اهتمامات

الرائدة النسائية أسماء الباشا في رحاب الله

السفير احمد حسن بن حسن يكتب عن الرائدة النسائية أسماء الباشا في رحاب الله


طالعتنا الأخبار مؤخراً عن وفاة الأخت أسماء يحيى محمد باشا في الولايات المتحدة، ليحكم عليها القدر بأن تُقبر بجانب رفيق حياتها وابن عمها المرحوم/ أحمد حسين محمد باشا.
فالمرحومة من أوائل الخريجات الجامعيات بعد الثورة السبتمبرية المباركة، ولكن دراستها الأولية كانت مع معلامة الفقيهة لتحفيظ القرآن وكان مقرها في ساحة منازل الباشا، والذي كان أخوها له معلامة اخرى مماثلة المسماة معلامة الفقيه عبده للأولاد ومقرها بجانب دار الناصر والمنافسة لها معلامة الفقيه الابي في حارة اسحاق، ومع دروس خصوصية بعد الظهر من حرم الاستاذ والمربي الفاضل الفلسطيني عبدالرؤوف نجم الدين الاستاذة (أم عصام) مع بقية التلميذات الأخريات اللواتي لهن مقدرة مالية لدفع تكاليف تلك الدروس الخصوصية.
حيث كان هذا المربي وزوجته يعملان دروساً خصوصية للأولاد وللبنات بعد ظهر كل يوم في منزلهم، هو للأولاد وهي للبنات، أما زميلاتها فيها فكُنّ بجانب أختها وأختي وأبنة محمد عبدالولي الذبحاني وابنة عبدالعزيز الحروي اما الاولاد فقد كنت مع أخيها الدكتور يحيى وزوجها وأخيه إبراهيم وأخرين منهم الأخوة عبدالعزيز مرشد ومحمد بن محمد منصور وعلي العطاب وعبدالعزيز الجبري ومصطفى الحروي...إلخ.
وقد شاء لها القدر أن ترافق والدها إلى القاهرة الذي عُين في مندوبية اليمن في الجامعة العربية قبل الثورة بأشهر لتكمل تعليمها ودراستها حتى المرحلة الجامعية وتتخرج من كلية الحقوق بجامعة القاهرة تاركة زميلاتها في تعز من دون استكمال ما حصلت عليه من دراسة متكاملة ويظللن ربات بيوت.
تخرجت في عام 1973م مع زملاء يمنيين اخرين لها منهم الأخ السفير مروان عبدالله نعمان والسفير فضل عبدالخالق. وفي هذه الفترة وأثناء دراستي الجامعة بالقاهرة كنت أسكن مع زوجها المستقبلي وزميل طفولتي ودراستي المرحوم أحمد حسين باشا والذي تخرج في نفس العام الذي تخرجت فيه هي من كلية الحقوق وهو من كلية التجارة.
وتشاء الاقدار أن والدها بعد كل هذه المدة الطويلة للعمل في القاهرة يعود للداخل في عام 1975م والعمل بوزارة الخارجية وتعود معه المرحومة لبدء حياتها العملية بعد زواجها من ابن عمها، وكان هذا الاستدعاء لوالدها هو بمثابة الفرج لها لأنها لا ترغب البقاء في القاهرة، وتريد أن تعمل في بلادها وليس خارجها، بالرغم من ظروف العمل في تلك الفترة للمرأة اليمنية كانت ظروف قاسية. حتى بالرغم من المعارضة الأسرية إلا أنها أصرت على ذلك واستطاعت بشخصيتها القوية أن تفرض إرادتها وتحقيق أحلامها في كل الاحوال أمام كل الصعاب والمعوقات التي تواجهها مثلها مثل حرم الاستاذ محسن العيني (أم هيثم) والتي كانت قد سبقتها في هذا المجال والذي جمعهما هذا العامل المشترك الموضح آنفاً كفاح المرأة اليمنية ضد كل العادات والتقاليد البالية المجحفة بحقوق المرآة في اليمن.
