آراءأرشيف الرأيالفكر والرأي

تمرد الحوثي وحسابات الرئيس!!

ليس صعباً على هذه الدولة أو غيرها إخماد تمرد كالحوثي أو حتى أشرس منه..لكن هناك جملة من الأسباب المعقدة والمتشابكة تفرض حسابات شتى على رأس الدولة بعضها يفشله الإعلان والإفشاء بطبيعة الحال.. هذه الحسابات تقوم على الموازنة الظرفية بين المنافع والمضار كما تتطلب الإمعان الدقيق في تقليب صفحة المفاجآت الكامنة مع ضرورة إعمال عنصر الوقت في إنضاج الظروف وتقليل الخسائر وتخصيب القناعات.

وفي تقديري كباحث متتبع لسياسة الرئيس علي عبدالله صالح فإن تحولاً كبيراً طرأ على سياسته بعد 7/7/1994م جعله ينظر بعين الريبة والتأني تجاه أية معضلة طارئة مبهمة الزوايا خشية أن تكون هي الفخ الذي يراد إيقاعه فيه.. كما وقع قبله زميله الرئيس العراقي صدام حسين حين اجتاح الكويت بتحريض ومباركة غربية.. ليحتشد بعد وقوعه في الشرك الشرق والغرب ضده ولات حين ملام.

من هنا كان التعامل مع أزمة جزيرة حنيش التي احتلتها اريتريا عام 1995م في منتهى الحذر.. وبعد أن نجا بحكمة من فخ حنيش شرع في إنهاء مشكلة الحدود مع الجارة السعودية سداً لإحدى منافذ القلق المتوقع.. إلى أن اندلع تمرد الحوثي المتزامن مع مزاج دولي يتغاضى عن اتساع رقعة الاحترابات الطائفية وكذا سقف دولي أمريكي مرتفع في تهديد الدول الضعيفة وإرهاب الزعامات من أية أخطاء في حق أية مجموعات معارضة في بلدانها واستخدم الغرب هذا السقف بالحق وبالباطل وتعاموا معه بمكيالين دون أن يجرؤ أحد في العالم حتى على مجرد معاتبتهم.

من هنا جاء حرص الرئيس في ملف صعدة على اتباع سياسة مفادها عدم التعجل في قمع التمرد بصورة نهائية حتى لا يكون في يد الخصوم بمثابة دارفور المؤدية لاوكامبو ومحكمة الجنايات.. في نفس الوقت عدم السماح للتمرد بالتمدد والتوسع الرأسي والأفقي إلا بالحدود التي تجعله تحت السيطرة وكذا التي تسمح بتكاثر بوائق الحوثيين واتساع مساحة من يطلبونهم بالثأر!

وتمثلت هذه السياسة كما رأى الجميع في خمس حروب لم يخرج الطرفان خلالها إلى طريق..

لكن الحوثي وجماعته أصبحوا "متمردين" وفق كافة الصيغ الإخبارية العالمية..

كما أن الحوثي أصبح محروقاً من الناحية الشعبية والفكرية، وأصبحت الدولة تحظى بتأييد الجوار العربي لها في مواجهة الحوثي.. بل وأصبح الجميع شعباً وأحزاباً وجيراناً هم من يطالب الدولة بالحسم وينتقدها لعدمه.

وهذا بالضبط هو الهدف المكسوب من عامل الوقت إذا يصبح الجيش بالتالي بمنأى عن ملامة أي طرف خارجي مهيمن لأنه أصبح يقوم بمهمة يطالبه فيها القاضي والداني..

إلى ذلك فمن المكاسب الثانوية ذهاب هالة القوة الخرافية للجيش اليمني تلك التي ارتسمت بعد 7/7/1994م وأدت لمطالبات وضغوط خارجية للرئيس بضرورة تخفيض الجيش كما أن هذه الهالة كان يستخدمها الخصوم لتخويف الجوار الخليجي من اليمن وإطماع اليمن وأنه ورث الجيش العراقي..إلخ..

الآن لم يعد الأمر كذلك حتى وإن كان الجيش في حقيقة الأمر أقوى بكثير مما كان..

كل هذا تم، وكل هذا تحصل وفق تقديري..

وبالتالي يرجح لديّ أن الجزء الأكبر من الأهداف المرسومة في حسابات الرئيس تم تحقيقها وتهيأت بالفعل من أغلب النواحي ظروف الحسم ودواعيه لأن صعدة واليمن عموماً تدفع ثمناً غالياً جداً في كل يوم يتأخر فيه إغلاق هذا الملف الذي أشعل خيال المنجمين والحسّابين .

لا بد أن يقطع السيف الشك باليقين. ولا بد أن ترسي هذه الدولة اليمنية الوليدة تقاليد مشهودة في الحفاظ على وجودها..

وبالتالي يتوجب الحسم العسكري حيثما تقتضي الضرورة العسكرية. ولا بد أن يتبع هذا الحسم برنامج فكري توعوي يمسح أفكار الخرافة من صدور إخواننا أتباع الحوثي الذين هانت عليهم دماء إخوانهم من غير المواليين لهم أو من أبناء القوات المسلحة والأمن..

إلى جانب شغل أمني مرتب يحول دول تبلور جديد لعصابة التمرد..

وفي ذلك التوقيت يتوجب أن يكون للأحزاب الوطنية المعارضة دورها في إخماد الفتنة وانقاذ المواطنين وترسيخ احترام الدولة والاحتكام للقانون.

هنالك فرق في خلافنا مع السلطة في معركة التنمية وبين الأدوار اللازمة في معارك المصير..

ملف صعدة يحتاج إلى دهاء وحزم..وملف الجنوب يحتاج إلى حنان وصدق..

ومستقبلنا أجمعين يتوقف على مقدار الصواب في تعامل السلطات المعنية مع هذين الملفين.. وهذا لا يلغي أبداً الأدوار المساعدة المتبقية على النخب الحية في المجتمع التي لابد أن تقرأ المشهد بشكل سليم ومن ثمَّ تمارس ضغوطها الذكية في وقتها المناسب بما يشجع السلطات على القيام بواجباتها دونما ابتزاز ولا تخوين ولا تيئيس ولا تعجيز..

ساعة الحسم في ملف صعدة اقتربت وفق ما أراه، لكنها حسب هذه الرؤية ليست خلال هذه الحملة العسكرية الأخيرة التي شنتها السلطات منذ قرابة أسبوع.. أما انزلاق الحوثيين إلى مستنقع التصفيات داخل صعدة فقد كان مؤشراً واضحاً على أنهم ليسوا دهاة بالقدر الذي يزعمون.

زر الذهاب إلى الأعلى