تعيينات يمنية بالوقت الضائع: أعباء على حكومة بلا وزارات
في حكومة من دون وزارات، لا يتوقف صدور قرارات التعيين في اليمن، حتى تأتي موجة جديدة، وسط انتقادات تواجهها من أوساط عدة، بين من يرى أنها تعبّر عن محسوبيات وعن محاصصة حزبية أو مراكز قوى في الحكومة الشرعية، ومن ينتقد صدور هذه القرارات مبدئياً، ويرى أنها تضيف عبئاً على الحكومة التي ما تزال مقار وزاراتها تحت سيطرة الانقلابيين في العاصمة صنعاء.
وضمن آخر موجة من التعيينات، أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، مساء الخميس، قراراً شمل 16 تعييناً في وزارة الإعلام، بينها تعيين حسين عمر باسليم، نائباً لوزير الإعلام، وستة وكلاء للوزارة هم، محمد حسن قيزان، وأيمن محمد ناصر وكيلان، وعبده سعيد المغلس (وكيلاً للوزارة لقطاع التلفزيون)، ونجيب عبدالله غلاب (وكيلاً للوزارة لقطاع الصحافة) وصالح حيدرة الحميدي (وكيلاً للوزارة لقطاع الإذاعة) وعبدالباسط محمد القاعدي وكيلاً للوزارة للشؤون الفنية والإدارية.
وشمل التعيين أيضاً، عرفات جمالي مدابش وكيلاً مساعداً لوزارة الإعلام لشؤون الصحافة، وفياض أحمد نعمان وكيلاً مساعداً للوزارة لشؤون التلفزيون، وأسامة منصور الشرمي وكيلاً مساعداً للوزارة للشؤون الفنية والإدارية، وليزا حيدره الحسني وكيلاً مساعداً للوزارة لشؤون الإذاعة. كذلك عُيّن مستشاران لوزير الاعلام، وهم أحمد عبدالله المسيبلي، ومحمد هشام باشراحيل، ومختار عبدالواسع الرحبي، وفهد طالب الشرفي، وعبدالسلام محمد الهبيط.
وتُعدّ هذه التعيينات هي الأحدث في سلسلة تعيينات وقرارات معلنة وغير معلنة، تتضمن في الغالب، تعيين وكلاء وزارات ووكلاء للمحافظات فضلاً عن تعيينات في المؤسسات العسكرية بمناصب مختلفة، بالإضافة إلى التعيينات التي شملت السلك الدبلوماسي لسفارات اليمن في الخارج، بدءاً من تعيين سفراء مروراً بتعيين ملحقين ومستشارين في السفارات، والتي بقيت لسنوات دون تعيينات، قبل أن تجري تغطيتها بسلسلة من التعيينات أغلبها خلال العام الماضي.
وتواجه موجات القرارات الحكومية انتقادات سواء على مستوى الرأي العام أو القوى السياسية، وأحدث المواقف في هذا السياق كانت بياناً مشتركاً صادراً عن الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الناصري. ويشدّد الحزبان على "أهمية مراجعة وتصحيح كافة قرارات الحكومة في المجالين العسكري والإداري المخالفة للدستور ومخرجات الحوار الوطني ومعايير الكفاءة والنزاهة والتوافق"، في إشارة إلى مراجع المرحلة الانتقالية، والتي تتطلب أن تكون القرارات والتعيينات في المناصب بالتوافق بين الأحزاب الرئيسية الموقعة على اتفاق نقل السلطة في أواخر عام 2011.
وتعزيزاً لهذا الموقف أعلن الاشتراكي والناصري اللذان بدأا منذ أسابيع لقاءات تشاورية بين قيادتي الحزبين في العاصمة المصرية القاهرة، رفضهما "كافة أشكال الهيمنة والإقصاء والتهميش واستبعاد القوى السياسية اليمنية من المشاركة في القرار السياسي وإلغاء الشراكة، والتي قامت على أساسها المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وأنتجت السلطة الانتقالية الحالية". وأفاد البيان أن "التنظيم والحزب جزء أصيل من الشرعية الدستورية التوافقية للفترة الانتقالية ويقفان بوضوح ضد العمل غير المؤسسي، وضد ممارسات الفساد، وضد العمل خارج القانون، وضد التفرد بالقرار".
وبالنظر إلى سلسلة التعيينات التي صدرت الفترة الماضية، وشمل بعضها وزراء في الحكومة، كان واضحاً أنها تعبر عن محاصصة بين أبرز مراكز القرار والأحزاب المؤيدة للشرعية، من الشخصيات المحسوبة على الرئيس هادي، مروراً بشخصيات وأسماء محسوبة على نائبه الفريق علي محسن الأحمر، وكذلك على حزب التجمع اليمني للإصلاح، وبعض القيادات المحسوبة على الاشتراكي والناصري. الأمر الذي يمكن اعتباره من إحدى الزوايا اعتراضاً على نصيب الحزبين في تلك التعيينات، ومن زاوية أخرى يمثل اعتراضاً على الظاهرة وآلية اختيار الأسماء المعينة فيها، بعيداً عن التوافق المطلوب في التعيينات.