ويتم توظيفها في الجهاز المركزي للتخطيط في عام 1975م والتي كان يترأسه المرحوم الدكتور عبدالكريم الارياني كوزير للتنمية ورئيساً لهذا الجهاز ونائبه الدكتور محمد عبدالوهاب العريقي وكانت المرحومة إحدى اربع موظفات فيه في نفس الفترة التي عملت فيه أيضاً في عام 1976م كمدير للحسابات، ولفترة قصيرة قبل انتقالي الى الخارجية. وهن أسماء الباشا وبلقيس الضبي كخريجات وأمل العاقل وذهب في تحويلة الأجهزة الهاتفية، وقد كان هذا الجهاز تحت قيادة الدكتور الارياني بمثابة فقاسة لتفريخ لقيادات أجهزة الدولة الأخرى فيما بعد في كل الوزارات والمؤسسات الأخرى الحكومية منهم عمرالوصابي وعبدربه جراده وقائد الحروي وأنور الحرازي وعقيل الارياني ومحمد الحيمي ومحمد يحيى السياغي والأخوين عنقاد....إلخ.
ومثلما كان هؤلاء قيادات في الجهاز المركزي للتخطيط كانت المرحومة أيضاً قيادية فيه لتتولى ولفترة طويلة مديرة الإدارة القانونية فيه، وفي عام 1977م الا انها ظلت وفية له وظلت تعمل فيها لأعوام كثيرة، وتحصل على دراسات عليا هي وزوجها في مدينة بورت سموث الساحلية البريطانية ولمدة عام ويعودان بعدها إلى صنعاء لمواصلة مسيرة كفاحهما في خدمة الدولة هو في وزارة المالية وهي في الجهاز المركزي للتخطيط. وظلت في هذا المنصب لأعوام لتكون مدربةً لموظفيها من الذكور والاناث وقائدة لهم وقدوةً حسنةً لهم.
ويأتي نشوء المؤتمر الشعبي في عام 1982م لتكون أحد مؤسسيه المكون من ألف شخص عن القطاع النسائي بل ومن العدد المحدود جدا كنساء فيه، وتنتخب لعضوية اللجنة الدائمة فيه، وانقطعت عن الاعمال سواءً في الجهاز المركزي للتخطيط او العمل الحزبي لفترة عندما عُين زوجها ورفيق حياتها تارةً سفيراً في تركيا وتارةً أخرى قنصلاً عاماً في دبي ولكن قد خدمت بلادها أيضاً في الخارج أثناء هذه الفترة لتمثيل اليمن أيضا، ولم تقطع علاقاتها مع شئون اليمن ومشاكل المرأة في بلادها فاتصالاتها مستمرة من هناك وعن بُعد.
وفي منتصف الألفية يفاجئها المرض بالرغم من ذلك ومن ذلك الحين ظلت تصارع مرضها لأعوام مثلما كانت تصارع العادات والتقاليد في بلادنا بشأن حقوق المرأة منذ بداية حياتها العملية. إنها من النسوة اليمنيات القليلات اللواتي خضن كفاح المرأة لنيل حقوقها في اليمن مثل الدكتورة وهبية فارع ورمزية الأرياني وأمة العليم السوسوة وجميلة علي رجاء والدكتورة رؤوفة حسن.. إلخ. مع الرائدات الأوائل حرم محسن العيني عاتقة الشامي ابنة احمد الوزير وابنة الدكتور الجيلاني ورضية إحسان...إلخ. ومعظمهن عشنّ وترعرعنّ في مدينة تعز الحاضنة لكل الحقوق سواءً كان مواطناً يمنياً أو مواطنة يمينة وحاضنة الكفاح المسلح ضد المستعمر الاجنبي في جنوب الوطن.
