أرشيف الرأي

كيف يرسخ جمال بنعمر حكم الحوثيين؟

حين بدأ الحوثيون مهاجمة صنعاء بعد حصارها، كان المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر يتفاوض معهم في ‏صعدة، وخلال تلك المفاوضات تم إسقاط صنعاء واحتلالها من قبلهم. وبدلا من أن يدين بن ‏عمر هذه الفعل الذي يلغي العملية السياسية التي يتولى بن عمر رعايتها، قام بن عمر في ‏التغطية على جريمة سقوط صنعاء، من خلال جر القوى السياسية للتوقيع على الوثيقة التي ‏صاغها هو والحوثيين، والتي أسميت "اتفاقية السلم والشراكة الوطنية".‏

وتمت التغطية على تلك الجريمة من خلال الترويج من قبل بن عمر، والرئيس الساقط ‏عبدربه منصور هادي، بأن تلك الاتفاقية ستعمل على إخراج الحوثيين من صنعاء وتعيد الأمن ‏والاستقرار لليمن. وكان يتم الاستشهاد بالملحق الأمني، والتي توحي بعض بنوده بأن الحوثيين ‏سينسحبون من صنعاء، وهي البنود المتناقضة مع بنود أخرى، تجردها من أي معنى. ومنها ‏تلك التي تتحدث حول الشراكة في جميع مؤسسات الدولة، وهي الشراكة التي تعني عمليا ‏إدماج الحوثيون في جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك الجيش والأمن، وهو ما يلغي الحاجة ‏لانسحابهم الشكلي من صنعاء.‏

وحين أكمل الحوثيون سيطرتهم على صنعاء باقتحام دار الرئاسة وفرض الإقامة الجبرية ‏على الرئيس ورئيس الوزراء، قام بن عمر في جر الأطراف السياسية إلى مفاوضات غطت ‏على جريمتهم الجديدة. فتلك المفاوضات حرفت الأنظار عن ما قام به الحوثيون وتم إيهام ‏الداخل والخارج بأن هناك عملية سياسية لا زالت جارية.‏

والآن وبعد أن أعلن الحوثيون إلغاء العملية السياسية بشكل رسمي ، يقوم بن عمر بدور ‏الميسر لهذا العمل، من خلال جر الأطراف السياسية من جديد للمفاوضات، وهي المفاوضات ‏التي ستمتص حالة الرفض الداخلي والخارجي للانقلاب الذي قام به الحوثيون. فمفاوضات من ‏هذا النوع ستوصل رسالة للعالم الخارجي؛ بأن يتريث قبل اتخاذ إي خطوات معارضة ‏للانقلاب من أجل إنجاح المفاوضات المزعومة. وهذا الأمر سيخدم الحوثيين حيث أنه سيوفر ‏لهم الوقت ليفرضوا واقع جديد، يجعلهم يتجاوزون حالة الغضب والرفض الخارجي التي ‏ولدتها صدمة الانقلاب.‏

لا يُعرف بالضبط دوافع بن عمر في تعامله مع الحوثيين، فإن أحسنا الضن بالرجل فيمكن ‏تفسير دوافعه بحرصه على إنقاذ مهمته من الفشل، وهو الفشل الذي سيتحمل جزء من وزره. ‏غير أن هذا التفسير يبدو غير مقنع إذا ما حللنا تعامله معهم خلال الفترة الماضية. فمنذ أن بدأ ‏الحوثيون بالتوسع عبر القوة المسلحة لم يصدر عن بن عمر ما يوحي بأنه يعارضهم.‏

وقد يعتقد البعض بأن مهمة بن عمر ودوره لا تسمح له بإظهار موقف معارض تجاه أي ‏طرف يعرقل العملية السياسية، إلا أن هذا الأمر غير صحيح، فدور المبعوث الأممي ‏ومسئوليته تتطلب أن يبدي معارضته الصريحة والضمنية لأي سلوك يعرقل العملية السياسية. ‏خاصة وأنه يمارس مهمته بغطاء من ثلاثة قرارات صادرة بالإجماع عن مجلس الأمن. وهي ‏القرارات التي تمنحه الشرعية السياسية والقانونية، لأن يظهر مواقف حازمة ضد كل من ‏يعرقل العملية السياسية، وليس من يلغيها كما فعل الحوثيون.‏

وما يؤكد ما ذكرنا مواقف بن عمر نفسه ضد بعض الأطراف؛ فحين رفض بعض أقارب ‏الرئيس السابق صالح الامتثال لقرار عزلهم من مناصبهم، توجه بن عمر بنفسه إلى هؤلاء ‏مهددا ومتوعدا لهم، وهو الأمر الذي أجبرهم على الخضوع لتلك القرارات. وأُذكر هنا بموقف ‏بن عمر الحازم من تلكؤ طارق محمد عبدالله صالح من تنفيذ القرار الخاص بعزلة من قيادة قوات ‏الحماية الرئاسية، فقد أشرف بن عمر بشكل مباشر على عملية التسليم التي تمت بين طارق ‏والقائد الذي حل محله. وتؤكد هذه الواقعة وغيرها أن بن عمر يمتلك سلطة التدخل وأبدا ‏المعارضة، إلا أنه استخدمها بشكل انتقائي ضد بعض الأطراف المعرقلة للعملية السياسية، ‏فيما لم يستخدمها ضد الحوثيين الذين ألغوا العملية السياسية.‏

أنني بصفتي يمنيا تضررت بلدي من سلوك المبعوث جمال بن عمر أطالب اللجنة المكلفة ‏بتسمية الأشخاص، والجهات المعرقلة للعملية السياسية، بموجب قرار مجلس الأمن رقم ‏‏2140، بأن تحقق مع جمال بن عمر، لمعرفة أسباب سكوته عن إلغاء العملية السياسية، ‏وليس عرقلتها، وهو السلوك الذي يرقى إلى حد التواطؤ مع من قام بذلك، الأمر الذي يضعه ‏تحت خانة الأشخاص المساهمين في العرقلة بموجب ذلك القرار.‏

كما أنني أطلب من جميع القوى السياسية في اليمن بالتوقف عن الدخول في مفاوضات تحت ‏رعاية بن عمر، وهي المفاوضات التي تمنح الحوثيين الغطاء لالتهام الدولة. كما أنني أدعو ‏جميع اليمنيين لأن يقاطعوا جمال بن عمر ويطالبوا الأمم المتحدة باستبداله بمبعوث أخر بعد ‏أن فشل في مهمته بشكل لا لبس فيه.‏

زر الذهاب إلى الأعلى