مواقف عديدة يجدر الرجوع إليها لفهم ما يجري في (ارض موفنبيك اليمن الجديد)، على غرار صومال لاند. وتعني (ارض الاحلام، أو الصومال الجديدة). القائمة على كل المراحل السابقة أعني - ما قبل الثورة- من تصدروا المشهد وقفزوا الي واجهته هم مجموعة من النخب السياسية؛ الذين ضمتهم ايام حكم صالح في حضنها الدافئ؛ بعضهم كانوا في القصر والبعض الأخر في مقيل الظهيرة إلى جواره؛ بما فيهم بعض أمناء عموم أحزاب المعارضة.
لم يكن ولا واحد منهم مثلا عائدا من احد الاقبية تحت الأرض، أو من زنازين انفرادية موحشة. لذلك لماذا العجب في نحت اصنام برجماتية؛ كخلق بديل لصنم واحد؛ انصتوا له –اعني صالح بمنتهى الاهتمام واستنسخوا اداءاتهم بأدواته، وصار لهم توابع وأتباع بالعشرات يدققون بشطط على كل كلمة كبيرة أو صغيره.
حتى النقد لم يعد يطبب جراحاتهم كما كانوا يتحدثون بل أصبح بالنسبة اليهم مِلحاً على الجراح.
أحزاب المعارضة -التي كانت- تفتقر سياسيا إلى الكفاءة ضبطت سمات تماثيلها والأصنام اليوم من (جٌص وإسمنت)، هي في الأصل كانت كذلك؛ نحن لم نكن نراها على هذه الهيئة، هذه طريقة رومانسية على قصص حب المحبوب بكل العيوب..
اليوم -هذا ما هو ظاهر- لم تعد مناسبة للقيام بالدور المنوط بها. خاصة وهي التي وصلت على أنقاض شباب قدموا أرواحهم ثمنا لأحلامهم. ولم تبد ابعد من دمُى لقطط سمينة في يد قوى اكثر تخلف على تستأثر بكل شيء على حساب المشروع الوطني الكبير؛ التغيير والخروج بالوطن من حالته العبثية.
هناك العاديون من الناس الذين تتقاطع حياتهم مع حياة رموز متعددة سيئة في هذا البلد، بالمصادفة. (قال لي بائع بسطة يفترش ناصية شارع هائل إن "اولاد....... خذلونا"، قصد السياسيين وحالة البلد فيما يتعلق بالثورة، وهو يعدد مجموعة اسماء مستعينا بأصابعه بالطبع كان من بينهم نخبة السياسيين الاوغاد، حيث يربضون في مجرة موفنبيك بما يفتعله خيالهم الرديء، يوازيه هنا على الارض واقع اخر اشد مرارة.
عندما نزل شباب الثورة واغلب المكونات في الميادين والساحات عند رغبة المبادرة؛ هربا من المواجهات والصدامات كما دافع عن هذه الفكرة آباؤها؛ كانت وكأنها الخيار اليتيم. بينما كان الأغبياء يصدرونها وكأنه مشروعهم الشخصي – فعلا هو كذلك- ولم نكن نلتفت لنزعتهم الانتهازية المقيتة.
لم يتركوا لنا اختياراً ثانياً لرفض المبادرة. اعرف ان احدكم سيسخر من هذا التعامل مع الامر؛ لكن كان التنازل حبا بالوطن وليس هربا من المسؤولية كما اخبرني احد أعضاء اللجنة التنظيمية التي اكتوى بجمر المشترك مؤخراً. وانا انظر اليه بتعاطف لكن بلا شفقة. اشعر انه كان متواطئاً. لكن هل علينا ان نعاقبها إلى الأخير؟
علينا ان ندينهم جميعا؛ بات سجل هذه الاحزاب قبيحاً؛ أجهض ثورة ونشر طفيليات أعضائه في مفاصل المؤسسة وجسد الدولة. التقاسم صار همهم الوحيد. لم يكونوا يقدمون التنازل لإنقاذ البلد؛ فعلوا ذلك للتسوية والمحاصصة فقط.
نعرف تعطش وتجارب كل هذه القوى للصدامات؛ وسجلها الجنائي الحافل بالدم، في مقدمتها الحزب الاشتراكي (كنا نعول علية) يظهر وكأنه حزب لجماعة فقط ترفل في نعيم البدائية كغيرها من القوى التقليدية المتعاظمة في الغطرسة.
لم يتصور غير القليلين الآن أن لدينا فرصة في تجاوز هذه البرامج الغيبية الغبية. القائمة على التشطير والتأطير. لكننا لن نسكت عن هذه الطبخات. وان لم نكن سوى مجموعة من المتطلعين ممن يحبون بلدهم. بلدا كاملة واحدا موحد. أو لو كان لدينا إلا القليل من الجاذبية الحالمة اللازمة للإقناع السواد الاعظم؛ برفض تشاطر البلاد وتمزيقها باسم الفدرلة أو الاقلمة.
تبدو ملامحها بلا رؤية واضحة، اللهم إلا مشروع زوار موفنبيك المضعضع سريا يوما عن يوم. حيث تجرب الفرق والاحزاب قدراتها على تمريره فيما بينها ولم تستطيع، فما بالكم على البلاد ككل، بوصفه الوصفة السحرية والغاية من نضال الأمة، في حين تفاصيله كأنه مشروع لقيط. كل يوم يزداد غموضا فيما عدا عبارات مكرورة من قبيل الاقليمين والاقاليم الخمسة، الدولة المدنية، الانتعاش الاقتصادي، خلق فرص للشباب، الجيل القادم،
كلام معلب. تتردد في جلسات الزار (الموفنبيكية) اليومية.
وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه من العالم اجمع لم يظهر الآن وقد قدم حلا واحد لأي قضية تذكر. سبق وأثبت فشلة بما يدور اليوم في دماج. بقي حضور تماثيل وأصنام الأحزاب منطفئ يأتي بهم في قيعان لعنات البسطاء من أبناء هذا البلد المغبون قهرا.
ضمنيا في القول المأثور عن (ماو تسي تونج) الذي يذهب إلى أن السلطة السياسية "تتأتى من فوهة البندقية "اتوقع انه لم يكن قول خطأ؛ أي أن العنف هو القوة المحركة للسياسة، بينما تقع أشكال العمل السياسي السلمية أسيرة التفاصيل. وهذا عين الحقيقة؛ هو ما يجري الآن في صالات موفنبيك وخارجها بالنسبة لسياسيينا المأفونين، لتظهر هنا السياسة تالية للعنف الذي كان متخيل أو أنها حتى من بين منتجاته الثانوية فهي استمرار للعنف بوسيلة أو أخرى يا مشترك".