جدها الاول احمد محمد المتوكل والد جدها قدم إلى تعز في أوائل تشكيل دولة الامام يحيى حميد الدين ليرسله إلى تعز عاملاً عليها قبل أن يكون تحت لقب باشا والذي حصل عليه بعد زيارته لاسطنبول في تركيا ضمن وفد يمني من أعيانها أكثر من 50 شخصا في عام 1907م ومع ابو الاستاذ النعمان والقاضي المجاهد الذي توفي هناك. وكان يتبع المذهب الزيدي بحكم قدومه من أحد معاقلها منطقة شهارة، ولكنه عندما استقرت به الاحوال في تعز غيره إلى المذهب الشافعي استدعاه الامام يحيى إلى صنعاء لاستجوابه وإظهار استيائه لما قام به وخاصةً وأنه من عائلة المتوكل الهاشمية، وكان رده عليه المواطنون هناك أحبوني وأحببتهم واستشهد بالمثال الذي يقول إذا دخلت بلاد العميان أفقع عينيك وبالتالي حتى لا يكون نشازاً بينهم كزيدي غير مذهبه معهم.
وعلى هذا الصعيد إذا عاد الباحثون إلى وثائق مؤتمر حرض للسلام بين الجمهوريين والملكيين كانت احد وثائقه تصنف كل جانب ملكي أو جمهوري من هو شافعي او زيدي فيهما وكان عمها الاكبر السفير أحمد محمد باشا والذي عمل سفيراً لليمن في العهدين الملكي والجمهوري والذي كان نائباً رئيس الوفد الملكي لاحمد الشامي في هذا المؤتمر، والذي كان جمهورياً في الاصل منذ اربعينات القرن الماضي، ومن ثم وجد ان الجمهورية من وجهة نظرهم قد سارت في غير مسارها المطلوب وانقلب ملكياً من جديد. وكُتب امام اسمه حسب ذلك التصنيف في وثاق هذا المؤتمر انه شافعياً مثلما قد اتخذه جده احمد المتوكل والتي اصبحت تحت لقب الباشا واصبحت هذه الاسرة تعتبر من أعيان وكبار مدينة تعز حتى اليوم.
وفي هذا المقام، لابد من ذكر قصة جدها محمد احمد الباشا وكان عاملاً بتعز وولده الأكبر وعم الفقيدة احمد الآنف الذكر قد هرب من تعز إلى عدن في اربعينات القرن الماضي وانضم للثوار وإذا بالامام يحيى يصدر فرمان لعامله إبيه اما عودة ابنه او هو معزولاً، وسافر العامل محمد الباشا إلى عدن وإذا بالجمعية التي يديرها محمد علي لقمان ويستقبله ويعمل له حفلاً وإذا بالأعضاء من شبابتها يستقبلونه بالترحاب والتصفيق فعلق العامل بما معناه هؤلاء الشباب الذين تغيرون عقولهم بالمبادئ الجديدة الهدامة، فرد عليه لقمان نعم ولكن ابنكم قد اصبح واحداً منهم، فأجاب وأنا لماذا جاءت إلى هنا إلا لكي أعيده إلى تعز.
هذا ما جاء في وثائق ندوة لقمان التي نظمتها جامعة عدن. ورجعا إلى تعز إلا ان الابن ظل نبراساً للحركة الوطنية للتغيير قبل الكثير من أفرادها وغادرها في منتصف الخمسينات الى الخرطوم في عام 1955م ليفتح الوكالة السياسية ومن ثم سميت المفوضية اليمنية ولرئاسة البعثات اليمنية فيما بعد في العهدين الملكي والجمهوري، ولم يعد الى اليمن الا مرة واحدة ما قبل لثورة السبتمبرية لانه كان يرى ان اليمن تعيش احوالا غير عادية وغير مستقرة على الدوام حتي انه كان قد ان يكون عضوا للمجلس الجمهوري بعد استشهاد الشيخ محمد على عثمان ليحل محله ورفض ذلك.
وبالتالي المرحومة لم تكن نسيجاً خارجاً عن أسرتها التي قدمت من شهارة إلى تعز الذين كانوا دائماً مع تغيير أوضاع اليمن إلى الافضل والاحسن ومع اعمال الخير، بالرغم من أنهم ينتمون إلى أبعد مناطق الشمال المتحجرة بثقافتها المعروفة، لأن جدها كان قد خلف عمها أحمد وأبوها يحيى وأعمامها حسين ومحمد وعبد الله وإبراهيم مثلما ابوه احمد كان قد خلف محمد وعباس - والذي كان من اوائل من عملوا مع الثوار الاوائل بقيادة الاب الروحي لهم الاستاذ النعمان - وعبد الجليل.
