ماذا وراء الاغتيالات المتتالية في اليمن ؛ أسلوب واحد، سلاح صامت، إنها مرحلة مكتظة بالأحداث الدموية، لكن من وراء كل ذلك؟. كل الاغتيالات تستهدف عسكريين، ما يعني أن المؤسسة العسكرية ملاحقة من طرف خفي.
شحنات أسلحة تم ضبطها، قادمة من تركيا ومخفية بأغلفة شيكولاتة تركية. لكن إذا كان الجانب التركي متورطاً في إدخال تلك الشحنات إلى اليمن، فما مصلحته وراء ذلك؟. بالنسبة للبعض تعيش اليمن حالة فوضى، وتأتي الأسلحة إلى اليمن دون تدخل حكومي تركي، بما يعني أن تجارهم من يقومون باستيراد أسلحة، لكن وسط الاتفاقيات الكثيرة التي تبرمها الحكومة اليمنية، وأغلبها تصب لمصلحة الحضور الإقليمي التركي، لماذا لا نفرض على الجانب التركي حظر تصدير تلك الأسلحة إلى اليمن، وبالتحديد إلى أطراف غير مشروعة؟.
معظم الاغتيالات التي تمت عبر أسلحة صامتة، ويبدو أن الهدف الأكبر هو المرحلة الانتقالية، ونقلها إلى مسرح واسع من الانفجار؛ خلخلة واسعة للمؤسسة العسكرية، وتمكين أطراف تمتلك سلاحها الخاص، وهي نفسها الأطراف المشتبه تورطها في عملية واسعة تستهدف تدمير الجيش اليمني. وهناك عدة أطراف تمتلك ميليشيا مسلحة، سواء راديكالية أو قبلية، بعضها يمتلك سيطرة ميدانية، وبعضها لديه تواجد سياسي، في المرحلة الانتقالية، وثمة أطراف تلعب من وراء تواجدها القوي في المسرح السياسي. ويبقى السؤال الأهم، لماذا تركيا بالتحديد تتورط في ذلك؟ في السابق كنا نجد كثيراً من المبررات للسقوط الإيراني في تسليح اطراف راديكالية، ونعتبر تلك الروابط الأيديولوجية سبباً أساسياً، لجعلنا نجد روابط.
تركيا أردوغان، تجد فرصة للارتباط بتاريخ السيطرة العثمانية، إمبراطورية وصلت في عهد سليمان القانوني إلى أوج مجدها. لكنها على الصعيد الإنساني، والحضاري لم تقدم الكثير للبشرية. حضارة عسكرية بامتياز. وما قدمه الأتراك حضارياً لا يكاد يخرج عن التنظيم العسكري. وفي لحظة فارقة، كان الطرف المهدد لأوروبا. سقوط قسطنطينية، أو روما الأخرى بيد الأتراك كان عاملاً لذلك الصراع الحضاري.
في الواقع، اتاتورك أعاد رسم تركيا الحديثة التي وصلت للمرحلة الحالية، ومع أن أردوغان لديه رغبة في الخروج عن الخط الأتاتوركي، إلا أنه لا يستطيع التنصل من انجاز أتاتورك، الذي خلص بلده من احتلال اجنبي، واستعاد لبلده علاقة مع العصر، حتى لو أستخدم أفكار مغالية، منها تغيير الخط العربي بخط لاتيني. أراد تقريب تركيا من اوروبا. ومع أن اردوغان يعيد تركيا إلى جذورها الحضارية، حسب ما تنبأ به هنتجتون صاحب صدام الحضارات، إلا أنه برغبة التقارب الأكبر مع الغرب، وقد يكون شريط مناصات الباتريوت المنشورة على خط الحدود السورية، دليلاً لذلك التقارب.
في لقاء مع صديق أمريكي، أخبرته أن أمريكا تكشف علاقتها مع الراديكالية الاسلامية، وتستخدمها أيضاً لتمرير شكل الشرق الاوسط الجديد، وأشرت له أن ما يحدث في سوريا تأكيد لذلك، ظهور جماعات ذات ملامح جهادية افغانية، ولا يعني التعارض مع بشار الاسد وديكتاتوريته، أن ندعم تلك الجماعات، وعلى السياسة الأمريكية ان تنجح على صعيد أخلاقي ولو كان ضئيلاً. أجاب الأمريكي أن تركيا وقطر هما المتورطتان في دعم تلك الجماعات. يبدو لي من إجابته شكل الألاعيب الأمريكية، وسنستنتج بعد مرحلة هائلة من الدمار، أن أمريكا لا علاقة لها مع التورط التركي والقطري، حتى لونشرت شريط صواريخ باتريوت على الحدود التركية، فقد كان تعليله على ذلك، أن من نشر الصواريخ الناتو وليست أمريكا.
في الواقع اليمن لا تنجو من ذلك السيناريو. ونتساءل: ما موقع اليمن من الشرق الأوسط الجديد. وعلى الصعيد المحلي، فلدينا عمق مريع من التشظي والتشرذم، لأن وطناً يمنياً لا مكان له من كل تلك الخرائط التي تطرح نفسها على صعيد السياسة المحلية. إننا كيمنيين مغتربون عن يمننا.