من الصعوبة بجد أن تكتب عن شخصية الرئيس علي عبد الله صالح؛ لأنه الرجل الوحيد الذي لا يسير على أيدلوجيات معينة، لا تحركه الخطط والإستراتجيات؛ بقدر ما تحركه المصالح والأزمات.
لا يوجد في اليمن منصب صعب، معقد التركيب، متغير الاتجاهات، منصب أكثر تعقيدا، واختلاف التنوع والتغيرات، أكثر من منصب رئيس الجمهورية، هذا المنصب صنعه علي صالح بهذه الطريقة لنفسه، حتى يتحمل ويؤدي في اليمن صلاحيات أكثر من صلاحيات أي مسئول، وأكثر من أي رئيس أجنبي.
الرئيس اليمني يستخدم حرب الخطابات كخطه لاستنزاف أعصاب الشعب، وامتصاص غضبهم، ولذلك تجده في أوقات الحملات، أو الشدة والإحتقانان، لا يمل من اجتماعاته مع كل الأطياف المختلفة في المجتمع اليمني التي يشعر أنها تساعده في إخراجه من الأزمة، يجتمع في صباح اليوم مع طلاب الجامعة، رغم أن اجتماعه مع الطلاب لن يؤدي أي نتيجة، وفي النهار مع مشائخ قبلية، وفي الليل مع أنصار حزبه.
يعتمد الرئيس اليمني في مواجهة الثورة الشعبية اعتمادا كبيرا على الإعلام، حيث تمتلئ المكتبات والأكشاك بصحف موالية وملاحق موسعة وصحف كانت متوقفة، وهذه المهمة تتطلب حشد واستحداث موظفين للقيام بهذه المهمة، أضف إلى ذلك تعيين كثير من النشطاء في الحزب الحاكم لمجابهة الشباب في " الفيس بوك" من خلال إستحداث الصفحات الجدد على الموقع ذاته، والتعليق على الأحداث والترويج بالطريقة الذي يريدها الحاكم.
يفكر الرئيس صالح بأن التغطية الإعلامية ترفع من إنجازاته وإنجازات حكمه، ولذلك لا يألو جهدا في توجيه الإعلام الرسمي بالطريقة التي يريدها، وهو الأمر الملاحظ على وسائل الإعلام الرسمية التي تتحرك بوتيرة رتيبة، لأنها لا تمتلك حق الخروج عن سير الطريق الممهد من دار الرئاسة.
يعتقد صالح أن سلم أولوياته حتى يستطيع السيطرة على الوضع: تحييد الإعلام إلى طرفه الشخصي، الذي يدعم أيديولوجيته الخاصة في التعامل مع الأحداث، وإحداث مراكز قوى جديدة - الأمنية منها خصوصا- تحل محل القوى القديمة الباهتة، التي يعتقد أن زمنها ذهب، ولم تعد تحميه بالطريقة التي يريدها.
يلعب الرئيس اليمني- خصوصا- هذه الأيام على وتيرة إيجاد ثورة مضادة للثورة الشعبية الشبابية، يقوم بها من خلال أجهزته الأمنية والسرية ووسائل أخرى تبدو قديمة يدرك الصالح أنها لم تعد وسائل ناجحة في معركته مع الشعب، إنما هي محاولة قد تمكنه في تخويف الناس من الحرب الأهلية وتأجيج الصراعات وإطلاق الشائعات لضرب التلاحم الشعبي.
يستخدم الرئيس سياسة المراوغة والهروب إلى الأمام تجاه كل المسئوليات والالتزامات والاتفاقيات المتعلقة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هذه السياسية شكلت عاملين مهمين أحدهما يقود إلى الأخر: الأول أن هذه السياسة جعلته يشعر بالغرور الذي لا يحسب النتائج والعقوبات للتصرفات التي يتخذها، وهو الأمر الذي أدى إلى العامل الثاني وهو: فقدان ثقة الناس به.
يفكر صالح بأنه في ضوء الأحداث المتتالية، لا يمكن أن ينفع معها سوى استخدامه الشخصي لطرقة وأساليبه وأدواته الشخصية وعدم الاعتماد على أنصاره ورفقائه، ومعدي التقارير والمناصحين.
لا يمكن للرئيس أن يسمح بصلاحيات مفتوحة لأي مسئول يمني، وعند إعطاء المهمات يلاحظ عليه أنه يهتم بالتفاصيل، ويوصي بمراجعته حتى لا تقع الأخطاء، يعتقد الرئيس أن إعطاء الصلاحيات المفتوحة من شأنها أن تقلل من كيانه ومكانته في الأطراف الداخلية في الحكم، والخارجية في الشارع، وعند إعطاء تلك الصلاحيات يسعى أن يكون على الواجهة في تطورات الأحداث خصوصا عند النجاحات.
يتخذ الرئيس كافة قراراته على عجل ويدير الأحداث الطارئة بشكل متوتر، ولذلك يلاحظ عليه بعض الأخطاء الشائعة الكثيرة في خطاباته المتعددة، حيث يظهر متناقضا في خطابه الجديد بعد الخطاب السابق، في إشارة أنه لا يعتمد في خطاباته على مستشارين، إنما هو من يعد خطاباته وخصوصا الخطابات في أوقات الأحداث الطارئة.
يمتلك الرئيس رصيدا إماميا كبيرا، فهو يتصرف بعقليه الإمام، وينفذ طرق استبداد الإمام خصوصا في استحواذه على القرار والصلاحيات التي لا توهب لشخص في الدولة إلا تحت الرقابة والمساءلة.
يتعامل الرئيس مع الأحداث بطريقة عشوائية متسرعة، ولذلك تسبب له هذه الطريقة بالتغير في المواقف التي يقر عليها، وآخر دليل على ذلك تراجعه الأسابيع الماضية على المبادرة ذات النقاط الخمس التي عرضتها أحزاب اللقاء المشترك بواسطة العلماء، وبعد أن وعد بالرد بإيجابية، تغير موقفه ورفض المبادرة معتبرا أنها غامضة، وهي بالتأكيد لم تكن غامضة؛ لأن العلماء فهموه إياها حرفا حرفا.
يتعامل الرئيس على منهجية أن اليمن هي علي عبد الله صالح، ولذلك لا يألو جهدا من تخويف الشعب اليمني بأن رحيله يتطلب مرحلة جديدة من الخراب والدمار، والحرب من طاقة إلى أخرى.
الرئيس علي عبد الله صالح هو أكثر رئيس حكم اليمن منذ قيام الثورة والمدة هذه لها دلالاتها. يعني انه عرف كيف يتعامل مع اليمنيين على الرغم من اختلاف توجهاتهم وعرف يتعامل مع التناقضات، عرف أن يتعامل مع المشائخ بالطريقة المناسبة، تعامل مع الإسلاميين لفترة طويلة كانت ناجحة، واستطاع أن يتعامل مع الاشتراكيين أيضا، ولكنه في نهاية المطاف يتعامل مع العلاقات والتعامل كظروف وأوراق تنتهي صلاحيتها، ولذلك لعب بأوراق كثيرة خلال فتره حكمه الطويلة؛ هذه الأوراق من شأنها أن تجهز عليه وتنهي وقوفه على الكرسي الرئاسي وحسب.