لا يمكن الحديث عن الوحدة اليمنية الا باعتبارها يقين راسخ وحقيقة تاريخية ثابتة تؤكدها الدراسات وترويها الحكايات المتواترة وتعززها القناعات الراسخة بأن اليمن بلد واحد وإن شهد تاريخه بعض الدويلات والانقسامات فقد ظل اليمن واحد والشعب واحد.
هذه الحقيقة ليست نتاج نشوة لحظية أوحت بها احتفالات العيد الوطني للجمهورية اليمنية 22 مايو، بل حقيقة تؤكدها دراسات تاريخية وقراءات انثروبولوجية خلصت جميعها إلى أن اليمن أرضاً وشعباً موحد جغرافيا، وموحد ثقافيا بمفهوم الثقافة العام، وما ينسحب عنها إلى التنوع في كل مفردات المنظومة الثقافية انطلاقاً من اللهجات والفولكلور أو حتى الملابس ومائدة الطعام.. بل ان هذا التنوع بحسب أحد الباحثين يثري هذا التوحد ويعززه.
أما التجزؤ الذي ساد بعض الحقب في تاريخ اليمن فلم يتجاوز إطار التجزئة السياسية التي فرضتها مطامع الحكم وأطماع القوى الخارجية التي كانت تحرص على وجود أكثر من مملكة أو دولة أو دويلة في " بلدة طيبة ورب غفور".
واستنادا إلى كثيرٍ من المراجع التاريخية من أمهات الكتب جاء كتاب "عمالقة الوحدة اليمنية في التاريخ القديم والحديث" لمؤلفه محمد بن ناصر حسن ليؤكد في جزئيه العمق الحضاري للوحدة اليمنية، متتبعاً بإيجاز و راصداً بوعي بحثي مراحل التاريخ اليمني، متوقفاً عند مراحل التوحد ملقيا مزيدا من الضوء على صانع هذا التوحد في كل مرحلة بدءاً من الملك يعرب بن قحطان في (5000 ق.م)، مطلقاً على كل صانع للوحدة في كل مرحلة صفة (عملاق) ، ومن هنا جاءت تسمية الكتاب "عمالقة الوحدة اليمنية " الصادر في جزأين عن "مركز عبادي للنشر".
بلغة بسيطة وأسلوب بعيد عن التعقيد يقدم الكتاب عرضاً شيقاً يشبع نهم القارئ العادي بمعرفة موجزة عن مسار التطور التاريخي والحضاري للوحدة اليمنية عبر التاريخ.
الوحدة اليمنية قبل الإسلام..
في هذا السياق انطلق المؤلف في تناوله للوحدة من فصلها الأول إن جاز الوصف وهي الوحدة التي بتحقيقها كانت الاشراقة الأولى لشمس اليمن على صفحات التاريخ، فبعد أن سكن الإنسان شبه جزيرة العرب منطلقاً من جنوبها الغربي إلى بقية مناطقها في سياق التوسع البشري الذي افرز تنوعا قبليا تقاسم الأرض، فكانت العرب الأولى أو ما تعرف بالعرب البائدة التي قضى على معظمها العذاب الذي وقع على قوم عاد لتبدأ عندئذ حكاية العرب المستعربة...ومن نسل سيدنا هود عليه السلام جاء قحطان ومن نسل قحطان سخر الله (يعرب) ليكون أول رواد تاريخ التوحد في المنطقة فتمكن بسماته الرفيعة خُلقا وحكمة أن يؤلف بين القبائل ويوحدها تحت مظلة واحدة في جنوب جزيرة العرب فكانت أول مملكة في التاريخ(5000 ق. م).
وحسب المؤلف فان المؤرخين لم يقفوا على أسماء أبائه وصولا إلى قحطان وهود وإنما عُرف ب (يعرب بن قحطان) وهو أول الملوك في التاريخ اليمني العربي القحطاني القديم فبسط نفوذه على الجزيرة العربية وبه سميت.
