أرشيف الرأي

عندما ينسى الصحفي نفسه..!!

يحمل الصحفي هموم غيره أكثر من نفسه، يثقل كاهله بحموله تتجاوز طاقته، يقضي وقته باحثا عن إجابات لأسئلة الآخرين، ينسى نفسه في غمرة انشغالاته وزحمة أخبار ترهق قلمه وكيبورد حاسوبه.

لم تأتِ تسمية مهنة الصحفي بمهنة المتاعب من فراغ ولا من مبالغة، بقدر ما كان توصيفاً لواقع يدركه كل من اشتغل أو زوال هذه المهنة وسبر أغوارها وتنقل في رحلات شاقة بين فنونها المختلفة.

تزداد المتاعب في أجواء الخوف أوقات الحروب والاضطرابات والنزاعات أو انخفاض سقف الحرية أو غيابه من مره كما هو الحال في الأنظمة الدكتاتورية والمستبده التي تفزعها الصحافة وتفرغ أجهزتها الأمنية لملاحقة الصحفيين وجلد ظهورهم وجلبهم للمحاكم والسجون بتهم مفبركة.

وهذا لا يعني أن الصحفيين لا يرتكبون اخطاء أو لا يتجاوزن حدود القانون وأخلاقيات المهنة ولكن هذا الأمر ليس هو الذنب الذي يحاكم بجريرته الصحفي في الدول القمعية وإنما مدى اقتراب سهام النقد من حكامها وفضح سياساتهم الفاشلة للرأي العام.

ولا يفرق الأمر كثيراً في وجود الحرية، ذلك أن الصحفي مطالب بالإبداع والاجتهاد في تحري المعلومة من مصادرها وتقديمها للقارئ دون تغليف يخل بقيمتها ومضمونها خاصة في الأخبار والتي تتطلب توخي التحرر من الرأي بخلاف الحال في التقرير أو التحقيق أو المقال وهي فنون تجيز للصحفي التعبير عن موقفه وانتمائه وثقافته بما يتناسب وطبيعة الفكرة أو القضية أو المشكلة مثار التناول.

ما أصعب البحث عن المعلومة الصحيحة حتى من الجهات المعنية بها سواء كانت رسمية أو غيرها وهذا ما يجعل الصحفي يجتهد حتى ظهر ما يُعرف في أدبيات الصحافة ب"المصادر"، وهي نسب المعلومة لجهة غير معروفة تحت باب"فضّل أو طلب أو اشترط عدم ذكر اسمه"، ولا ضير في إخفاء هوية المصدر طالما كانت المعلومة صحيحة وليس غير ذلك.

لا نتحدث هنا عن الصحفي الكسول الذي يلوذ بهذه "الضرورات المهنية"، لتغطية عجزه وسد فقره المهني ولا نبرر اللجوء للإكثار من المصادر المجهولة كثيراً، بيد أن تفهم بيئة العمل التي يعمل في نطاقها الصحفي وقدراته المادية لابد ما يضع في الاعتبار عند التقييم وإصدار الأحكام للقول إن هذا الصحفي مبدع أو جامد.

إن تجربة العمل الصحفي تثبت لنا حجم الصعوبات والتحديات التي نواجهها في رحلة البحث عن المعلومة والحصول عليها من مصادرها وهذا يتجلى بشكل واضح في رفض أو تهرب أو استهتار أغلب الجهات الرسمية إن لم تكن كلها في تمكين الصحفي من عمله وتسهيل أداء رسالته على أكمل وجه ولهذا الصدود أسباب كثيرة منها عدم وجود جهه تحاسب الشخص المسئول عن رفضه إعطاء المعلومة باعتبارها حقا للمواطن قبل أن يكون صحفيا ولخشية بعضهم من تداعيات نشرها عليه لتقصيره أو لتجاوزه في حدود مسئولياته.

إذا كانت الهموم تهرم رب الأسره وهو مسئول عن أفراد قد لا يتجاوزون ثمانية أشخاص، فما بالك بمن يحمل هموم آلاف بين فقير يحتاج تسليط الضوء على حاله ومريض ينتظر زيارته لإيصال شكواه لمسئول أو فاعل خير وبين سجين ينتظر إيصال مناشدته لمن يقدر منحه حريته وبين فئات وشرائح كثيرة يصعب حصرها.

تلاحق الأخبار الصحفي في كل وقت سواء قبل أو بعد كتابتها ونشرها في الجهة التي يعمل لديها، ما يتعامل معه من قضايا وأحداث تؤثر فيه وتترك بصماتها سلبا أو ايجابا على مشاعره وأحاسيسه وحياته ككل لدرجة أنها تحضر عند النوم الذي يطير أحياناً عند إعادة تفاصيلها وخاصة الأخبار الإنسانية.

لم اكتب كل ما أريد ولم أكمل تناول الفكرة الرئيسية وهي معاناة الصحفي أثناء مزاولة مهنته والتي تنسيه نفسه ومشاكله وحقوقه وراحته وربما نكتب عن هذا وغيره في مقال في فرصة أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى