهاده الشخصي فقط .. لكن الحوثي زيدي في نهاية المطاف ..
لذلك لم يكتف بعض الحريصين على المذهب الزيدي (زيدية كانوا أو سنة) بتبرؤ كبار علماء الزيدية من تمرد الحوثي واعتباره تصرفا فرديا لا يمثل المذهب بالضرورة, فالمكايد الفكرية ستدخل اللعبة من باب واسع وستجد آذانًا صاغية, وقد كانت مسألة ربط تمرد الحوثي بالخارج كليًا, أهم من نفي علاقة الفكر الزيدي بتمرده..
لأن خلاف الحوثي (الأب والابن) مع بعض علماء الزيدية كمجد الدين المؤيدي, وزياراته لكلٍ من إيران ولبنان وحديثه الدائم عن ثورة الخميني ومقاومة حسن نصرالله في جنوب لبنان, حجج ليستْ سهلة لإلصاق تهمة الإمامية به في أجواء كثُر فيها الحديث عن الغزو الإمامي لليمن ..
كما كان على جهات فكرية أخرى متخوفة من المد الإمامي أن تستثمر خلاف بعض علماء الزيدية مع الحوثي لصالح دعم موقفها من هذا المد, ولا مانع في سبيل ذلك من تبرئة الفكر الزيدي من التمرد في صعدة ..
وهذا ما حاول المؤلف تأكيده في معظم فقرات الكتاب من خلال نفيه وجود أي ارتباط بين (أفكار ومنطلقات الحوثي وتمرده) وبين (المذهب الزيدي) ،حاشداً كل ما تسنى له من الشواهد الفكرية, كحديثه عن مبادئ تنتمي إلى المذهب الجعفري خالف فيها الحوثي الفكر الزيدي – حسب تقدير المؤلف- وكذا من خلال استدلاله بوقائع معينة كزيارة الحوثي (الأب والابن) لإيران وجنوب لبنان والتصريحات والبيانات الخارجية الصادرة عن مرجعيات شيعية كبرى حول حرب صعدة ..
غير أن ما ذهب إليه المؤلف لا يعطي حقيقة كاملة ودقيقة عن الخلفية الفكرية والسياسية لحرب صعدة أو للتمرد, فإعجاب الحوثي بالثورة الإيرانية والمقاومة اللبنانية لا يعني أن منطلقات تمرده جعفرية, لأن هناك فرقا بين منهجية العمل الفكري وبين المعتقد, إضافة إلى أن الإعجاب لا يعني تقاربا فكرياً.. فانتصارات حزب الله ودقة تنظيمه وصموده في مواجهة العدو الإسرائيلي كان مثار إعجاب الجماهير العربية والإسلامية قاطبة..
ولو أردنا أن نبني على المبادئ الفكرية أحكامًا من هذا النوع لقلنا بأن ثورة الخميني مثلتْ تصالحا هامًا مع المذهب الزيدي لا العكس, على اعتبار أنها كانت ثورة على أهم مبادئ الفكر الإمامي (المهدي المنتظر) قبل أن تكون على الممثلين لهذا الفكر حينها ..
وهذا التصالح لا يقتصر على الجانب المنهجي (وسائل العمل) بل وصل إلى المعتقد, فثورة الخميني العملية, كان قد سبقها تمرد على مبدأ (الانتظار) عند الإمامية.. والمذهب الزيدي بكل فئاته يؤمن بمبدأ الثورة أو (الخروج على الحاكم الظالم ) حسب المصطلح الفكري, ولا يؤمن بقضية (المهدي).. فهل من السائغ قبول الرأي القائل إن الحوثي تأثر بالتوجهات الإمامية الجعفرية في اعتناق أفكار هي بالأساس زيدية أصيلة..؟!!
نخلص من هذا إلى أن حسين بدر الدين الحوثي لم يمثل بتمرده ظاهرة فكرية جديدة, وأن زيدية ما بعد الثورة كانت هذا الجديد فعلا, أما إعجابه بثورة الخميني ومقاومة نصر الله فلن يتجاوز النكاية بمن تخلوا عن هذه المنهجية من أبناء فكره الزيدي ..