ويذكر الكتاب نقلا عن مصادر تاريخية أن الملك يعرب تمكن من توحيد اليمن والقضاء على جميع الممالك و خضعت له جميع القبائل.
ولفت المؤلف إلى أن (يعرب) لقب لا اسم، حيث كان اسمه (يمان) أو (يمن) أو (يامن) حسب لسان اليمن الهمداني وباسمه سميت اليمن ولأنه أول من اشتق و حذف و اختصر وأوجز وأعرب في كلامه العربي فلقب ب(يعرب) كما نقل المؤلف عن مصادر كابن خلدون والطبري والمسعودي وجورج زيدان و جواد علي وغيرهم من المؤرخين.
وعلى يد الملك يعرب قامت أقدم دولة في عصر ما قبل التاريخ حيث عمل على توحيد جميع القبائل القحطانية في جزيرة العرب تحت راية دولة واحدة وبالتالي كان من المعقول أن يتبع قيامها تسميتها باسم جامع لها فتم تسميتها باسم الملك الذي وحدها وهو (يمان) بن قحطان ولان هذا الملك هو أول من أعرب في كلامه أو قام بعمل ما يتصل باللغة العربية وتثبيتها وتهذيبها في دورتها الثانية (العرب المستعربة) وبما يوحد الكيان العربي كان أول ملك عربي في التاريخ.
وتتبع المؤلف كثيراً من الدلائل والشواهد التي تؤكد العمق التاريخي لتسمية اليمن على اختلاف المصادر التي تعددت معها أسباب التسمية إلا أن الغالب أكد ما ذكر سابقا بينما لم تتفق المصادر على الفترة التاريخية لزمان يعرب بن قحطان إلا أن الراجح أن دولته استمرت في أبنائه حتى الألف الرابع قبل الميلاد. ومن بين المصادر الأخرى التي تذهب في تسمية اليمن مسار اخر المصادر التي تقول ان اليمن في لغة العرب القديمة تعني الجنوب مثلما تعني الشام الشمال .
وحدة سبأ..
أعقبت تلك المملكة ممالك صغيرة تقاسمت ارثها عدد من القبائل حتى وصل إلى عرش إحدى هذه الممالك عبد شمس بن يشجب و يعود نسب يشجب إلى يعرب بن قحطان ولقب الملك عبد شمس بن يشجب (سبأ الأكبر) و زمانه (3500 ق م) وفي زمانه تحققت الوحدة الثانية في الجزيرة العربية فملك اليمن والجزيرة العربية وكانت عاصمته صرواح وكان اسمه عبد شمس واهتم بالزراعة والتجارة والفتوحات العسكرية ولهذا لقب (سبأ) لأنه كان كثير السبي في معاركه كما انه كان قائدا فذا و رجلا صالحا استعطف القبائل القحطانية واليعربية وكل بقايا القبائل الأخرى بسلوكه المتميز وعدله وأخلاقه وسياسته الحكيمة وإرادته القوية إذ كان يتمتع بسلطات ثلاث تنفيذية وتشريعية وقضائية ،وكان يمارس السلطة بواسطة ممثلين عن الشعب من ثلاث طبقات المزود والاقيال والأذواء ووضع نظم جديدة لإدارة الدولة حينها مما عزز من إمكاناتها ونفوذها وقدراتها مستغلا كل خيرات الأرض اليمنية وبسالة رجاله فكانت ارض سبأ من أجمل بقارع الأرض وأخصبها.
خلف الملك سبأ بن يشجب أبنائه حمير، كهلان، وائل بن حمير وهكذا تو إلى الملك في نسل حمير تحت وقع خلاف بينهم أدى إلى حروب تقسمت معها اليمن إلى ممالك صغيرة.
