arpo28

هل سينتهي النفوذ الإيراني في اليمن؟

مع انسحاب الحوثيين من مناطق وتراجعهم في مناطق أخرى من اليمن، وقيام موالين لهم بمسح شعار الصرخة من على جدران منازلهم في صنعاء تزامنا مع إعلانهم حالة الطوارئ فيها، وتردد أنباء عن عملية سهم ذهبي في صنعاء، يُطرح السؤال التالي: هل سينتهي النفوذ الإيراني في اليمن؟

تمكنت إيران من إحراز نفوذها في اليمن في ظل ضغوطات وعراقيل دولية وداخلية مختلفة، أهمها العقوبات الاقتصادية القاسية وتصنيفها ضمن دول محور الشر ونبذ المجتمع الدولي لها، بالإضافة إلى مشكلات انعكاس هذه الضغوطات على الداخل الإيراني، فهل من المنطق أن تتنازل عنه اليوم؛ بعد الاتفاق النووي الذي فرض حقائق جديدة رجحت من كفة إيران في ميزان القوى الإقليمية، فالاتفاق النووي بين إيران ودول 5+1 أطلق صافرة بداية عهد جديد للمنطقة تتصدره إيران، وأعطاها الضوء الأخضر لإطلاق يدها في المنطقة بعد أن كان ينظر إليها كبلد يرعى الإرهاب، بالإضافة إلى تطلع الدول الكبرى إلى الاستفادة من الاتفاق النووي لإقامة استثمارات ضخمه في إيران ولا يختلف اثنان في أن العلاقات الاقتصادية الجيدة من شأنها أن تصنع علاقات سياسية أكثر من جيدة، وهذا يعني انفتاح إيران على العالم والذي بدوره سيحل عددا من مشاكلها الداخلية أيضا، بالإضافة إلى الأرصدة المالية المجمدة التي ستتسلمها إيران.

وعند معرفة أن مؤسسة الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن تصدير "الثورة" تسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني وتسيطر على جميع المشاريع الاقتصادية الضخمة بما فيها الغاز والنفط، ندرك أنه من الصعب أن تقام استثمارات جديدة ضخمه بدون أن يعود ريعها بصورة أو بأخرى للحرس الثوري ليستفيد منها بدوره في تصدير الثورة، وبالمقابل أيضا استمرار تصدير الثورة ذريعة مؤسسة الحرس الثوري للهيمنة على الاقتصاد الإيراني.

وفي الوقت الذي يقف فيه كثيرون مذهولين بالقوة الإيرانية وقدرتها على اختراق الداخل لأكثر من بلد عربي، ويتعجبون من حجم النفوذ الذي استطاعت إيران أن تبنيه في اليمن وينظرون إليه وكأنه مارد خرج فجأة من المصباح السحري، ويتحاشون رؤية الحقيقة التي صنعت النفوذ الإيراني في اليمن وغدته حد التخمة، تعلنها إيران صراحة أنها تقوم بنصرة المستضعفين والمظلومين، هذا الشعار الخادع وفر لإيران عن طريق وكلائها فرصة التغلغل بين أوساط يمنية تشعر بالظلم والتهميش لتلقى أفكارها ترحيبا حارا ورواجا سريعا.

أصبح جليا للعيان أن شعار نصرة المستضعفين هو الأداة المستخدمة في تصدير الثورة الإيرانية الهادف إلى الهيمنة على المنطقة، لذلك حرص المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي صاحب الكلمة العليا والفصل في جميع شؤون البلاد، على أن يؤكد لحلفائهم في المنطقة ويطمئنهم إلى أن الاتفاق النووي لن يغير شيئا من سياسة إيران في دعم المستضعفين، وبعد ذلك صرح مستشاره للشؤون الدولية بأن دعم إيران للمناضلين لن يتغير بل سيزداد وأن إيران رفضت رغبة أميركية لإجراء محادثات حول اليمن وسورية لأن المرشد لم يأذن بذلك.

مما يعني أن سياسة إيران في اليمن لن تتغير، وهذا أمر طبيعي، فمنطق الربح والخسارة يقول إن إيران لم تخسر في اليمن، فحتى إذا ما تمت إزاحة الحوثيين من أعلى هرم السلطة في اليمن إلا أنهم سيبقون طرفا مؤثرا على الساحة اليمنية في المرحلة المقبلة وسينافسون الأطراف الأخرى على السلطة، مما يجعل اليمن في حالة عدم استقرار، ناهيك عن أن ما يجري على الجغرافيا اليمنية بأكملها لا يرتد إلى إيران ولا يؤثر عليها، بل تعتبر إيران رابحة من الفوضى في اليمن والتي ترتد بدورها على أكثر من بلد عربي في المنطقة ولا سيما المملكة العربية السعودية، ويكفي إيران من النفوذ في اليمن أن تكون قادرة على إثارة الفوضى فيه.

