يحكى أن رجلا شتم «المهلب بن أبي صفرة» فلم يجبه.
فقيل له: لم حلمت عنه؟ قال المهلب: لا أعرف مساوئه، وكرهت أن أبهته بما ليس فيه.
إنه درس بليغ في شرف الخصومة الذي يندر وجوده في هذا الزمان!
فالنزاهة في الخصومة تعيش أزمة حادة في صفوف الناس.. لكنها – للأسف – تبدو بجلاء في أوساط المثقفين!
فالأدباء والكتاب والصحافيون والفنانون – وسائر المبدعين – هم أكثر الفئات الاجتماعية ظهورا على سطح المجتمع، وهم – بالتالي – أوسع الشرائح صيتا وأرفعها صوتا.
لكننا – للأسف – نجدهم الأقرب إلى دائرة «الفضيحة» الاجتماعية.. إذ سرعان ما يشرعون في نشر غسيلهم قبالة عيون الناس، سواء أكان على صفحات الجرائد والمجلات أم في المحافل الاجتماعية المختلفة!
وقد شهدنا العديد من حالات «المبارزة بالكلمات» التي دارت رحاها – عبر الصحف والمجلات – بين عدد من رجالات الأدب أو الصحافة أو الفن.. وقد كان بعض هذه «المعارك» ذا قضية موضوعية جادة.. فيما كان بعضها ذا مسألة ذاتية ساذجة.. لكنها جميعا ضاعت في دوامة العبث، حين أضاعت الجدل الجاد والحوار المنهاجي والنقاش العقلاني.
فكم من غاية سامية أو حقيقة غالية ضاعت من الناس بضياع مفاتيحها.. وبعدها ظلت الدروب مسدودة والأبواب موصدة.
وما يدعو للأسف البالغ أن أرباب الحكمة وأصحاب الكلمة وأقطاب الأمة، ممن يجدر بهم أن يكونوا الدعاة إلى العقلانية في إدارة الأمور، والمنابر الهاتفة بالحق والحقيقة في معالجة القضايا والمشكلات التي تهم المجتمع والناس، صاروا أكثر الناس عرضة للسقوط في حفرة المحذور والوقوع في شرك المحظور!
وحين تطغى الثرثرة الجوفاء على الصمت المتأمل، ويرتفع الصراخ الهستيري على الهمس العذب، تتلاشى – في المدى الممتد بين العقل والوجدان – خطوط الفصل وخيوط الوصل.. وحينها تنقطع أسباب الصلة والتواصل وعوامل التأثير والتأثر بين الفرد والمجتمع.. لاسيما بين حامل القنديل وطابور السائرين خلفه في درب حالك الظلام!.
وكما قال المثل العربي المأثور: «لو كانت الغلبة بالضجيج لكانت الحمير أول الغالبين» نجد أن الضجيج قد ساد أجواء الحديث والحوار والبحث والنقاش عند معظم حالات الخوض في قضايا المجتمع ومشكلات الواقع – لاسيما لدى أهل الكلمة – ولاسيما في الأمور التي تقترب من دوائر نشاطهم وهموم مهنتهم!!
وهذه حالة يعيشها عدد من الزملاء الأعزاء!! والمصيبة أنهم لا يعيشونها في أجواء الكيد والنميمة والغيبة التي تتطلب الكتمان والسرية.. بل نجدهم يتعدونها إلى نطاق العقلانية، على صعيد النشر المكتوب أو الحكي عالي الصوت!!
فالحقيقة التي لا غبار يعلوها، تفيد بأن الطاقة الجامحة لدى بعض هؤلاء، والتي يستعرضونها بسخونة مرتفعة، هي مؤشر إلى الفقر الروحي وانعدام العمق في الوعي.. وحينها يغدو هؤلاء حالهم كحال «الفأرة التي وقعت في المصيدة، ولم يبق لديها سوى أن تقرض قطعة الجبن» على حد تعبير الأديب الكبير «اندريه جيد»!!
رئيس تحرير صحيفة «الوحدة»