وأيضاً جدها له قصة أخرى مناهضة للظلم والبطش الامامي الذي كانت تتكبده تعز حيث عندما قدم علي الوزير الملقب بالفريد تارة وبالامير تارة اخرى، وهو عاملاً فيها خلف لوالده احمد الذي اصبح شافعياً كما اسلفنا ولم يتبق لعلي الوزير بعد معاركه في حبيش في إب والمقاطرة في الحجرية إلا جبل صبر في تعز خارج عن سلطته وكان نازلاً ومقيماً في منزل العامل محمد الباشا لأنه لا توجد منازل ليقيم فيها في حينها فأصدر علي الوزير فرماناً من يحضر رأس اي شخص من اهل صبر له جائزة 5 ريالات عن طريق احضار رأسه فاعترض جد المرحومة أسماء على ذلك وقال هذا قتل للأبرياء وإذا اردتم ان نعمل حملة عسكرية على صبر كان بها، وهنا غضب وحنق علي الوزير من ذلك وقرر الخروج من بيته واستأجر منزل محمد علي رضا بل وقرر أي رأس قادم جديد يتم تعليقه في بوابة منازل الباشا هذا ما جاء في كتاب حياة الامير على الوزير.
ولذا منذ ذلك التاريخ أهالي صبر قرروا عدم نزولهم وارسال نسائهم واطفالهم إلى تعز لبيع محصولاتهم الزراعية والعيش منها وظلت عادة حتى اليوم الرجال يعملون في الحقول والنساء بكل احترام مزاولة مهنتهن للبيع في المدينة.
بالرغم من أن المرحومة من الرائدات النسوية في البلاد لكنها قد ظلمت في حقوقها اصلاً قبل دفاعها عن حقوق الأخريات لأن النظام السائد كان لا يريد ذلك يريد مطبلون وهي ليست ممن يتبعون ذلك. فإذا كانت لمصر العزيزة والحبيبة إلى قلوب كل اليمنيين التي دعمت اليمن على الدوام في الماضي والحاضر وكان لها رائداتها النسائية وهن كثر مع قائد هذه الدعوة الرائدة قاسم أمين، فأسماء الباشا مع ما ذكر من أسماء نسائية سابقاً ليصبحن من رائدات الحركة النسائية اليمنية مثلما كنا الرائدات المصريات مع الرائد قاسم أمين، فالرائدات اليمنيات كنا مع رائد آخر ينادي بحقوق المرأة اليمنية وهو المرحوم الاديب محمد الشرفي صاحب ديوان دموع الشراشف.
كانت الفقيدة تساعد كل من يأتي إليها ناشداً تلك المساعدة وبالطبع بالدرجة الأولى من اليمنيات ولكنها تصارحنهن من البداية أنها قد تنجح أو تخفق بما يطلب منها، ولكن ستفعل بما وسعها لانجاح مهمتها هنا او هناك، كانت تحظى باحترام وتقدير كل قيادات الدولة فمثلاً عندما قدم الرئيس الامريكي بوش وكان لا يزال نائباً وزار اليمن لاحتفال تدشين النفط اليمني في مأرب اختيرت لتكون أحدى ممثلات اليمن امامه، والمرأة اليمنية التي شاركت كل فعاليات زيارته.
رحم الله الفقيدة اسماء الباشا التي كانت نبراساً لعلو شأن المرأة اليمنية في ربوع اليمن ولرفع صوت حقوق المرأة اليمنية في كل المحافل محلية او اقليمية او دولية. واسكنها فسيح جناته ويغفر لها ويعتقها من النار ويكون مثواها مع الصالحين والابرار. وتعازينا لولدها الوحيد الكفؤ محمد أحمد حسين باشا، وأخويها الاعزاء الدكتورين يحيى واحمد يحيى باشا وكافة افراد اسرة الباشا ومحبيها.
وانا لله وانا اليه راجعون.

زر الذهاب إلى الأعلى