من الصعب التشكيك في القدرات الأمنية لإمارة دبي، التي أثارت قضية اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح، إعلاميا على نحو لم يسبق حدوثه في جريمة تتعلق بعملية استخباراتية،
والمتهم الأول فيها هو الموساد الذي يشتهر بأنه من أنشط الأجهزة الاستخبارية في العالم.
وسبق أن كشفت شرطة دبي عن عملية اغتيال في العام الماضي عندما قتل القائد السابق لجيش الشيشان سليم عمادييف بالرصاص في مرأب للسيارات تحت الأرض خاص بمبنى سكني فاخر مطل على الخليج في دبي، واتهمت دبي اثنين من كبار المسؤولين في الحكومة الشيشانية بتدبير عملية الاغتيال، لكن القضية سرعان ما توارت، ربما لأن الأمر لم تتورط فيه إسرائيل.
وعلى الرغم من كم المعلومات الهائل الذي كشفت عنه شرطة دبي في هذه القضية والسخرية التي لا يخفيها الفريق ضاحي خلفان قائد الشرطة من الموساد، إلا أن غموضا لا يزال يسيطر على هذه العملية بالكامل، لن نتحدث عن بعض التناقضات في المعلومات التي طرحتها دبي مثل أنها تمكنت من كشف المتهمين بعد 20 ساعة من الجريمة، في حين أن حماس نعت في البداية المبحوح، من دون أن تكتشف اغتياله، كما أن دبي تعاملت في البداية على أن الوفاة طبيعية، إذ انها لم تكن تعلم شيئا عن شخصية المبحوح، ولولا صديق للمبحوح لكانت القضية انتهت منذ البداية، هذا الصديق حاول مرارا الاتصال بدبي ليكشف عن أهمية المبحوح القيادية في حماس، لكنه فشل، فأجرى اتصالات بكبار المسؤولين في حماس الذين بدورهم أخبروا دبي بطبيعة القضية، فعادت الإمارة إلى فتحها وبدأت تشريح الجثة.
وكل هذه الاتصالات والإجراءات تتطلب على الأقل 48 ساعة للبدء في التحقيق وليس 20 ساعة لاكتشاف المتهمين.
على أن هذه الجزئية الهامشية ليست هي صلب الشكوك التي بدأت تحيط بملابسات القضية، إنما المسألة تكمن في تصوير عملاء الموساد على أنهم سذج لا يجيدون ارتداء "الباروكة"، وهو ما جعل البعض يتحدث عن إحتمالية أن يكون هؤلاء العملاء قصدوا الكشف عن انفسهم عمدا بهدف التضليل، إذ تم تصوير منفذي العملية بكاميرات الأمن، بطريقة كان منفذوها يعرفون بالتأكيد أنها ستحدث، في ظل وجود 10 آلاف كاميرا في دبي، وكأنهم يريدون أن يعرف العالم تلك التفاصيل. والأغرب من ذلك فكرة أن يتطلب اغتيال شخص ليس له أهمية كبيرة أو خاصة في حماس حشد 27 عميلا، وهو أمر يصعب فهمه.
وهو ما يطرح سيناريو مختلف حول ان اغتيال المبحوح لم يكن سوى جزء من عملية أكبر بكثير، ربما كان الأمر متصلا بإيران، ليس لأن المبحوح لعب دورا رئيسيا في تهريب سلاح مولته إيران لحماس، بل أيضا لأن إيران تعتمد بشكل كبير على دبي التي تشكل بفضل أعداد كبيرة من الإيرانيين والشركات والمؤسسات الإيرانية فيها، رئة إضافية لنظام يعاني من العقوبات التي من المنتظر أن تزداد، وتلك فرضية لا يجب اغفالها، فقد تغير الكثير من مجريات القضية.