يزداد المشهد السياسي اليمني تعقيداً، يوماً عن يوم، وسط حروب أهلية تتم تحت سمع وبصر الدولة، وتوتر في العلاقات البينية لمكونات المشهد في مستويات متعددة، إضافة إلى تعسّر في ولادة الحكومة الجديدة، وتوجّه الرئاسة نحو استخدام عصا العقوبات الأممية على أطراف محلية.
وفي حين تخوض جماعتا أنصار الله (الحوثيون)، وأنصار الشريعة (القاعدة)، حرباً ضروساً وسط البلاد، توتّرت علاقة حزبي المؤتمر والإصلاح، وكذلك علاقة الرئيس، عبد ربه منصور هادي، مع كل من الحوثيين وسلفه علي عبدالله صالح، في وقت تقطع فيه مكونات الحراك الجنوبي خطوات نحو فصل الجنوب عن الشمال.
[b]هادي يهاجم الحوثيين[/b]
صعّد الرئيس هادي من خطابه تجاه جماعة الحوثيين، بصورة لافتة، يوم الأحد الماضي، بعد أكثر من شهر على سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء، بعدما اتسم موقفه في السابق باللين والمرونة، بل واتهم بالتواطؤ مع الجماعة، وخصوصاً حين دفع إلى توقيع "اتفاق السلم والشراكة" بينها وبين بقية القوى السياسية، في اليوم الذي سيطرت فيه على صنعاء، 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
اتهم هادي الحوثيين في خطابه ب"احتلال" المدن وطالبهم بسحب مسلحيهم فوراً ومن دون تأخير. وقال "إن ما يحدث اليوم من تمدد مسلح ومواجهات دامية في بعض المحافظات والمديريات من أنصار الله وتحت ذرائع واهية ويافطات مختلفة عمل لا يمكن فهمه أو قبوله بعد التوقيع على اتفاقية السلم والشراكة الوطنية".
واعتبر أن "ما حدث في صنعاء وعمران وقبلها في دماج (صعدة) ومؤتمر الحوار الوطني الشامل لا يزال قائماً... هو أمر لا يمكن فهمه أو قبوله تحت أي مبرر". ولاقت عبارات "غير مبرر" و"لا يمكن قبوله" سخرية مدونين في مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبرت فاقدة المعنى أمام هول الحدث الذي يشير إليه هادي ب"مواجهات دامية" و"احتلال مدن".
وفي إشارة إلى الحرب التي يخوضها الحوثيون في مدينة رداع، وسط اليمن، ضد مسلحي القبائل و"القاعدة"، شدد هادي على أن محاربة "تنظيم القاعدة" من مهمات الدولة، "لذا لا يحق لأي جماعة شاركت أو تشارك في العمل السياسي أن تحاول لعب دور الدولة عبر استخدام ذريعة محاربة القاعدة لتبرير احتلال محافظات أخرى وتعكير الأمن والسلم المجتمعي".
هذا التصعيد الرئاسي، وإن بدا مكرراً من خطابات ما قبل سقوط صنعاء، إلا أن تكراره اليوم له دلالاته، بحسب مراقبين، وخصوصاً أن الرئيس اليمني حرص على بثّ خطابه مسجلاً في التلفزيون ونشر نصه في وكالة الأنباء الرسمية. كما ألقى الخطاب بحضور المستشارين من بينهم مستشار الرئيس عن جماعة أنصار الله صالح الصماد، الذي انسحب من الجلسة، احتجاجاً على كلمة هادي.
ويعتبر بعض المحللين أن هجوم هادي على الجماعة جاء لامتصاص غضب قبائل رداع التي رجّح فيها الجيش كفة الحوثيين عليهم، بأوامر من هادي ووزير دفاعه محمد ناصر أحمد.
في المقابل، يرى آخرون أن "تصرحات الرئيس تأتي بعد أن فقد مصداقيته في الشارع اليمني الذي لا يزال عاجزاً حتى اللحظة عن فهم تسارع الأحداث الذي أدى إلى سقوط العاصمة والمحافظات تحت سلطة المليشيا ولا يزال عاجزاً عن فهم موقف هادي الذي عطّل مركز الرئيس. وكان تعطيله وسلبيته هو السبب الرئيسي، الذي سبب فراغاً في البلد ملأته جماعة بتواطئه أو من خلال ضعفه"، وفقاً للكاتب السياسي، مصطفى راجح، في تصريحات لـ"العربي الجديد".
ويعتبر راجح أن "هناك دلائل كثيرة تشير إلى أن الرئيس كان محبذاً لكل ما جرى، إذ أن رد فعله وطريقة تعامله كان نتيجته إزاحة الدولة وتمكين المليشيا". ويرى راجح أنه "بعد أن أصبحت السلطة في العاصمة في يد الحوثيين، وبعد أن أصبحت الجماعة تتحرك من خلال إمكانيات الدولة التي استولت عليها، أصبح الحديث عن خروجها، وفق الخطاب الرئاسي، أمراً يبدو أقرب إلى التكتيك من كونه موقفاً حقيقيّاً من الرئيس". يعتبر أن موقف هادي "لو أنه بالفعل موقف حقيقي لجاء ضمن جملة تحركات، ولكنا لمسنا ذلك من خلال موقف تجاه ما يجري في المحافظات ومنها محاربة الإرهاب، لا أن يتم استغلالها من جماعة خارج الدولة لاجتياح المحافظات بذريعة غياب الدولة".
[b]لقاء "الحكماء"[/b]
من جهتها، لم تعلق جماعة الحوثي بتصريح رسمي على خطاب هادي، لكن ردها كان عمليّاً وبشكل عكسي، وذلك بإعادة بعض نقاط التفتيش التابعة لها في صنعاء.