وكما أنني ضد التمرد بشتى صوره إلا أنني ضد اصطناع منطلقات وأسباب غير حقيقية, وضد الاستغلال الفكري والسياسي له, ولهذا حاولت أن أقدم قراءة موضوعية للفكر الحوثي من خلال نقد قراءة مؤلف الكتاب ..
الكتاب
يقع كتاب (الحرب في صعدة من أول صيحة إلى آخر طلقة) في جزئين ..الأول خصصه المؤلف للرصد العسكري ويقع في 152 صفحة موزعة على أربعة فصول تتضمن عدة مباحث متفرقة والآخر للرصد الفكري, ويتجاوز عدد صفحاته المائتين أما فصوله فخمسة.
وهذا الكتاب هو أحد كتبٍ لا تتجاوز عدد أصابع اليد مما ألف عن أحداث صعدة, ويعتبر أوفرها حظاً من الحيادية – رغم ما فيه من تجاوز واضح للكثير من الحقائق التي يبدو وكأن المؤلف قد تعمد إغفالها أثناء تناوله للمحطات الرئيسية التي رافقت الأحداث منذ بداياتها الأولى - وهو أمر يثير العجب حقًا, حينما يتم إهمال مثل هذه القضية التي أثرت بشكل كبير على واقع اليمن وإمكانياته واقتصاده واستقراره الأمني والاجتماعي, وعدم تناولها تناولًا جادًا من خلال مناقشتها بتوسّع عبر أبحاث وندوات ومؤلفات موضوعية شاملة..
والمؤسف أن هذا هو شأن معظم القضايا الكبرى والمؤثرة والتي شكلت منعطفات حادة في تاريخ اليمن المعاصر ، إذ لم تنل حقها من الاهتمام والتحقيق والتوثيق.. ويقتصر الأمر-عادةً- على نشراتٍ صحفية متفرقة وأعمدةٍ متواضعة في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية, ومن هذه القضايا -على سبيل المثال- " حرب صيف 1994م " التي طُويت صفحاتها في الذاكرة ولم تندرج أحداثها وفصولها ضمن أية مؤلفات تتناولها بالرصد والتحليل المنصف رغم تداعياتها وآثارها التي لا تزال حاضرة إلى يومنا هذا.
لم أجد للمؤلف أعمالا أخرى غير هذا الكتاب, بل لم أعثر على شيء يؤكد وجود شخصية حقيقية بهذا الاسم رغم انتشار الكتاب واشتهاره كأحد مراجع البحث في هذه القضايا, ولا أستبعد حسب جهدي أن يكون اسم (عبد الله الصنعاني) صفة أكثر منه اسمًا ..
الجزء الأول
أصل الأزمة
يبدأ الكاتب مقدمته بإشارة سريعة إلى أن كثيرًا من الأزمات السياسية والحركات التصادمية التي تظهر في العالمين العربي والسياسي تواجَه من قبل الحكومات بمعالجات آنية وشكلية.. لا تلقي لآثارها بعيدة المدى أيّ بال, لكنها سرعان ما تظهر في ظرفٍ أو آخر, وفي هذا تلميح إلى أن حركة الحوثي لم تظهر فجأة بل كان لها إرهاصات ومقدمات أدى إهمالها إلى تفاقم المشكلة وتحويلها إلى ظاهرة لا مجرد فتنة عابرة ..
ثم يشدد في مقدمته على وجوب فتح ملف القضية ومناقشتها وعدم إهمالها أو الهروب من الواقع ويشير إلى أنه مجرد ناقل أمين يسعى للإنصاف والحيادية و"بدون تغفيل أو تهويل" حسب قوله.. إلا أن ما تضمنه الجهد المبذول في رصد الأحداث وطريقة التحليل للوقائع اعتراه نوع من الانحياز الواضح لوجهة النظر التي يتبناها الحزب الحاكم ..
هل الحوثي زيدي المذهب ..؟
أورد الكاتب شيئاً من السيرة الذاتية لحسين الحوثي في الفصل الأول .. ثم تدرج في سرد ما يؤكد أن الحوثي كان قد تمرد أولاً على الزيدية بأفكاره و معتقداته قائلاً: "المتأمل في مجموع محاضراته –أي الحوثي- ومجمل أفكاره يجد أنه لم يكن يمثل إضافة للمذهب الزيدي بأي شكل،بل ظاهرة جديدة عليه، اتسم بالجرأة في هدم المسلمات.."
