إسأل المُجرِّب ولا تَسألِ الحَكيم (مثل عربي)
منذ وصل خميني للسلطة في إيران ونحن نحذر من الاخطار والتبعات المترتبة على ايصاله للسلطة بوضوح وبصراحة وبدقة تامة، لاننا كنا نعرف بحكم تجربتنا التاريخية مع إيران، والتي تعود لالاف السنين وليس لعقد أو عقدين من الزمن..
ونتيجة لدراستنا لاستراتيجيات إيران وسلوكها العملي عبر عقود في العصر الحديث، والاهم لاننا ضحايا إيران وبشهادة التلفاز والصورة والصوت والموقف الرسمي الإيراني خصوصا منذ غزو العراق، نقول كنا نعرف بان إيران ومهما كان النظام الحاكم فيها هي امبراطورية قيد الانتظار وموجودة تحت الانظار في سواء في طهران العلمانية أو قم الطائفية.
بزيارة احمدي نجاد للبنان اكتملت ملامح البدر الفارسي وليس الهلال الشيعي، وقدمت إيران الدليل العملي وشبه الرسمي على انها تغزو لبنان فعليا، وبان مشروعها الامبراطوري وصل لبنان وسيطر عليه، وان لبنان مجبر الان بفضل ما كان يسمى ب (سلاح المقاومة) على الرضوخ للاستعمار الإيراني وهو استعمار كلاسيكي قاعدته العامل الطائفي. وما يهمنا الان هو التالي : هل غزو إيران للبنان كان قرار إيرانيا صرفا؟ ام انه قرار مدعوم من قبل أمريكا والكيان الصهيوني؟ جوابنا الواضح والذي قدمناه منذ عقود هو ان النظام الحالي في طهران هو كسلفه نظام الشاه مدعوم من أمريكا والكيان الصهيوني وينفذ، وهو يعمل على بناء مشروعه الامبراطوري الاستعماري التوسعي، اهم اهداف أمريكا والكيان الصهيوني، في تلاق استراتيجي اوضحته عملية غزو العراق، وهو تلاق عميق كشفته ظاهرة تطابق الموقفين الأمريكي والإيراني فيما يتعلق بتقسيم أو تقزيم العراق.
من هنا من الضروري اعادة التذكير باسس هذا التلاقي بين أمريكا والكيان الصهيوني من جهة وإيران من جهة ثانية، بصيغة أسئلة محددة واجوبة مختصرة ومن اراد التفاصيل عليه العودة لما كتبناه تفصيليا في السنوات السابقة حول إيران وهو منشور في عدة شبكات ومنابر ومنها شبكة البصرة المناضلة. لنبدأ بطرح الأسئلة التي سيساعد الرد عليها في تفكيك الغموض المتعمد الذي يحيط بالعلاقات العلنية والسرية بين أمريكا والكيان الصهيوني وإيران.
س 1 : ما هي المصالح الاساسية للغرب الاستعماري بريطانيا وفرنسا وبعدهما أمريكا والصهيونية في الوطن العربي؟
ج1: هناك ثلاثة اهداف كبرى واستراتيجية للغرب والصهيونية اكدتها المواقف الرسمية والوثائق التي نشرت أو تسربت من هذه الاطراف الثلاثة بالاضافة للتطورات الواقعية في الامة العربية والاقليم والعالم وهي :
أ – السيطرة على نفط العرب من قبل الغرب بصفته (دم الحياة العصرية)، كما وصفة وزير دفاع أمريكي سابق هو جورج براون في الثمانينيات، وبما ان الكمية الاكبر من النفط لدى العرب وفي ارضهم فان استعمارهم وتقسيمهم واضعافهم اهم اهداف الاستعمار الغربي.
ب – انشاء ودعم الكيان الصهيوني ليكون سدا عاليا، وقويا وفاصلا، مانعا لوحدة المشرق مع توأمه في الهوية المغرب العربي على اساس ان وحدة العرب هي الضمانة الرئيسية لقوتهم وتقدمهم وتحررهم من النفوذ الاحنبي في عصر لا تعيش فيه بكرامة الا القوى الكبرى والقوية.