واستمرت تلك الفرقة حتى وصل إلى العرش السبئي الملك عبد شمس بن وائل (سبأالثاني) (2750 ق م) فكانت بداية العصر الثاني لدولة سبأ (2750 -2150 ق م) وهو عبد شمس بن وائل بن الغوث بن الجيدان بن قطن بن زهير بن أبين بن أيمن بن الهميسع بن حمير بن سبا بن يشجب بن يعرب بن قحطان وهو مجدد سد مأرب و اهتم بالزراعة ووحدة البلاد و الفتوحات وهو مؤسس ما وصفه المؤلف بالعهد الإمبراطوري لمملكة سبأ العظمى وهو أول ملوك العصر الثاني لهذه المملكة ومعيد وحدة اليمن والجزيرة العربية.
خلفه ابنه الصور بن عبد شمس ومنثم ابنه خيان ومن ثم ابنه عمرو ومن ثم الملك شدد ومن ثم أخذت الخلافات تتسع بين الأبناء فعادت الفتن والانفصالات من جديد.
وحدة التبابعة..
أعقب تلك المرحلة من التشرذم مرحلة من التوحد وهي المرحلة التي مثلت العصر الأول حسب المؤلف لدولة التبابعة (2150-1450ق م) و يبدأ هذا العصر الزاهر من تاريخ اليمن بوصول الملك تبع الأكبر إلى العرش السبئي وهو أول ملوك التبابعة واسمه تبع (ذي مرائد). و هو العملاق الرابع للوحدة اليمنية حسب المؤلف وكانت عاصمته صنعاء ثم ظفار وقد استطاع أن يؤلف بين القوى ويوحد بين القبائل من كل أطراف اليمن وكون وحدة عظيمة واستعاد ما كان تحت ملك جده سبأ الأكبر.
ثم توارث الملك من بعده أبناؤه و أحفاده حتى وصل الملك إلى شدد بن قيس بن صيفي وفي عهده انفصلت قبائل معين وكونوا دولة في عام (1500 ق م).
وبوصول الحارث الرائش إلى العرش السبئي (1450ق م) يبدأ العصر الرابع للمملكة السبئية والعصر الثاني لملوك التبابعة، فجمع الرجال المخلصين ودعا إلى الإصلاح وعمارة الأرض بالزراعة، فاستعادت البلاد ازدهارها الاقتصادي مما سهل مهمته فكان العملاق الخامس للوحدة التي استمرت في عصره ثم في عصر أبنائه حتى الملك افريقس، حيث تنافس على العرش في عهده ثلاثة ملوك وحدث الانفصال منذ عام 950 ق م بعد أن استمرت الوحدة 270 سنة توالت بعدها الفتن والخوارج عن الدولة حتى وصل الحكم إلى العرش الحميري إلى يد الملك آل شرح يحصب الأول في (1080)ق م (كرب أل وتر الأول) والذي يعد العملاق السادس إذ استطاع أن يوحد اليمن ويخمد الفتن ويعيد مجد الدولة وهو المجد الذي استمر أبنائه في الحفاظ عليه من بعده وهم الهدهاد و من ثم ابن أخيه شرح ال ذرنح بن شمر ثم بلقيس بنت الهدهاد.. إلا انه سرعان ما اخذ الضعف يسري في جسد الدولة اثر الخلافات حتى وصل إلى العرش السبئي الملك ياسر يهنعم وبتوليه الحكم بدأ العصر السادس لمملكة سبأ والعصر الرابع لملوك التبابعة وأول ملوك سبا وذي ريدان.
وحسب المؤلف فان تتبع ورصد الوحدات اليمنية يكشف أن القادة الذين وحدوا اليمن كانوا يتصفون بصفات سجلها لهم التاريخ بأحرف من نور.
وعودة إلى العملاق السابع ياسر يهنعم فقد لقب يهنعم لإنعامه على الخاصة والعامة من أبناء الشعب وبسبب حكمته وإنعامه على الناس استجابوا له والتفت حوله القبائل وقادهم جميعا إلى الوحدة فاجتمع أمرهم بعد فرقة ولقب بملك سبا وذي ريدان وكان عهده من (780 -845 ق م).