ولا يبدو من خلال تحركاتها الأخيرة أنها تنوي الاستجابة لمطالبة الرئيس لها بالانسحاب. وهناك من لا يستبعد أن حقبة الوئام هادي والحوثيين انتهت، أو أن يتحول التصعيد الرئاسي إلى ذريعة لتصعيد حوثي في الأيام المقبلة ضد هادي نفسه. وهو ما قد يتبيّن من نتائج اللقاء الموسع للشخصيات والحكماء المقرر أن يُعقد نهاية الأسبوع الجاري بدعوة من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي.
وقد ذهبت بعض التكهنات إلى أن الحوثي سيشكل مجلساً يسعى من خلاله، بعد ذلك، إلى عزل هادي، على أن الحوثيين يتحفظون حتى الآن، عن كشف طبيعة ذلك اللقاء الذي دعا إليه زعيمهم.
لكن القيادي في جماعة أنصار الله، عبد الملك العجري، أكد لـ"العربي الجديد" أن المسألة "أهون من أن تكون تصعيداً من الرئيس ضد أنصار الله".
ويرى أن "هادي قد يكون خضع لضغوط محلية وإقليمية تمارس عليه لاتخاذ مواقف سلبية ضد أنصار الله ولا يستطيع مقاومتها". ويكشف أن هادي "أرسل بعد انسحاب الأستاذ صالح الصماد، وفداً لتقديم الاعتذار (للجماعة)".
[b]حديث العقوبات[/b]
في غضون ذلك، برزت مؤشرات عديدة توحي أن هجوم هادي الذي جاء بالتزامن مع وصول المبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بن عمر، ومع أنباء عن وجود لجنة "العقوبات" الدولية في البلاد، هو تمهيد لصدور قرار مجلس الأمن بفرض عقوبات على الحوثيين وأطراف يمنية أخرى بتهمة عرقلة العملية السياسية.
ويعزز ذلك تصريح مستشار هادي عن الحوثيين، صالح الصماد، توقّع فيه أن يصدر مجلس الأمن قراراً بعقوبات قال إنها "لإنقاذ القاعدة"، التي يخوض الحوثيون مواجهات ضدها في رداع وسط البلاد.
كما يعزز من احتمال صدور "عقوبات" ما تناولته وسائل إعلامية مقربة من حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يرأسه الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، من أن هادي وجه رسالة إلى مجلس الأمن ممهورة بتوقيعه تطلب عقوبات ضد خمس شخصيات، وهي صالح ونجله الأكبر أحمد، وعبد الملك الحوثي زعيم "أنصار الله" وشقيقه عبد الخالق المعروف ب"أبو يونس" وكذلك عبدالله أبو الحاكم، القائد الميداني للجماعة المعروف ب"أبو علي الحاكم".
والمتوقع أن تكون الدفعة الأولى من العقوبات على هيئة تجميد أموال وحظر أنشطة. أما إذا تطورت إلى تدخل عسكري وفق "الفصل السابع" الذي تم وضع اليمن تحته من خلال القرار الدولي 2140، فإن ذلك يمكن أن يزيد من تعقيد الوضع ويفتح الباب أمام احتمالات مفتوحة، قد لا تصب في مصلحة البلاد.
وحول ما يتردد عن احتمال صدور قرار بعقوبات دولية ضد قيادة جماعة أنصار الله، يقول العجري إن هناك "بعض القوى السياسية التي لم تعد تهتم لشرفها الوطني تدفع بهذا الاتجاه وتواظب على أبواب سفارات الدول لتوسّل مثل هذا القرار من مجلس الأمن.
وكذلك نعلم أن دولاً كبريطانيا والولايات المتحدة تتبنيان مواقف عدائية تجاه أنصار الله وتحاولان الدفع بهذا الاتجاه. لكن حتى الآن مسألة العقوبات لا تزال تسريبات إعلامية لا يمكن الاعتماد عليها لاتخاذ أي موقف".
وبالنظر إلى طبيعة العقوبات التي يمكن توجيهها ضد قيادات أنصار الله المذكورة، فإن العقوبات بحجز الأموال أو المنع من السفر أمر لا تتأثر به الجماعة ولا قياداتها باعتبارها تعتمد على عملها المسلح والميداني وليست تنظيماً سياسيّاً خالصاً من النوع الذي يمكن أن تؤثر عليه مثل هذه العقوبات.
وهو ما يجعل صالح ونجله، المتهمين بدعم الحوثيين والمتهمين أيضاً بالتحضير للانقلاب على الجماعة، هما ما تستهدفه العقوبات المالية بدرجة أولى على الأقل. وينطبق ذلك نسبيّاً على أي عقوبات أخرى.
ومن المثير للاهتمام في هذا الصدد أن مياه العقوبات تحركت بالتزامن مع أنباء عن دور محتمل للرئيس السابق في اتجاه مخالف للجماعة التي تعاون معها لضرب خصومه، وذلك بعدما ظهرت مؤشرات خلافه معها.
ووسط المسارات العديدة للأزمة اليمنية، فإن "الجولة النهائية من السباق، بحسب الكاتب السياسي، مصطفى راجح، قد تبدأ غداً الخميس، موعد (لقاء الحكماء الذي دعا إليه الحوثيون) لتنتهي؛ إما بدولة واحدة موحدة أو بمشروع دولتين أو بمشروع حرب واحدة شاملة أو بمشروع أربع حروب متداخلة، والأرجح، برأي راجح، الخيار الأول أو الثالث.