ج – تدمير الإسلام ليس بصفته دينا فقط بل لكونه روح حضارة عريقة حية ومتجددة وقابلة لان تعيد تشكيل العالم اذا اتيحت له الفرصة للنهوض بقوة نفس الشعب الذي نشر الإسلام قبل 14 قرنا في كافة انحاء العالم وهو الشعب العربي. ان الترابط بين العروبة والإسلام هنا هو سر العداء للإسلام والحضارة العربية التي قامت على اساسه، فمن دون فصل الروح، وهو الإسلام، عن الجسد، وهي العروبة، لا يمكن دحر العرب وتمزيق الحضارة العربية الإسلامية العريقة.
هذه الاهداف الثلاثة وجدناها في استراتيجيات بريطانيا وفرنسا حينما كانتا تحكمان العالم، ثم وجدناها في استراتيجيات أمريكا بعد ان ورثت الاستعمارين البريطاني والفرنسي، ووجدناها في استراتيجية الصهيونية التي قررت انشاء كيان لها في فلسطين مما اقتضى واكثر مما ارادت القوى الاستعمارية تفتيت العرب ومنع وحدتهم والعمل على محو هويتهم القومية.
لذلك فان مصالح الغرب الاستعماري في ما يسمى ب (منطقة الشرق الاوسط) هي ضمان بقاء السيطرة على النفط وامن اسرائيل، وذلك لن يتحقق الا بتذويب الهوية العربية والغاء العروبة من اجل حرمان الإسلام من القوة الاكثر فهما وايمانا به وهي الامة العربية.
س 2: اين تقع المصالح الاستعمارية الغربية والصهيونية؟
ج 2: انها تقع في الاراضي العربية فالنفط في ارض العرب وفلسطين ارض عربية، ولذلك فان كل الاستراتيجيات الغربية ركزت على غزو الوطن العربي أو السيطرة عليه وليس غزو إيران أو تركيا أو غيرهما. نعم هناك نفط في إيران ولكن علينا تذكر حقيقتين الاولى ان النفط في إيران قليل مقارنة بالنفط العربي كما انه ينضب ويتراجع دوره وكميته، والحقيقة الثانية هي ان من يشارك في حملة الاستعمار وينفذها من حقه ان يشارك في وليمة الاستعمار، وإيران بهذا المعنى تعطى ثمنا مقابل دورها في تنفيذ المخططات الاستعمارية الغربية والصهيونية ومنها النفط ومنحها عربستان.
س 3 : ما هي استراتيجيات القوى الاستعمارية والحركة الصهيونية؟
ج 3 : يمكن تلخيص العوامل المشتركة بين هذه الاستراتيجيات كالاتي :
1– تقرير بنرمان وهو تقرير لجنة من (حكماء اوربا) شكلتها الامبراطورية البريطانية في بداية القرن العشرين لوضع استراتيجية تضمن السيطرة على العرب ونفطهم وارضهم، فوضع هذا التقرير الذي نص على اهداف كانت الاساس في الاحداث اللاحقة ومنها هدف منع العرب ومن تحقيق تقدم علمي وتكنولوجي ومنع وحدة العرب عن طريق انشاء كيان يعزل مشرق الوطن العربي عن مغربه وهو الكيان الصهيوني.
2– اتفاقية سايكس – بيكو الاولى التي قسمت الاقطار العربية ووضعت حدودا مصطنعة لها لاجل منع وحدتها وتحررها واستثمار ثرواتها ولم تقسم بلاد فارس أو تركيا الحديثة بل على العكس منحتهما اراض عربية.