وهو العهد الذي جدده ابنه الملك شمر يهرعش الذي اعتبره المؤلف العملاق الثامن للوحدة (844-833 ق م ) وقد خلف والده وامتدت دولته أكثر مما كانت عليه لذا كان يلقب (ملك سبا وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم وطودا وتهامت) ومن ثم تو إلى الملك في أبنائه حتى عاد الضعف إلى بنيان الدولة ونشبت الخلافات من جديد (737 ق م).
لكن سرعان ماتحققت ما اعتبره الكتاب الوحدة الثامنة على يد العملاق التاسع(737 -590 ق م ) الملك اسعد الكامل الذي بوصوله إلى العرش السبئي بدا العصر السابع لمملكة سبا والعصر الخامس لمملكة التبابعة والذي استطاع أن يقضى على كل أسباب النزاع والفرقة التي دبت في أوصال الدولة، فأعاد توحيد البلاد وعم البلاد خيراً وفيرا وأغدق الله على قوم سبأ بالخيرات وكثرة الأمطار في كل أرجاء اليمن ودانت اليمن كلها في ذلك الوقت بدين سيدنا إبراهيم عليه السلام حتى صارت أمه ذات رفاهية ورخاء وفير فخرجوا عن دين الله فكان سيل العرم الذي ورد ذكره في القران سببا في تفرق أيدي سبأ حسب المؤلف.
إلا أن الأمر لم يستمر طويلا اذ تحققت الوحدة التاسعة على يد العملاق العاشر : الملك تبع بكرب اسعد الثاني (ذمار علي) (32-355م) وانطلق من ظفار وجمع القبائل اليمنية وبذلك اعيد للبلاد مكانتها بعد ضعف وفرقة.. فاطلق عليه: ذمار علي تبع الحميري وحكم بعده 8 ملوك استمرت في عهدهم اليمن موحدة في هذا العصر 323 سنة، بعدها دب الضعف في الدولة وتفككت الوحدة في عهد الملك معدي كرب بن حسان وبدا عصر الطوائف والدويلات.
إلا أن فترات التفكك عادة كانت فترات قصيرة جدا مقارنة بفترات الوحدة إذ أعقب فترة التشرذم تلك تحقيق الوحدة العاشرة على يد العملاق الحادي عشر : الملك ذونواس الحميري (500- 525 م) الذي خاض ضد بعض القبائل وأعوانها من الأحباش حروبا أسفرت عن فوز ذي نواس بعد أن التفت حوله قبائل اليمن فاخمد الفتن والخارجين عن الدولة ووحد البلاد ووسع نفوذ الدولة حتى انه سمي ملك كل الشعوب حتى سقطت دولته اثر الغزو الحبشي بإيعاز روماني (525م) فعاث الأحباش في اليمن فسادا حتى خرج من صفوف اليمنيين سيف بن ذي يزن واستنجد بالفرس ونصره اليمنيون وأنقذ اليمن من غزو الأحباش فكان العملاق الثاني عشر قبل الإسلام ومحقق الوحدة الثانية عشر قبل الإسلام فنهض بقوة اليمن ووسع نفوذها خلال فترة حكمه.
الوحدة اليمنية بعد الإسلام ..
وباعتناق أبناء اليمن الإسلام، صارت اليمن ولاية من ولايات الدولة الإسلامية وعين عليها عدد من العمال والولاة في عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حكموها من خلال توزيعها إلى مخاليف مثلت ولاية اليمن كوحدة واحدة ظلت موحدة على مدى حكم الدولة الإسلامية واستمرت في عهد الخلفاء الراشدين وأيضا في العصرين الأموي والعباسي وعقب انهيار الدولة العباسية بدأ عصر الدويلات المستقلة وفي هذا العصر ظل اليمن موحداً في معظمه وعقب سيطرة العباسيين نشأت اول دولة متمثلة بدولة بني زياد بزعامة محمد بن عبدالله بن زياد (205-402 ه) وكان العملاق الأول بعد الإسلام حيث وحد اليمن وقضى على الفتن واتخذ زبيد عاصمة لدولته.
