أجبرت الأوضاع السياسية المتدهورة في صنعاء حكومة "السلم والشراكة" برئاسة خالد بحاح على نقل اجتماعاتها إلى عدن، حيث تتواجد فيها منذ أكثر من عشرة أيام بكل طاقمها.
وعقدت الحكومة في عدن اجتماعاتها الاعتيادية والاستثنائية، ليزداد المشهد السياسي غموضاً ولا سيما في ظل عدم اتضاح الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الخطوة، ووجود تباينات حول مدى جدية الحكومة باتخاذ عدن مقراً لها بدلاً من صنعاء.
وعلى الرغم من أن مسؤولين حكوميين كانوا قد نفوا اتخاذ أي قرار من هذا القبيل من قبل الحكومة في الأيام الأولى لنقل اجتماعاتها، إلا أن عدداً من الوزراء ومسؤولين في السلطات المحلية في عدن، أكدوا في لقاءات لهم، أن الحكومة ستستمر في عقد اجتماعاتها في المدينة خلال الفترة المقبلة، معللين ذلك بالضغوط والعراقيل التي تتعرض لها وأنشطتها في صنعاء.
ويشمل ذلك ما يواجهه عدد من وزراء الحكومة من مضايقات، وعجز البعض منهم عن الذهاب إلى مكاتبهم في الوزارات، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المتردية التي تعيشها صنعاء منذ سيطرة الحوثيين عليها قبل أشهر.
مصادر مقربة من رئيس الحكومة لم تؤكد أو تنفِ لـ"العربي الجديد" نيتها البقاء في عدن، مكتفية بالقول إن "الحكومة تتواجد فيها لتنفيذ جزء من برامجها، والاطلاع عن قرب على احتياجات الناس وحل مشاكلهم". كما أشارت المصادر إلى أن "الحكومة ستمارس أنشطتها في جميع محافظات ومناطق اليمن، ضمن خطتها والتي بدأتها بعدن".
وعلى الرغم من أن الحكومة وجدت في الأيام الأولى لتواجدها في عدن حريةً في الحركة، ومتنفساً للقيام بأنشطتها وتمكنت من إقامة المؤتمرات والفعاليات داخل عدن، فضلاً عن التحرك في المحافظات المجاورة لها كمحافظتي لحج وأبين، إلا أنها وخلال الأيام الماضية، وجدت نفسها في مواجهة مباشرة مع الحراك الجنوبي المطالب بفك الارتباط بين الشمال والجنوب. وطالبت قيادات بارزة في الحراك الحكومة بمغادرة عدن "عاصمة دولة الجنوب، إلى صنعاء عاصمة دولة الاحتلال"، حسب وصفهم.
وجاءت هذه الأصوات بعد مصادمات دامية بين قوات الأمن ومجموعات من أنصار الحراك الجنوبي في مدينة كريتر يوم الخميس الماضي، وسقط فيها قتيل وعدد من الجرحى، أثناء منع المحتجين لرئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح وعدد من الوزراء، ومسؤولي السلطات المحلية في عدن من الوصول إلى قاعة فلسطين، بمنطقة المعاشيق، التي يقع فيها قصر رئاسي، لإقامة إحدى الفعاليات الحكومية. وقطع المحتجون الطريق المؤدية للمنطقة وأشعلوا الإطارات في ظل اتهامات لأطراف سياسية بعرقلة مساعي الحكومة للقيام بإصلاحات وتجاوز المشاكل وتلافي أي أخطاء، تزامناً مع رفض أغلب وزرائها التطرق للأوضاع السياسية في اليمن.
وهو ما يفسره البعض بأن الحكومة تمرّ في وضع لا تحسد عليه، منذ اليوم الأول لتشكيلها، الذي جاء في ظروف سياسية استثنائية خطيرة، ولا سيما أنها تشكلت وهناك رفض لأطراف سياسية رئيسية لها في صنعاء، في الوقت الذي لا تملك فيه أدنى قوة لتنفيذ برامجها وأنشطتها وقراراتها، بعد أن أصبحت قوة الدولة مقيدة وخاضعة لقوى سياسية باتت تتحكم بالبلاد كالحوثيين وحليفهم في حزب المؤتمر جناح الرئيس السابق علي عبد الله صالح. ولذلك يعتبر البعض أن الحكومة اتخذت خطوة التوجه إلى عدن للتخلص من هذه العراقيل، لكنها في الوقت نفسه تتعرض للضغوط بسبب تواجدها في الجنوب.
ويرى مدير تحرير موقع "الحدث الآن" فواز المريسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "انتقال الحكومة من صنعاء إلى عدن لن يدوم طويلاً، لكنه قد يكون إجراء روتينياً بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية الحاصلة في صنعاء، فضلاً عن القبضة التي تحكم فيها جماعة أنصار الله على العاصمة ومفاصل الدولة فيها، ولا سيما الوزارات السيادية ومكاتب الوزراء والتدخل في اختصاصاتهم، واعتراض أي قرارات لا تأخذ موافقة الجماعة أو لا تعجبها".
وبالتالي حسب المريسي، فان "مثل هذه العراقيل والتجاوزات، قد تكون سبباً لهروب الحكومة إلى عدن بصورة مفاجئة، باعتباره الحل الأنسب من وجهة نظرها لتجنبها الاصطدام مع الحوثيين، ولا سيما أن عدن ومرافقها الحكومية، لا تزالان خارج سيطرة جماعة الحوثيين". لكنه يشير إلى أن "الحكومة ستدخل في صدامات مع أنصار الحراك الجنوبي، وهو ما حدث فعلا". وحسب المريسي، "فان أنصار الحراك أيضاً لا يعترفون في الحكومة، ويرفضون تواجدها بعدن، على اعتبار أنهم لا يبحثون عن مشاريع وخدمات، إنما يريدون الانفصال وإقامة دولة جنوبية".
وكانت دعوات من قبل أطراف سياسية قد أطلقت في عهد صالح والرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، تطالب بنقل العاصمة اليمنية إلى عدن بدلاً من صنعاء، لكنها لم تلق أي تفاعل، في الوقت الذي لا تحظى فيه أي خطوات على هذا النحو بأي قبول جنوباً، المتصادم معها أصلاً.