[esi views ttl="1"][esi views ttl="1"]
آراء

ثورة 14 أكتوبر: ملحمة الحرية التي تعيش في وجداني

محمد مصطفى الشرعبي يكتب عن ثورة 14 أكتوبر: ملحمة الحرية التي تعيش في وجداني


ثورة 14 أكتوبر 1963 هي جزء لا يتجزأ من هويتي، ليست مجرد حدث تاريخي نمر عليه كل عام، بل هي قصة تنبض في عروقي، وتروي في كل لحظة حكاية كفاح شعب قرر أن يقول "لا" للظلم، "لا" للاحتلال، و"نعم" للحرية والكرامة. كلما قرأت عن تلك الثورة، شعرت أنني أعيش تفاصيلها، وألمس روح الأبطال الذين صعدوا إلى الجبال وواجهوا واحدة من أقوى القوى الاستعمارية في العالم بقلب لا يعرف الخوف.

الثورة بالنسبة لي ليست فقط انتفاضة ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على صدور اليمنيين في الجنوب لأكثر من قرن، بل هي تعبير عن جوهر الإنسان اليمني، ذلك الإنسان الذي لا يقبل بالذل، الذي يرفض أن تكون بلاده تحت سيطرة أي قوة أجنبية. أجد نفسي في تلك اللحظات التي اختار فيها الرجال والنساء ترك حياتهم اليومية، والانضمام إلى صفوف الثوار، مدركين أن الطريق إلى الحرية ليس سهلاً، وأن التضحية جزء لا يتجزأ من هذه الرحلة.

كانت جبال ردفان هي الشرارة الأولى، ولكن جذوة النضال امتدت في قلوب كل اليمنيين. تلك الثورة لم تكن مجرد عمل عسكري، بل كانت حالة وجدانية، شعور بأن الوطن يستحق منا كل شيء، وأنه يجب أن نستعيده مهما كلف الأمر. وأتساءل دائمًا: كيف كانت مشاعرهم وهم يواجهون قوات مدججة بالسلاح بأدوات بسيطة وإرادة لا تقهر؟ كيف كانوا يشعرون وهم يرون رفاقهم يسقطون شهداء واحدًا تلو الآخر؟ ربما لأنهم كانوا مؤمنين بأن الحرية تستحق كل هذه التضحيات، وأن ما يقدمونه اليوم سيخلد في ذاكرة الأجيال القادمة.

الثورة علمتنا أن النصر ليس مرتبطًا بالقوة العسكرية أو الإمكانيات المادية، بل بالإيمان بالقضية والقدرة على الصمود في أصعب الظروف. واليوم، ونحن نعيش في واقع مليء بالتحديات، أشعر أننا بحاجة أكثر من أي وقت مضى لاستلهام تلك الروح الثورية. تلك الروح التي وحدت اليمنيين ضد عدو مشترك، وجعلت كل واحد منهم يشعر بأن معركة التحرر ليست معركة شخص أو منطقة، بل هي معركة وطن بأكمله.

وفي هذا الوقت العصيب الذي يمر به بلدنا، أرى في ثورة 14 أكتوبر رسالة أمل وإصرار. صحيح أن المعركة ضد الاستعمار انتهت، ولكن معركة بناء الدولة وتوحيد الصفوف لا تزال مستمرة. كلما واجهنا صعوبات، تذكرت أن اليمنيين في تلك الفترة واجهوا صعوبات أكبر، ولكنهم لم يستسلموا. نحتاج إلى نفس تلك العزيمة اليوم، نحتاج إلى أن ننظر إلى الأمام ونعمل على تحقيق حلم الدولة التي ضحى من أجلها أبطال ثورة 14 أكتوبر.

هذه الثورة ليست مجرد ذكرى عابرة أو تاريخ يُدرس في المدارس، بل هي درس حي لكل جيل يمني. هي تذكير بأن الحرية ليست هبة تُمنح، بل هي حق يُنتزع بالنضال والتضحية. هي شهادة على قوة الإرادة البشرية، وعلى قدرة الإنسان اليمني على التغلب على المستحيل. ومن هنا، أشعر أن ثورة 14 أكتوبر هي جزء من كياني، جزء من طموحاتي وأحلامي لليمن. إنها تزرع في داخلي إيمانًا بأن اليمن، مهما مر بمحن وصعوبات، قادر على النهوض من جديد، كما فعل في الماضي.

أرى أن الأبطال الذين أشعلوا هذه الثورة لم يكونوا فقط يقاتلون من أجل التخلص من الاستعمار البريطاني، بل كانوا يبنون لنا جسورًا نحو المستقبل، نحو يمنٍ حرٍ ومستقلٍ، يمنٍ يفتخر أبناؤه بما حققوه، ويواصلون مسيرة النضال من أجل مستقبل أفضل. ثورة 14 أكتوبر هي رمز للعزيمة والشجاعة، وهي تذكير دائم بأن اليمن قادر على صنع المعجزات عندما يتوحد أبناؤه حول هدف واحد.

زر الذهاب إلى الأعلى