وكأنه بهذا الفصل بين ممارسات الحوثي والمبادئ الزيدية يحاول تبرئة الزيدية مما قام به الحوثي و تأكيد أن أفعاله لا تمثل الزيدية بأي شكل, بل إنها نتيجة التأثر الكبير بالثورة الخمينية, واستمر على مدى صفحات الجزء الأول في محاولته إثبات صحة ما ذهب إليه, ومن ذلك: الإشارات المتكررة إلى القوة المادية التي برزت لدى الحوثي منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي و التي تعني بطبيعة الحال تلقيه دعمًا خارجيًا أغرى الكثير من الشباب بالالتفاف حوله، وتمكينه من فتح العديد من المراكز الدينية التي يطرح فيها مواعظه التحريضية آسرًا الجموع ببلاغته حتى "لكأنه المحكم الذي لا ريب فيه و لا شك" .
وينوه الكاتب إلى انتماء والده لفرقة الزيدية الجارودية القريبة في بعض أفكارها من الإمامية, مشيرًا إلى خلافاته الشديدة مع العلماء الزيدية و تأييده لابنه في الحرب ثم الخلاف الذي حدث في حزب الحق و أدّى إلى انسحاب الحوثي منه ثم تأسيس جماعة الشباب المؤمن و ملاحظة الشيخ مجد الدين المؤيدي كثيرًا من الخلل في مناهج هذه المجموعة ثم انشقاق الشباب المؤمن عن السيد مجد الدين و اتخاذ بدر الدين مرجعًا لنشاطاتهم.
والكاتب هنا يستغل كل هذه الأحداث والخلافات ليكرر ذات الفكرة بطريقة أو بأخرى و هي أن الزيدية بعيدة كل البعد عن ظاهرة الحوثي رغم أن الحوثي و والده من المحسوبين على الزيدية قبل التمرد ..
والمؤلف وهو يسرد كل تلك الإدانات لم يوضح كيف غابت هذه الممارسات (الخارجة عن القانون والمهددة للسلم الاجتماعي وللوحدة الوطنية وللتعايش المذهبي) عن أنظار أجهزة الدولة وجميع الأحزاب والمؤسسات الأخرى ولم تُكتشف أو لم تعد خروجاً عن النظام والقانون إلا بعد نشوب المواجهات المسلحة..!؟
وبدلاً من تتبع الأسباب الوجيهة التي دفعت الدولة إلى احتضان هذه الجماعة .. وبدلاً من تتبع مجريات الأحداث التي واكبت التحول في علاقة الحوثي وأتباعه بالنظام الحاكم ، اختزل المؤلف جوهر الأزمة في مسألة "ترديد الحوثيين لشعار: الموت لأمريكا.. الموت لإسرائيل"..
***
وتأتي بقية فصول هذا الجزء لتدعيم ما قرره في الفصل الأول من الصلة الوثيقة بين الحوثي وأطراف خارجية.. والحرص على إقناع القارئ بأن رؤى الحوثي وأفكاره ومقولاته تختلف جذرياً عن معتقدات المذهب الزيدي..
واستخدم المؤلف في سرده للجوانب العسكرية نقولات أوردها كما هي من مطبوعات وصحف محسوبة على طرف واحد دون التطرق إلى تصريحات وبيانات الأطراف الأخرى..
ويمكن تلخيص بقية فصول الجزء الأول على النحو التالي :
تناول المؤلف عدة محاور من ضمنها تجدد الحرب وادعاءات حوثية تتهم الدولة أنها تستهدف مواقعهم وبيوتهم وتحدث عن موقف الدولة الذي كان صارمًا هذه المرة رغم أن الحوثيين استخدموا عمليات نوعية لتجديد المواجهة كاستهداف الضباط وغير ذلك .
