"كان الملك في حِمْيَر وسيعود إليهم".. المتن والدلالة
إلهام مطهر تكتب حول دراسة: "كان الملك في حِمْيَر وسيعود إليهم".. المتن والدلالة
ضمن سلسلة أبحاثه التي عنيت بدراسة الهوية التاريخية لليمنيين الحميريين كشعب وكدولة، طالعنا الدكتور محمد بن عبدالعزيز اليمني بهذا البحث الذي تركز على التحقق من صحة الحديث النبوي الشريف عن النبي محمد صلوات الله وسلامة عليه، هذه المرويّة التي أثارت العديد من التساؤلات بداية من صحتها ونهاية بإيراد الباحث العديد من النقاشات حولها. وهو ما دعانا لقراءتها وعرضها لأهميتها التاريخية أولا، ولدلالتها الدينية والسياسية في الوقت ذاته.
حيث روي عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، قوله "كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله عز وجل منهم فجعله في قريش وسيعود إليهم".
وقد أورد الكاتب على ظهر غلاف كتابه هذا ما يمكن أن نعتبره تنويها أو تفسيرا لجهده تبين دواعي البحث وأهميته "فوجئت بعدم العناية بالحديث دراسة وشرحا مع صحته التي بينها جميع العلماء المتقدمين والمعاصرين، مع وجود ما يلفت الانتباه وهو تقطيع الإمام أحمد لحروف آخر الحديث، فعزمت على القيام بجهد في هذا الباب عناية بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، راجيا الثواب فيه من الله عز وجل".
هنا يكون الكاتب قد أورد ملخصا حول صحة الحديث من خلال تتبع كتب الحديث والمرويات التي ذكرته في كتبها والتي بنى على أساسها الدكتور محمد اليمني صحته معتبرا هذا الحديث مدخلا للبحث حول الصحة التي ذهب إلى تأكيدها، وأيضا مدخلا وقف حوله الدكتور اليمني للحديث عن المعاني التي شملها ولخصها بأربعة عناصر هي خلاصة هذا البحث:
أولا: عرفت الرئاسة وأمر تداولها بلفظ "الأمر"، ولهذا دلالة سياسية حيث كانت تستخدم للتعبير عن الرئاسة العامة والواسعة.
ثانيا: ذهب الدكتور إلى الحديث عن "حمير" ووصفهم ب"شعب كبير كان مُلك العرب فيه قبل الإسلام". وهو ما يفند العديد من ادعاءات الباحثين الذين يذهبون في القول إن العرب لم يشهدوا قيام أي دولة أو حضارة قبل الإسلام ويضفون عليهم صفة الرعاة أو القبائل المتباعدة والمتنافرة.
ثالثا: ذهب الدكتور اليمني إلى التعريف ب"قريش" كمقابل حضاري وكيان سياسي جديد وارث للنظام الاجتماعي والسياسي للعرب منذ الطور الأول للدعوة الإسلامية وما تلاها من حقب لاحقه.
ربعا: تركز شرح هذا الحديث على أن الرئاسة العامة من العرب كانت في حِمير قبل الإسلام، ثم نزعها الله منهم بعد الإسلام فجعلها في قريش فتبقى فيهم إلى ماشاء الله.
ويجدر الحديث هنا عن دواعي الفروق بين الرئاسة في حمير وفي قريش وهو ما أوضحه الدكتور اليمني في بحثه هذا حيث أن المقارنة بين ملك الحميريين السابق وقريش اللاحق، هو من جهة الاتساع والقوة لا من جهة الأسس التي قام عليها الملك، فالقوه والغلبة والتوسع هي المعيار التي قامت عليها الممالك الحميرية التي لم تقتصر غلبتها على أرض اليمن فحسب بل تعداه لتشمل بلاد العرب قاطبة وهو ما أفاده هذا الحديث، أما المكون الرئيسي في قيام حكم قريش فهو العامل الديني القائم على المصلحة الدينية التي شكلت العامل الأهم في توسعها وانتشارها فيما بعد.
إن مسالة الملك والرئاسة بين قريش وحمير التي ذكرها الحديث تفيد بحجم المكانة والقوة التي ضمنتها الظروف الموضوعية لقيام كل من الدولتين، والتي اعتبرت كلاهما على مسافة متقاربة، إن لم نقل واحدة من الشرف والمكانة في نفوس العرب، بل لقد أورد الله عزوجل تحذيرا لقريش في صريح آياته بسوء العاقبة التي قد تحل بها إذا ما استمرت في عنادها وكفرها في إشارة إلهية إلى قوم تبع وسبب ذهاب قوتهم {أهم خير أم قوم تبع والذين من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين}.
وهنا يفند الدكتور اليمني ادعاء أفضلية قريش سواء أفضليتها على حمير، أو أفضليتها على سائر المسلمين، فاعتبر ادعاءات الانتساب إلى البيت النبوي وسيلة لتحصيل الشهوات بالشبهات، وأرجع ذلك الادعاء أي (ادعاء القرابة من النبي صلوات الله وسلامه عليه) إلى طمع من يوصفون بآل البيت في الولاية و كسب المغانم التي خلفها هذا الادعاء والقائمة على جهل الناس.
ولعل أهم ما حمله هذا الحديث الشريف يكمن في ما تضمنه من وعد ووعيد بزوال ملكهم، إذا ما حادوا على طريق العدل والحق.
أما دلالة الحروف المقطعة التي في الحديث "كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله عزوجل منهم فجعله في قريش، و سيعود إليهم" فذلك يرجع إلى ما حمله الراوي للحديث الإمام "أحمد" من تعبير لعل المراد منه الاشارة إلى طغيان السلطة الحاكمة في ذلك الوقت بغرض التخفيف من المصارحة حول ما حمله هذا الحديث من وعد ووعيد لها، وترك المعنى لمن يفهم القصد والمراد.
يقع المبحث في 48 صفحة من القطع المتوسط، وصدرت طبعته الأولى عام 2017 عن آفاق للنشر. والرابط التالي للتصفح والتحميل .