وجدد الوحدة اليمنية عقب حكم بني زياد العملاق الثاني علي بن محمد الصليحي(439-431ه) في عهد الدولة الصليحية التي اتخذت من جبلة عاصمة لها. وهي الوحدة التي تجددت وتعززت وبخاصة في دولة بني رسول واستطاع ملكها المظفر بن يوسف بن عمر (647-496 ه) إعادة توحيد اليمن على الرغم من اتساع نفوذ الأئمة.
خلف دولة بني رسول دولة بني طاهر (898 -923 ه) وفيها كان السلطان الظافر عامر بن عبدالوهاب (894 -923 ه) العملاق الرابع للوحدة بعد الإسلام إذ أعادت وحدة اليمن بكل أطرافها وظلت موحدة في عهده وعهد أبنائه.
وفي عام 943ه بدأ العثمانيون حكم اليمن وهو الحكم الذي شمل اليمن كله وظل موحداً في إطار هذه الدولة وتحت حكمها مع ظهور واختفاء كيانات سياسية صغيرة وكثيرة، ولكن الأهم من ذلك - حسب ورقة للدكتور صالح باصرة عن خلفية الوحدة اليمنية - هو التوحد اليماني في الكفاح ضد ظلم النظام العثماني، وولاته في اليمن.
وقادت هذا الكفاح الموحد الدولة الزيدية وحتى تحقيق الاستقلال وجلاء القوات العثمانية عام 1636م. وتأسست - بعد ذلك الجلاء - دولة يمنية موحدة عرفت بالدولة القاسمية، ولكن ظلم بعض حكام وعمال هذه الدولة، وصراع بعض أفراد الأسرة القاسمية وادعاء أكثر من شخص من هذه الأسرة بأحقيته في منصب الإمامة، وكذا بدء صراع أوروبا الاستعمارية على اليمن أدى في نهاية المطاف إلى نشوء كيانات سياسية صغيرة متنافرة، ومتصارعة، وبالتالي تقسيم اليمن سياسياً.
ووفر هذا المناخ السياسي والاقتصادي السيئ - حسب باصرة - ظروفاً مناسبة لاحتلال بريطانيا عام 1839م وانطلاقها من عدن إلى شرق وجنوب اليمن وإخضاعها لنفوذها وفي ذات الوقت أعادت الدولة العثمانية سيطرتها على شمال وغرب اليمن، وذلك منذ عام 1849م وحتى 1872م وهو عام دخولها صنعاء عاصمة اليمن.
ومنذ ذلك العام بدأ في التكون إطارين جغرافيين وسياسيين في اليمن عرف لاحقا ًبجنوب اليمن وشمال اليمن، وتم تعميد هذا الانشطار بخط حدودي عرف بخط حدود النفوذ العثماني والنفوذ البريطاني في اليمن في عام 1905م وسجل رسمياً في عام 1914م أي قبل بدء الحرب العالمية الأولى ببضعة أشهر.
ولكن ظل اليمن موحداً في علاقات شعبه وفي نضاله ضد الاستعمار البريطاني والحكم العثماني وغادر العثمانيون شمال اليمن في نهاية الحرب العالمية الأولى وكأحد نتائجها، وظهرت على أنقاض منطقة النفوذ العثماني ما عرف بالمملكة اليمنية، واستمرت وحدة الكفاح اليمني ضد الاستعمار البريطاني ونظام الإمامة، ورافق هذا الكفاح حلم إعادة توحيد اليمن واقتربت لحظة تحويل الحلم إلى حقيقة عشية سقوط نظام الإمامة في (26) سبتمبر 1962م، وتقلصت مسافة الوصول إلى الوحدة اليمنية بقيام ثورة (14) أكتوبر 1963م في الجنوب وجلاء الاستعمار البريطاني في ال(30) من نوفمبر 1967م، ولكن حالت دون الوصول إلى الحلم -عشية خروج آخر جندي بريطاني من عدن - ظروف الحرب الباردة، وبعض التحضيرات الداخلية، وكذا جملة من التدخلات الإقليمية.
