خمس قصائد لعام 2002
الشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح - نشوان نيوز - خمس قصائد لعام 2002
- 1 -
لا يورقُ الكلامُ في كانونَ
جامدٌ ماءُ اللُّغاتِ،
هلْ يمنحني جليدُها أغنيةً
دافئةً للعامِ؟
يا نفسي..
اخرجي صافيةً منْ جِلْدِكِ الخائفِ
منْ دهاليزِ الشتاءِ،
انْسَكِبي في غيمةٍ شاردةٍ
وفي شفافيّةِ ضوءٍ دافئٍ تَحَدَّري،
وانسكبي في عشِّ عصفورٍ
يحنُّ للدفءِ
غناؤُهُ يستعجلُ الرَّبيعَ،
يا نفسي.. تساءلي:
عامٌ مضى
وآخرٌ أتى،
لماذا يذهبُ العمرُ
ولا يجيءُ في ثيابِ الضوءِ
عمرٌ آخرٌ،
يستكملُ الرِّحلةَ في مخاضِ الأرضِ
لا هناكَ تحتَ سقفِ القبرِ
فوقَ رفرفِ النُّعوشِ الخالدةْ؟!
- 2 -
أيّها العامُ
معذرةً إنْ رفضْنا أخاكَ
وقد كانَ مثلَكَ
حينَ أطلَّ منَ الغيبِ ضوءاً جميلاً،
لهُ منْ مهابتِهِ
وشفافيّةِ الحُلْمِ
ما لَكَ في لحظةِ البدءِ..
ثمّ دنا،
وتدلَّى،
وأدلى بأحداثِهِ،
بكتِ الأرضُ والناسُ،
واحترقتْ تحتَ وطأةِ أيّامِهِ
مدنٌ وقرى،
لم تعدْ حيثُ كانتْ تقومُ على الأرضِ
صارتْ شظايا،
اشتوى الرُّوحُ منْ فزعٍ..
كلُّ هذا الدُّخانِ الذي يتعالى
ويجرحُ وجهَ الفضاءِ،
لأجسادِ أطفالِنا
للصَّلاةِ التي تتكسّرُ
فوقَ عظامِ المصلّينَ،
للأمّهاتِ اللَّواتي
يُلَمْلِمْنَ أشلاءَ أكبادِهِنَّ منَ الأرضِ
والحافلاتْ.
- 3 -
لم يبقَ لي،
للكلماتِ الذّاهلْاتِ
غيرُ حُمَّى تعتري أوصالَها،
تنهشُ في الحروفِ،
لم يعدْ في الأفْقِ منْ معنى
ولا كلامٌ..
كيفَ تفتحُ القصائدُ الكبارُ عينيها
على رنينِ الموتِ والذُّبولِ؟
لم تعدْ سماؤُنا زرقاءَ مثلَما كانتْ،
وهذا الوطنُ الكبيرُ
لا ماءَ لهُ،
لا سورَ يحمي آخرَ السِّراجِ
في أهدابِهِ،
محاصَرٌ.. محاصرٌ
البحرُ فيهِ والصحراءُ
والفضاءُ،
لم يعدْ حارسُهُ العجوزُ يملكُ السيفَ
ولا المالَ
و (خاتمُ الاسمِ) اختفى عفريتُهُ
واحترقتْ طلاسمُ النجومِ الغامضةْ!
- 4 -
آهِ
وا أسفاهُ على العمرِ
عامٌ يجيءُ
وآخرُ يطوي تباريحَهُ الموجعاتِ
ويمضي إلى حيثُ لا ترجعُ السنواتُ..
تُرى..
هلْ تشاركُنا الأرضُ أحزانَنا
حينَ يسقطُ عامٌ منَ العمرِ؟
هلْ تشتكي؟
هلْ يفاجئُها مثلَنا الشيبُ
تسقطُ فوقَ الجبينِ
التجاعيدُ؟!
هلْ تُبْتَلى الأرضُ
بالأصدقاءِ الولوعينَ
بالنقشِ فوقَ الجراحِ
وبالصمتِ عندَ النوائبِ؟
هلْ في الشتاءاتِ
تخشى الصقيعَ
وتبكي على الوردِ حينَ يموتُ
على صدرِها؟
هلْ تحبُّ الغيومَ
وتعشقُ أمطارَها أمْ يلذُّ لها الصَّحْوُ؟
هلْ تكرهُ الحربَ
أمْ تستطيبُ غوايتَها القاتلةْ؟!
- 5 -
في غسقِ الزَّمانِ
تأوي الكلماتُ للمنفى
معصوبةَ العينينِ،
لا تضيءُ في عتمتِهِ سحابةُ الشعرِ،
ولا تومضُ غيمةُ الشّجا.
منْ أينَ لي قصيدةٌ
أهدي حروفَها للعامِ
ترتدي صمتي،
تمشي معي على رصيفِ اللهِ
بينَ البقعِ الحمراءِ،
في مخيّماتِ الجوعِ والقتلى
وصرخةِ اليتامى
وطنينِ الحربِ
واشتعالِ نارِها؟!
منْ أينَ لي بحرٌ،
وأوزانٌ،
وشطآنٌ،
وريحُ كانونَ تحاصرُ الوديانَ
والخلجانَ
واليمامْ؟!