ثم يتحدث عن مواقف إيرانية لم تعد قادرة على التزام الصمت فشنت هجمات إعلامية متتالية على الحكومة اليمنية معتمدة على تقارير مشبوهة وملفقة تصلها من بعض الحوثيين, ثم أدرج رد جمعية علماء اليمن على البيانات الرافضية وبعدها تحدث عن التماس الحوثي العذر من الرئيس هو وصاحبه الرازمي وعفو الرئيس لهما ودعوته العلماء إلى اجتثاث قناعات الشباب المؤمن القاطنين في السجن .. ثم أدرج البيان الذي أصدره علماء اليمن حول ما أسماه الفتنة وتدابير لاحتوائها, وأغلب هذا الفصل نقولات للبيانات دونما تعليق عليها من قبله .. أما الفصل الرابع فقد خُصص للحديث عن مخالفات الحوثي العقدية رغم أن الجزء الأول حسب مقدمة المؤلف سيناقش البعد العسكري , وسيأتي تفصيل حول هذا الخروج ..
الجزء الثاني
يبدو أن الجزء الأول من الكتاب كان العمل الأصل للمؤلف قبل أن تولد فكرة الجزء الثاني, ولهذا نجد مضمونه عاما وليس مقتصرًا على البعد العسكري للقضية, وأن الفصل الرابع كان الإضافة الفكرية الخالصة له ..
وكأن الغرض من إلحاق هذا الفصل بالجزء, تدعيم الفكرة التي رسمها في البداية, أي أن الجزء الثاني هو امتداد للفصل الرابع من الجزء الأول, أو أن الفصل الرابع لم يف بالغرض على اعتبار أن ما سيق فيه عن حسين الحوثي من مخالفات عقدية وشبهات قد تُرك دون رد, وهو ما يمكن أن يؤثر على القارئ ..
ولهذا أشار المؤلف في مقدمة الجزء الثاني إلى أنه قد تطرق إلى البعد الفكري في الفصل الرابع لكن الجديد الأهم حسب قوله هو دحض وتفنيد تلك الأطروحات والشبهات ..
***
الحوثي إمامي بالقوة
إلى الفصل الأول من هذا الجزء والمؤلف يركز على نقطة ربط أفكار ورؤى الحوثي بالفكر الإمامي القادم من الخارج, لكنه لم يستند على شيء فيما ذهب إليه, بل ذهب يبني أحكامه هذه على أشياء لا يُبنى عليها حُكم, فبعد أن اعتمد على علاقة الحوثي بإيران في استنتاج جعفريته, هاهو يعود ليثبت ذلك من أسلوبه الدعوي وطريقة إلقائه للدروس والمواعظ ..
ومع أنه لا علاقة لأسلوب الحوثي الذي تحدث عنه المؤلف بالأسلوب الإمامي, لأنه كما يعبر عنه (يوظف الآيات توظيفا مدهشا في ترسيخ أفكاره واستطاع طوال هذه المدة أن يحافظ على نسقه التعبوي وشحن وسرد الأدلة ومواصلة الشحن والطرق المتواصل حتى لم يعد هناك مجال لغير التسليم والمتابعة بحماس) إلا أن المؤلف يأتي بعد هذا ليقول (تأثر أسلوبه كثيرًا بالطريقة " الإثني عشرية" في الطرح واعتمد على المنهج التلفيقي, يجمع الأدلة المجتزأة ليكرس مفهوما بعينه) فهل أسلوب الاجتزاء والتلفيق من أساليب الخطاب الفكري الإمامي أم أنه طريق يلجأ إليه كل من يريد الانتصار لفكره بأي شكل ..؟!
وفي وصفه لعلاقة الحوثي بطلابه وأنصاره والتي وصفها بالطاعة العمياء والتقدير العظيم له ولآرائه ولأوامره .. وفي حديثه عن طريقة تعامل الحوثي مع النصوص والأدلة على النحو الذي يخدم غايات معينة .. نلاحظ أن ذلك هو دأب كل رؤساء الجماعات والمذاهب الدينية على حدٍ سواء..ولجميع تلك المرجعيات سيطرة كبرى على إرادة وعقول أتباعهم وطلابهم..
نتفق مع الكاتب بشأن "كثافة" المادة التعبوية المتعلقة بفريضة الجهاد والصبر في مواجهة العدو.. لكن محاضرات ودروس الحوثي تناولت أيضاً قضايا دينية متنوعة.
