ظل الحوثيون على مدار تسع سنوات ماضية ينكرون موت قائدهم ( حسين الحوثي)، وساعد على ذلك عدة عوامل منها:
- أنهم لم يتسلموا جثته , ولم يواروه بأيديهم الثرى.
- أن آية الله العاملي في كتابه زمن الظهور قد أشار إلى أن ( حسن أو حسين ) سيخرج من اليمن ويعيد ملك الشيعة, وحيث إنه لا يوجد من أولاد ( بدر الدين ) من اسمه ( حسن ) ولا يقين لديهم عن موت ( حسين ) هرب الحوثيون إلى أماني عودة الغائب المنتظر, ليكمل مشواره في تطوير وازدهار الوطن العربي كما طور اليمن!!
لكن لماذا قَبِل ( عبدالملك ) الجثة بعد طول انتظار, ورضي بدفنها, واستقبال العزاء فيها؟! وماذا عن النبوءات المزعومة, والتخدير المستمر للأتباع بحياة القائد وعودته قريباً إليهم , أرى أن أسباباً كثيرةً جعلته يقدم على هذه الخطوة, لعل منها:
- الأول: أن عقيدة الانتظار متجذرة لدى طوائف الشيعة عموماً, فالاثنا عشرية ينتظرون ( العسكري ), والكيسانية ينتظرون ( محمد ابن الحنفية ) والإسماعيلية ينتظرون ( محمد بن إسماعيل بن جعفر ) فانتظر ( الحوثيون ) حسيناً مع المنتظرين! وهي أي عقيدة الانتظار تخدير وتسكين, ومع أنها بدعة شنعاء فقد أراحت الأمة من شرهم دهراً, حتى ابتدع لهم ( الخميني ) بدعة ولاية الفقيه, حينما رأى أن البدعة الأولى جاءت لهم بالمسكنة والخنوع, وهنا انقسمت الطائفة إلى فريقين: فريق يرى في ولاية الفقيه مخرجاً لحالة الانتظار الطويلة, بينما رأى الفريق الآخر أنها بدعة وخروج عن قواعد وأصول المذهب, وبما أن عقيدة الانتظار مقبولة لديهم, وشواهد الحال ماثلة فيهم كما أسلفت, فخشي من تجذرها في ( الحوثية ) كتجذرها في ( الرافضة ), فتقود لخنوع ومسكنة, كمسكنة الرافضة قبل ولاية الفقيه, وهنا كان لابد ( لعبدالملك ) من دفن عقيدة الانتظار لدى أتباعه بدفنه ( لحسين ), وقطع الطريق من أوله لتعود الجماعة إلى أوج نشاطها, وسابق عهدها, والخروج من مأزق الانتظار, والذي لا يدرى كم ستكون مدته, ولربما زاد على انتظار الغائب عند الرافضة.
- ثانيا: بعد قبول الحوثية الدخول في مؤتمر الحوار الوطني, وغض الدولة الطرف عن نشاطاتهم العلنية, وتهيؤهم للانخراط في العملية السياسية, احتيج من قائدهم الحالي, إلى قرارات مصيرية وجريئة, ويعني ذلك أن يسلموا السلاح, وتلغى فكرة الجهاد المقدس, خصوصا بعد انشغال السند والظهر لهم في سوريا, وفضائح سفن السلاح المكشوفة, والتي لم يستطيعوا حمايتها أو إخفائها, ومع ملامح تشكل خارطة سياسية جديدة, وحيث إن القائد محتاج لمثل هذه القرارات الصعبة في مسيرة الحركة, وهو ما لا هو مخول فيه, من حيث الحق الشرعي, ولا يملكه من حيث الاستحقاق الميداني, بعد ظهور الإخفاقات المتتالية, فكان حتما إعلان موت ( حسين ) وإثبات أن الزمن قد تحول, ولا معول على فكرة الانتظار, وتوهم نصراً مزعوماً بخضوع الدولة لهم, ونزولها عند رغبتهم, ليتسنى للقائد الجديد بناء مجد جديد يخوله لمثل هذه القرارات الصعبة والمصيرية.
- ثالثاً: لا يملك ( عبدالملك ) ما يملكه ( حسين ) من كرازيمية قوية, وشخصية آسرة, وتتلمذ على المرجعيات, وتنبؤات كنبوءة ( العاملي ), حتى أن شخصيته طغت على شخصية أبيه, وأبوه حي فكيف بغيره؟! وحيث لا زالت الجماعة متعلقة بشخص الزعيم المؤسس, وهو من ملك عليهم لبهم وأرواحهم, ويتوقون إلى عودته, ويحبون أن ينسبوا إليه ( حسينيون ) حتى ظهر فيهم من يعترض على قيادة عبدالملك, وعدم أهليته وصلاحه, ومن المؤسسين للتنظيم من خرج منه ( كجدبان وعزان ), ويرى الجميع أن الفرق واضح والبون شاسع, وآل الأمر ببعضهم, ك - ( محمد عبدالعظيم الحوثي ) أن يدعي أنه الأحق بالقيادة من الصبي المتهور, والذي لا يملك من مقومات القيادة سوى أنه ابن ( بدر الدين ) ودولارات ( طهران ), ورأوا حماقاته قد أكسبتهم عداء عموم الشعب اليمني, ومنها حصار ( دماج ) الذي ألب عليه السلفيين تحت راية واحدة, وظهرت على أيديهم عورة الجماعة وانكسارها أمام العزَّل من ذوي العقيدة الصحيحة, والمشرب النبوي الصافي, فتمرغت سمعة الجماعة في التراب, حينها حنَّ القوم إلى الماضي التليد, والانتصارات الجوفاء, فأدرك أنه قد أخطأ حين منَّاهم بعودته, فكان لابد من إخراجه من قلوبهم, وإن صاحب ذلك أبهة كبيرة بقدر كبَره في نفوسهم, من احتفال مهيب, وجنازة مشهودة, ليدفن ( حسين ) وماضيه معه لتتفرغ قلوب الجماعة له, ولمن سيسأله بعدها عن الغائب, فها قد دفناه.
هنا تدرك لماذا أقر بموته, وقبل التعزية فيه, وذلك بعد أن أزعجه ماضيه, وحينما شكك البعض في أن الجثة المزعومة ليست لقائدهم, تجشم عناء التعب, وأرسلها وهي الطاهرة في معتقده, إلى بلاد الأنجاس الكفار, ليثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المدفون هو ( حسين ) وإن جاء الخبر ممن صرخنا دهرنا بالموت لهم, فلا ضير دام أن القلوب ستفرغ له بعدها.
كاتب وباحث اسلامي
[email protected]