كذلك تواجه التعيينات انتقادات حادة من سياسيين وكتاب رأي، يعتبرونها مؤشراً على انشغال بعض الشخصيات في صف الشرعية بترتيب أوضاعهم الشخصية من خلال توزيع المناصب، فهناك تعيينات لأشخاص كانوا يشغلون وظائف بعينها في محيط الرئاسة أو مسؤولين في الحكومة وقيادات، ثم جرى توزيعهم في مناصب دبلوماسية أو في مناصب لا تتناسب مع درجاتهم الوظيفية، في ظل وجود من هم أحق بها، ممن يعملون في إطار المؤسسات.
من جانب آخر، تأتي أغلب التعيينات الخاصة بوكلاء وزارات أو محافظات أو في مناصب معتبرة بمؤسسات حكومية، في حين أن المؤسسات والوزارات واقعة تحت سيطرة الحوثيين وحلفائهم في العاصمة صنعاء، بما يجعل بعض هذه التعيينات ليست أكثر من مناصب شرفية، يمكن أن يحصل فيها المعينون على بعض الامتيازات والمستحقات المالية، لكنهم غير قادرين على ممارسة مهام عملية على أرض الواقع، خصوصاً مع وجود العديد منهم خارج البلاد.
بدوره، يرى الصحافي اليمني فهد سلطان، أن "القرارات التي تصدر عن الشرعية في الغالب لا تخرج عن كونها علاقات شخصية ووساطات وليست نتاج حاجة ملحة لشغل المنصب". ويضيف أن "عدداً من المناصب التي هي بحاجة إلى شخصية كفوءة، لا يتم الالتفات لها، فمثلاً منصب وزير الدفاع حتى الآن لا يزال شاغراً منذ سنوات وفي لحظة حرب لا يوجد من يشغل هذا المنصب". (وزير الدفاع محمود الصبيحي لا يزال معتقلاً في سجون الانقلابيين منذ مارس/آذار 2015).
ويتابع أن "التعيينات لا تأتي لحاجة بقدر ما هي نتاج علاقات شخصية، فأغلب القرارات وكان آخرها مثلاً وكلاء وزارة الإعلام هي شخصية وعلاقات، فهي صدرت لأشخاص يتواجدون في الرياض فيما محافظة مأرب ومناطق محررة أخرى أو في دول أخرى لا مكان لهم في هذه التعيينات".
ويرى سلطان أن "الرئيس هادي لا يرد طلباً، وكل من ضغط أو طرح اسماً أو تابع أعطاه منصباً، معتقداً أن تسوية سياسية ستحصل. وقد تلغى كل تلك القرارات وتذهب كأنها لم تكن، فلو حصل توافق سياسي فإن الدولة يستحيل أن تتحمل طبيعة القرارات عند الطرفين، إضافة إلى أن الغرض من هذه القرارات ليس إدارة اللحظة بقدر ما هو التقاسم والبحث عن مناصب لا أكثر".
ويتوقع مراقبون أن تكون التعيينات في الجانبين (لدى الشرعية والانقلابيين)، من أبرز العوائق أمام أي تسوية سياسية، ويتطلب الأمر النظر بمئات التعيينات وتوظيف الآلاف إلى عشرات الآلاف من قبل الحوثيين، بالإضافة إلى بعض التعيينات التي صدرت من الحكومة الشرعية، والتي زادت وتيرتها منذ العام الماضي، وإذا ما تم القبول بها، فإنها تمثل عبئاً كبيراً على إدارة الدولة، في حين أن الاقتصاد إحدى أبرز الأزمات المزمنة التي تواجه الحكومات المتعاقبة في البلاد.
وفي مقابل تعيينات الشرعية، لم يكن الأمر مختلفاً لدى الحوثيين إلى ما قبل أشهر، إذ كانت هناك تعيينات كثيرة، منها قرار شمل تعيين 17 وكيلاً لمحافظة صنعاء. الأمر الذي خفتت نسبته في الأشهر الأخيرة، بعد أن دخلت الجماعة بشراكة رسمية في السلطة مع حليفها حزب المؤتمر الشعبي برئاسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والذي كان من أبرز المتضررين من تعيينات الحوثيين داخل الوزارات، باعتباره الحزب الحاكم سابقاً وينتمي إليها عدد كبير من الموظفين الإداريين في المؤسسات.