البيان الأوّل للعائد من ثورة الزِّنج
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - البيان الأوّل للعائد من ثورة الزِّنج
كنتُ في عسكرِ الزِّنْجِ
عبداً يقاتلُ عنْ حُلُمٍ
يتراءى على صفحةِ الشمسِ
فوقَ الخليجِ الضَّريرِ،
ينامُ، ويصحو
ويعدو، ويكبو
وحينَ تعثَّرَ حُلْمي وحُلْمُ الرِّفاقِ،
تأبَّطْتُ سيفي وقلتُ:
الجنوبُ سمائي ووجهي
ولي في الجنوبِ رِفاقٌ،
بأحلامِهم سبقُوني إلى مرفأِ الشمسِ
غرقى بأنوارِها..
بعدَ أنْ ذبلتْ نارُ أجسادِهم
في سجونِ الإمامِ،
وتحتَ سياطِ الدَّخيلِ
قضى نَحْبَهُ الفَجْرُ في أعينٍ ذبلتْ
في رؤوسٍ تسامتْ
وجادتْ بنيرانِها..
آهِ لم ينتهوا،
ها هيَ الآنَ أحلامُهم في خصوبتِها
تثمرُ الحبَّ
والضوءَ،
هذا (فلانُ)
وهذا (فلانُ)،
تكادُ يدي تلمسُ الرّاحلينَ معَ الحُلْمِ
تلمسُ جرحَ الترابِ،
وحينَ عَبَرْتُ الخليجَ إلى الماءِ
أدركَني عطشُ الشوقِ
فاحترقَتْ قدمي،
لم أقفْ للبكاءِ
شددْتُ لحامَ الدُّمُوعِ
وأطلقْتُ للرِّيحِ صوتي
احترفْتُ الغناءَ الحزينَ،
وغنَّيتُ للوطنِ المستباحِ الدِّماءَ
نشرْتُ جراحَ الجماهيرِ في رئتي
منْ عظامِ الشهيدِ جعلْتُ المزاميرَ
فاشتعلَتْ في عروقِ النهارِ الأغاني،
وها أنا ذا أكتبُ اللُّغَةَ المستقيمةَ
أطلعُ منْ لغةِ (الزِّنْجِ)
منْ قبرِ (حمدانَ)،
في لغتي أعجنُ الأرضَ
أنشرُها كعكةً للملايينِ:
للطفلِ في ثَدْيِها مثلَما لأبيهِ
وللصقرِ ما للحَمامِ
وللسيفِ ما للزُّهورِ،
ادْخُلُوا جَنَّتي مطمئنِّينَ
يا فقراءَ الشَّمالِ
اخْلَعُوا جوعَكم عندَ بابي..
هنا أوَّلُ الحُلْمِ،
وجهُ المسافاتِ يدنو
ويقتربُ النَّبْعُ،
في زمنِ العشقِ يختلطُ الماءُ والنارُ
والشمسُ والأرضُ،
تَتَّحِدُ الكائناتُ
تكونُ فصولُ التَّجَلّي
ويأتي زمانُ الحلولْ.