وأصبح في اليمن بدلاً من النفوذ العثماني والبريطاني دولة في الشمال وأخرى جنوبية. ولم يمت الحلم، بل ظل في عقول وقلوب أبناء الشعب اليمني وان تباينت طرق الوصول إليه وفقاً لرؤية كل طرف، وشهدت اليمن أكثر من حرب أهلية بعضها بسبب مصالح سلطوية وحزبية داخلية، وبعضها بتغذية خارجية للحيلولة دون إعادة تحقيق الوحدة، ولكن تحت شعار تحقيق الوحدة اليمنية.
وتعثرت اليمن بدولتيها في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وتعليمية كاملة ومتكاملة، كما لم تشهد حياة آمنة ومطمئنة تحت ضغط الجماهير وكفاحهم من أجل الوحدة.
وفي ظل أفول الحروب الباردة، وانهيار المعسكر الاشتراكي التقط اليمنيون الفرصة لتحقيق حلم الآباء والأجداد في إعادة لحمة ووحدة اليمن أرضا وشعباً، فكانت اللحظة التاريخية لتفعيل الاتفاقيات الوحدوية الموقعة بين الشطرين باعتبار الوحدة اليمنية صمام أمان لليمن في ظل المتغيرات الدولية، وكحل جذري لكل آلام وسلبيات التشطير، ووجدت هذه الدعوة قبولاً جماهيرياً واسعاً.
وبعد ستة أشهر من توقيع اتفاق عدن التاريخي في (30) نوفمبر 1989م ارتفع في مدينة عدن الباسلة يوم ال(22) من مايو 1990م علم الجمهورية اليمنية والتي ارتبط مع إعلانها اعتماد النهج الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة.
وبذلك بدأت اليمن مرحلة جديدة من تاريخها الحديث على المستوين الداخلي والخارجي وطوت آخر صفحة من صفحات التشطير الجغرافي والسياسي.
وبإعادة تحقيق الوحدة وإعلان الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م بديلة للدولتين السابقتين (الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية) أنجز الشعب اليمني أكبر وأهم هدف من أهداف ثورته ضد نظام الإمامة والاستعمار، بل يمكن القول إنه الثورة الثالثة في اليمن الحديث والمعاصر بعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر.
وفي هذا الإطار يقول الدكتور صالح باصرة في إحدى الندوات التي تناولت الوحدة اليمنية: إن إعلان الوحدة اليمنية وتأسيس الجمهورية اليمنية لم يكن حدثاً صغيراً وليد لحظته بل حدثاً كبيراً في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر وسبقته ومهدت له الكثير من الأحداث المحلية والعربية والدولية. لم تكن هذه الوحدة حالة جديدة وطارئة في اليمن بل إعادة توحيد يمن انشطر وتشطر لفترة زمنية طويلة بعد توحده لفترات تاريخية أطول وأكبر من زمن التشطير.
وهي الحقيقة التي يؤكدها مفكرو اليمن ومثقفيه وفي مقدمتهم شاعر اليمن الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح بقوله:" إن اليمن كان عبر التاريخ واحدا، وحتى عندما انقسم قد كان يسمى باليمن الشمالي واليمن الجنوبي، ومعنى ذلك انه يمن واحد، وما حدث في 22 مايو 1990 هو إعادة الوضع إلى ما كان عليه عبر التاريخ، عودة اليمن الواحد إلى نفسه، وإلى أهله، والذين يتصورون أن إعادة وحدة اليمن الواحد هي توحيد قطرين شقيقين على خطأ كبير، فالقطر الواحد الذي مزقته ظروف التخلف وأيادي الاستعمار قد نجح في 22 مايو 1990، في العودة إلى ما كان عليه قطرا ًعربياً واحداً وإقليما صغيرا من أقطار وأقاليم الوطن العربي الكبير.