لأن أحد الركاب أمضى وقتا أطول من المتوقع في دورة المياه أُعلنت حالة الطوارئ في الأجواء الأميركية وأغلق المطار، وبعد إنزال الطائرة وتفتيشها طوال الليل، أعلن أنه اشتباه خاطئ.
عدة طائرات أخرى، بعضها أنزل اضطراريا بمصاحبة القوات الجوية التي كانت مستعدة لإسقاطها لو رفضت اتباع التعليمات، وبعضها لم يقلع، وكثير منها تعرض للتأجيل لساعات كانت مرهقة للركاب ومكلفة للشركات المشغلة. نجحت حالة الخوف التي بثها تنظيم القاعدة بعد إحباط محاولة تفجير يوم الكريسماس التي قام بها فاروق عبد المطلب.
صحيح أن «القاعدة» فشلت في تفجير طائرة دلتا لكنها نجحت في خلق فوضى في سوق الطيران، وكبدت الصناعة ملايين الدولارات. بالنسبة إلى البعض، يظن أن حالة فاشلة لا تستوجب كل ذلك، بدليل أن حامل القنبلة فشل في صعق قنبلته وحرقت سراويله، وتمكن راكب واحد من السيطرة عليه، وظهر أنه لم يكن على متن الطائرة إرهابي سواه.
بدت العملية كلها من تخطيط وتنفيذ هواة، لكن بالنسبة إلى الأمنيين المسألة ربما أخطر من ذلك، آخذين في الاعتبار أن «القاعدة» تنفذ عمليات متزامنة، كأسلوب قتالي، وبالتالي ربما هناك عمليات في الطريق. والسبب الثاني، أن هذا أول هجوم من «القاعدة» على الأراضي الأميركية منذ محاولة صاحب الحذاء المفخخ، وبعد هجمات سبتمبر (أيلول)، مما يعني أن التنظيم ربما غير اتجاهاته في تنفيذ العمليات نحو الأطلسي. والثالث، والأهم، ما نُسب إلى المتهم في أثناء التحقيق قوله إنه تدرب مع عشرين آخرين على استخدام السوائل المتفجرة، فأين ذهبت بقية العشرين؟
أظن أن أغلبية الركاب لا يمانعون التفتيش، ولن يعارضوا حتى أجهزة الكشف الجديدة، حتى لو أظهرتهم عراة، فالأمن والسلامة همّان أساسيان للجميع. المشكلة اليوم في شقين، الأول الارتياب الجماعي في المسلمين، والثاني المبالغة التي قد تكون بهدف رفع المسؤولية من دون أن تفيد الأمن فعليا. بالنسبة إلى «القاعدة» ليس هدفها دائما عندما ترسل شخصا مفخخا هو التدمير وقتل مائتي راكب أو أكثر، بل أيضا بث الرعب، الذي له سلسلة مضاعفات سياسية واقتصادية شاهدناها في السنوات التي أعقبت هجمات الحادي عشر من سبتمبر.
والهدف المكمل له أن السلطات الأمنية الأميركية، وزميلاتها الغربية، عندما تبالغ في فرز المسلمين وتوجيه الشك إليهم عبر سلسلة إجراءات تسهل على «القاعدة» دعايتها ببث الكراهية بين المسلمين ضد الغرب وتبرير جرائمها. وهكذا استطاعت تجنيد المزيد من الشباب الجدد.
عندما ارتكبت «القاعدة» هجماتها المروعة في الحادي عشر من سبتمبر، كان عمر فاروق عبد المطلب أقل من خمسة عشر عاما، أي أنه تحول إلى إرهابي بعد سنوات عديدة رغم الملاحقة والتفتيش، وتعلم التطرف في لندن لا في لاغوس. وفي هذه الأيام التي تتم فيها مطاردة «القاعدة» في جبال اليمن تقوم المنظمة الإرهابية بتجنيد عشرات، أو ربما آلاف الشباب للعمل في صفوفها، فأين هي الحملة الفكرية المضادة لـ«القاعدة» في اليمن؟ عمليا، لا شيء. وبالتالي كم ستستطيع القوات اليمنية أن تقتل اليوم من المجندين؟ عشرات فقط.