يلي ذلك.. تطرق المؤلف إلى قضية الشعار الذي جعل منه السبب الأهم في الاصطدام بين الحوثيين والدولة، واستمرار التصعيد وإعلان "التمرد"..
مع أن الشعار – وبحسب كلام المؤلف- لم يكن محل اعتراض من أحد في بداية الأمر، وقد انتشر بين الناس وتقبلوه باعتباره عبارات تنديد بمواقف أمريكا وإسرائيل ضد قضايا ومصالح الأمتين العربية والإسلامية.
والصحيح أن الشعار كان مشكلة ثانوية برزت مع إصرار الحوثيين على ترديده أثناء تواجد رئيس الجمهورية في جامع الهادي بصعدة أمام وسائل الإعلام المرئية، وكذا أثناء البث الحي لخطبة الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء, وكانت مسألة ترديد الشعار عامل تصعيد وليس هو بحد ذاته جوهر المشكلة.
والمؤلف وهو يشير إلى التشابه بين شعار الحوثيين وشعار الثورة الخمينية وحزب الله.. لم يأت بما يفيد وجود صبغة مذهبية أثنى عشرية في مضمون أو كلمات الشعار..
كما حاول المؤلف تبيين الموقف الشرعي من صيغة الشعار وترديده.. لكنه اكتفى بإيراد وجهة نظره ورأيه الشخصي دون الإحالة إلى جهة مخولة بإصدار فتوى شرعية بهذا الشأن..
قائلاً إن المساجد لم تبنَ لمثل هذه الشعارات بل لشعائر وعبارات مأثورة..
ويؤكد أن الشعار أسلوب تهريجي يمثل خدمة لأمريكا وإسرائيل ولا يمثل أي خطر أو تهديد لهما..
ونتسائل: فلماذا أصرت الدولة على منع ترديد الشعار؟! هل كان من الممكن تجنب الفتنة لو أن الحوثيين تجنبوا المساجد من الترويج والترديد له؟!
وهل حقاً القصية تدور حول الشعار أولاً وأخيراً؟!
لقد لاحظنا كيف سعى المؤلف إلى إبراز دور الشعار في إنجاح الثورة الإيرانية ضد نظام الشاه.. ودور الشعار في إذكاء الحماس في قلوب أفراد "حزب الله"..، لكن هل لا بد وأن يعقب انتشار ذلك الشعار ثورة وتمردات على أنظمة الحكم؟ وهل الواقع الذي عانى من سطوته الإيرانيون في ظل حكم الشاه يقارن بالوضع اليمني مما يجعل بمقدور شعارٍ أن يسقط النظام على الطريقة الخمينية؟!
ولأن جميع ما سبق ذكره لم يبيّن بعد ملامح التحوّل أو التأثر بأفكار ومبادئ الجعفرية الاثنى عشرية, حاول المؤلف الاستناد إلى حادثة صغيرة تمثّلت في قيام مدرسين عراقيين بالإفصاح عن انتمائهم للمذهب الجعفري علناً ليقول بأن تلك الواقعة دليل على وجود حركة منظمة مدفوعة للقيام بالترويج والتبشير بالمذهب الاثنى عشري في اليمن..وأن الحوثي- حتماً – قد التقى و تأثر بمدرسين عراقيين في حوزات سرية في العاصمة صنعاء, لكنها اتهامات لم يستطع المؤلف ما يثبت وقوعها ..
هذا بالإضافة إلى تزامن التمرد مع انتشار مؤلفات ل علي الكوراني الذي أصدر عدة مؤلفات عن المهدي المنتظر أورد في بعضها أن من علامات خروج المهدي الذي يؤمن به الشيعة الاثنى عشرية قيام ثورة في اليمن بقيادة شخص يدعى (حسناً أو حسيناً).
وأن إحدى الصحف تحدثت عن "وثيقة مبايعة" عثر عليها رجال الأمن كتبها أحد أنصار الحوثي.. يعلن فيها أن الحوثي هو المهدي المنتظر..!
إن مجرد ترديد الحوثيين لشعار منشؤه إيران, ووجود مدرسين عراقيين يمارسون التبشير الإمامي في بعض المدارس اليمنية أمر لا يتحمله عنوان هذا الفصل (خطوات في طريق الاثني عشرية