3– اقتطاع اراض عربية ومنحها لبلاد فارس – هكذا كانت تسمية إيران حتى عشرينيات القرن الماضي – مثل الاحواز وهي منطقة تضم كل ثروات إيران النفطية والغازية واغلب مياه إيران، وتمتد من العراق إلى نهاية الخليج العربي وعدد سكانها بين 9 و10 مليون عربي، لحرمان العرب من امكانيات هذه المنطقة أو الدولة ودعم بلاد فارس لتمكينها من التحول إلى قوة اقليمية عظمى تزاحم العرب وتستهلك قواهم وتمنعهم من التفرغ لتحرير اراضيهم أو ثرواتهم. واقتطعت كذلك اراض منحت لتركيا مثل الاسكندرون لتكون تلك العملية سببا في حروب وازمات بين العرب وجيرانهم غير العرب.
4- اقامة تحالفات استراتيجية بين تركيا وإيران وبين القوى الاستعمارية الغربية، بريطانيا ثم أمريكا، من اجل تطويق العرب وحرمانهم من مرونة الحركة وارداة التغيير. وطور الامر بعد انشاء الكيان الصهيوني بطرح نظرية (شد الاطراف) الصهيونية والتي تقوم على هدف بناء علاقات استراتيجية مع الدول غير العربية المجاورة للعرب في اسيا وافريقيا من اجل تطويق العرب ومحاربتهم وتقسيمهم، أو على الاقل استنزافهم. وكان (حلف بغداد) الذي شكلته بريطانيا وضم العراق وإيران وتركيا وباكستان احد اهم محاولات تسهيل عمل الاستعمار البريطاني. وكان ذلك تاكيد واضح جدا على دور إيران في تنفيذ السياسات الغربية المعادية للعرب.
5– حينما ورثت أمريكا الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية تبنت استراتيجات محددة قامت كلها على الاعتماد على اطراف اقليمية في تنفيذ سياساتها واهمها نظرية (الحرب بالنيابة) وكانت إيران طرفا رئيسيا فيها إلى جانب الكيان الصهيوني وانظمة عربية، وكان هدف أمريكا هو اشعال حروب اقليمية تديرها أمريكا ولكن من يقوم بها اطراف اقليمية، وهدف الحروب استنزاف العرب ومنع وحدتهم القومية.
ان هذه الخطط الاستراتيجية قدمت إيران بصفتها احتياطي أو ذخيرة استراتيجية أمريكية – صهيونية اساسية، بينما كان العدو الرئيسي فيها هو العرب.
س4: هل يوجد في الاستراتيجيات الغربية والصهيونية هدف استغلال القوى الاقليمية غير العربية لتحقيق اهداف تلك الاستراتيجيات؟
ج 4 : نعم هناك (نظرية شد الاطراف) الصهيونية والتي ذكرناها وهدفها العمل على استخدام الجيران غير العرب للامة العربية وجعلهم حلفاء للكيان الصهيوني، وهناك الاحلاف الاستعمارية مثل حلف بغداد، وحلف النيتو الذي ضم تركيا لتكون حارسا للمصالح الغربية في شمال الامة العربية، بعد منحها الاسكندرون وتشجيعها على المطالبة بالموصل وكركوك. كما ان إيران استولت على الاحواز بقرار بريطاني معروف وغزت الجزر الاماراتية الثلاثة، وشجع الغرب مطامعها الاخرى في اراضي العراق ودول خليجية عديدة.
وفي افريقيا نرى ان جيران العرب جنوب السودان مثلا اصبحوا ادوات تمزيق وحدة السودان لمنعه من الاندماج بالجسد العربي. ولابد من التنبيه إلى حقيقة خطيرة وهي ان الهدف الصهيوني والغربي الرئيسي في السودان هو منعه من المساهمته الجذرية في حل مشكلة الغذاء العربية وهو قادر على ذلك عن طريق تحريك الجنوب ودعمه من اجل الانفصال وتكوين دولة معادية للعرب وتساهم في خنق مصر والسودان مائيا.
والان يأتي تقسيم السودان ليحقق اهم اهدافه وهو حرمان العرب من تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي عن طريق الاستثمار في السودان ليبقى العرب معتمدين طفيليا على الغذاء الاجنبي، فيصبحون تحت رحمة من يصدر لهم الغذاء. يتبع إن شاءالله..