لم يظهر النفوذ الإيراني الذي كان قاب قوسين أو أدنى من حكم اليمن بين عشية وضحاها، فقد زرعته إيران بذرة صغيرة في تربة الظلم والفساد اليمنية، تغذت هذه البذرة يوما بعد يوم على الجهل وانعدام الوعي والفقر وشهوة الجاه والمناصب عند ضعفاء النفوس، ومدت جذورها إلى أعماق باطن الأرض اليمنية، أقامت إيران تحالفاتها في اليمن باستثمار مظلوميتين واقعيتين عانى منهما المجتمع اليمني، الأولى مظلومية صعدة وتعرض المذهب الزيدي فيها للتهميش والعمل على طمس الهوية الزيدية، وهي مذهب أصيل في صعدة، الأمر الذي أوجد ردة فعل عند أبناء الزيدية استثمرتها إيران من خلال وكلائها الحوثيين الذين تراودهم أحلام السلطة.

أما المظلومية الثانية فهي القضية الجنوبية، فالظلم والتهميش اللذان تعرض لهما أبناء الجنوب بعد الوحدة اليمنية في مختلف مؤسسات الدولة الرسمية، وإهمال المدن الجنوبية وعلى رأسها مدينة عدن التي كانت عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية قبل الوحدة، كل ذلك مهد الطريق لإيران أن تقيم علاقات مع فصائل وقيادات بارزة في الحراك الجنوبي، وقبل بدء الحراك الجنوبي أقامت علاقات مع قادة جنوبيين لا تزال أحلام السلطة تراودهم أيضا، وهكذا وتحت شعار نصرة المستضعفين تمكنت إيران من صنع نفوذ قوي يهدد استقرار اليمن شمالا وجنوبا وبالتالي تهديد أمن منافسيها العرب.

أي أن إيران لم تبن نفوذها في اليمن من العدم وإنما استثمرت الأخطاء التي هيأت لها بيئة حاضنة لنفوذها هناك، وأقامت تحالفات مع شخصيات مؤثرة تلاعبت بأحلام البسطاء، وكل ما يجري اليوم على الساحة اليمنية من حرب ودمار بهدف القضاء على النفوذ الإيراني لا يصل إلى الجذور في الأعماق ما دام لا يعمل على نفي العوامل التي تهيئ البيئة الحاضنة لأي تطرف وليس فقط النفوذ الإيراني، لا شيء يستطيع أن يصل سوى قيام دولة مدنية قوية تحكم بالقانون ويتساوى أمامها الجميع، دولة قانون تضمن للمواطن حقه أمام الشيخ والسيد؛ لا تمييز فيها على أساس المنطقة أو العرق أو القبيلة، دولة يثق مواطنوها في أن قوتهم من قوة الدولة لا من قوة قبيلة أو طائفة أو منطقة، ولا يتعين عليهم من أجل الحصول على حقوقهم الطبيعية في التعليم والعلاج والتوظيف اللجوء إلى الشيخ أو السيد، الأمر الذي يجعل منهم رهائن للدفاع عن مصالحه وقوته لأنهم لا يرون امتداداً لوجودهم إلا من خلال وجوده.

ومن هذا المنطلق أيضا ليس من المفيد لأحد أن يقوم اليمن القادم على مبدأ لعبة التوازنات من خلال إيجاد توازن بين الأطراف المتضادة مثل الشيخ والسيد، فهذا المبدأ يذكي الصراع الطائفي وبالتالي يغذي النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى أنه يضعف اليمن وأثبتت التجربة أن بقاء اليمن ضعيفا يشكل خطرا على أغلب الدول العربية وخاصة دول شبة الجزيرة العربية، فالجار الضعيف لا يجلب إلا المشاكل وإن تأخر قدومها.

والحرب أقصى ما تستطيع عمله هو قطع أغصان من تلك الشجرة أما الجذور فستبقى راسخة في غياب دولة مدنية يحكمها القانون، وإذا كان من الصعب إقناع إيران بتغيير إستراتيجيتها في اليمن فليس من الصعب تصحيح الأخطاء ببناء دولة يمنية قوية ومستقلة، اليمن بحاجة إلى أجيال متعلمة وواعية تستجيب لصوت العقل فقط وواثقة من أن هناك مستقبلا في انتظارها تضمنه دولة مدنية.

زر الذهاب إلى الأعلى