آراء

بين "أسطرة" إيران وعزل اليمن في مواجهتها

مصطفى ناجي الجبزي يكتب: بين "أسطرة" إيران وعزل اليمن في مواجهتها


ليس في الحروب حتميات، فالمتغيرات عديدة، بشرية وتكنولوجية وجغرافية. وهناك الطقس وهناك السياسات المحلية والدولية وشبكة المصالح ومعادلاتها. ومع كل هذه هناك عامل الزمن. وقبل كل هذه هناك البعد المعنوي وعقيدة المتحاربين، ودور المذهب والدين والانتماءات المتنوعة والمتعددة.

نعم، مع الوقت يتعاظم دور التكنولوجيا حيث تدخلت في قلب موازين القوى وأسهمت في رفع قدرة الإنسان على ترويض عامل الجغرافيا.

كل هذا ينطبق على الحروب ومنها الحرب في اليمن التي تستحوذ فيها حروب الذاكرة على مساحة لا يمكن تجاهلها.

...
يغدق علينا المحللون والمتضامنون ودعاة السلام التأكيدات على أن إيران قد طورت استراتيجيات حروب أهلية وحروب عصابة وصارت لا تقهر.

يدفعون الناس باسم التضامن أحيانا وباسم السلام إلى التسليم للمشروع الإيراني بالمجان.

والحقيقة أن مقولة "عبقرية إيران" في إثارة الفوضى وخلخلة دول الجوار مقولة يمكن دحضها دون عناء. فإذا كان الصلف الإيراني مكتسبا بحكم أن إيران تخوض صراعاً خارجياً منذ ثلاثين سنة طورت خلالها آليات قتالية وشبكة دبلوماسية واخترقت النخب الدولية والاقليمية بمبررات كثيرة فيما لم تكن دولة عربية كاليمن تخوض صراعا مماثلا، فإن الفعل الإيراني سيخلق رد فعل محليا يماثله طالما و الحرب سلوك بشري ولا يوجد في الأمر بعد جيني يجعل تفوق جنس بشري على جنس بشري حتمية بيولوجية ما لم يصدر هذا التصور عن روح عنصرية.

...
هناك دليل من الواقع يمكن استعماله. إذ باشر الحوثيون حروبهم في الداخل اليمني معتمدين على ميليشيات مدربة خاضت حروبا هي الأخرى على الدولة عدة سنوات ومتحالفين مع أفضل الوحدات العسكرية في اليمن. وكانت المناطق المقاومة لهذا التحالف تدفع ثمن مقاومتها باهظا في الأرواح.

وبعد وقت قصير أعادت هذا المناطق المقاومة -التي لم تكن منخرطة كثيرا في تنظيمات مسلحة وكانت لا تشملها حركة التجنيد الرسمية بكثافة- تنظيم نفسها.. اكتسبت دربة القتال وتجاوزت مهابة الموت وصارت تقاوم بأقل الإمكانيات وبأقل الخسائر البشرية مما دفع الحوثيين، بعد التراجع عن اقتحام المناطق، إلى وضع أحزمة فاصلة مزروعة بالمتفجرات واستهداف المدنيين انتقاما وقتلا من أجل الترهيب ورفع كلفة المقاومة بين السكان.

والقصد قوله هو أن الحرب تأخذ مساراها الطبيعية وتنتج ردود أفعال غير متوقعة حتى أن التذكير بالفوقية الإيرانية يغدو مردها مختلفا. فهم يضعون اليمن معزولة في مواجهة إيران وينسون جذور الحرب الأهلية في اليمن وكيف أن الحوثي دشن حرباً مقدسة على كل اليمنيين خصوصا العزّل منهم.

وإذا بحثَت اليمن عن شريك لها لمواجهة ما يحسبونه سلفا تفوقا إيرانيا، بحثوا في تحييد الشريك بكل الوسائل. وإذا عجزوا قالوا اطردوا التدخلات الأجنبية -في تلويح ماكر إلى داعمي الشرعية- وسيتوفر على اليمنيين الحل لهذه الحرب وسيعم السلام!

...
عدَّدوا لنا مثالب الحكومة التي نلعنها ليل نهار بسبب فساد وعجز وسوء تدبير وبطء حركة وتنازع، وأحصوا لنا أخطاء التحالف التي نراها منكرا لا يقبل به عاقل حتى أغلقوا أمامنا أبواب الأمل من الغول الذي يمتدحونه ضمناً ونصاً.

فأين نذهب؟

...
لم يخض اليمنيون هذه الحرب رغبة في الدم ونسفا للسياسة والمشترك إلا بعد أن أجبرهم تحالف الحوثي وصالح قبل أن ينفرط هذا التحالف المشؤوم وتشرد الحليف الساذج.

دخل الحوثي صنعاء دون معركة وتحكم بها خمسة شهور فهل رسا سلام أو استقر حال؟!

ذهب الحوثي يطارد الرئيس واختطف مسودة الدستور وعطل العملية الانتقالية ورفض التوقيع على الملحق الأمني لاتفاق السلم والشراكة الذي يجعله شريكا سياسيا ومناصِفا في الحكومة.

ثم تدخل التحالف وتحولت اليمن إلى جحيم وفشلت السياسة والتنازلات والجهود الأممية والدبلوماسية والتدليل والمعونات والتضليل بالمعلومات والحملات الإعلامية المنهجية دوليا وإقحام مشكلة اليمن بقضايا سعودية وستفشل أيضا بإقحامها بالملف النووي الإيراني.

لام الناسُ اليمنيين أحزاباً وجماعات عن عدم قتالهم الحوثي حينها، وعندما حاربوه لاموهم على حربه دون الأخذ بطبيعة الحرب وتداخل العوامل المحلية بالخارجية وانهيار المركز وتشرذم القوى وتعارض المشاريع كنتيجة طبيعية لهذا الانهيار. يقول المثل اليمني ما معناه: إذا وقع الثور أرضاً انهالت عليه السكاكين.

فما هو الحل؟

لست أدري، لكني على يقين أن المتحاربين لم يقولوا كلمتهم الاخيرة، وأن ادعاءات التفوق الإيراني لا تعني لليمنيين شيئا لأنهم في أرضهم ويدافعون عن خياراتهم السياسية وعن نظام جمهوري ينشدون من خلاله المساواة والمواطنة ويشيدون هذه القيم لبنة لبنة. وأن السلام ليس تسليم الرقاب بإذلال، إنما توافق على العيش المشترك واحترام خيارات الناس لا فرضها بالسلاح.

التحالف العربي أمر طارىء، وستطوى صفحته وإن أحسن فهو مشكور وإن أجرم فلا إفلات من العقاب.

لا تعايروا اليمنيين بفشل التحالف وفساد الحكومة وعجزها وأحقاد أطرافها لأن هذه المثالب لا تعني القبول بحاكم يرتكز على العنصرية والتمييز كأساس للحكم.

وفق هذا المشهد فإن السلام بعيد المنال طالما لم تفتر اليد من قبْضِ الزناد ولم يحد الحوثي عن مشروعه المدمر ويقبل أن يتعايش مع الناس. وطالما لم تتوقف إيران عن استخدام اليمن ورقة مساومة في مشاريع نفوذها ومعاركها.

- أديب ودبلوماسي يمني يقيم في باريس

عناوين ذات صلة:

زر الذهاب إلى الأعلى