حذر خبراء من أن إمدادات المياه المجدية اقتصادياً في العاصمة اليمنية صنعاء قد تنفذ بحلول عام 2017 في ظل عدم قدرة المياه الجوفية على مواكبة احتياجات النمو السكاني السريع.
وأفاد صالح الضبي مدير عام مشروع إدارة مياه حوض صنعاء الممول من قبل البنك الدولي أن "المياه التي نحصل عليها من الآبار حول العاصمة انخفضت حالياً إلى حيث كان مستوى المياه عندما سقطت على الأرض قبل 8 آلاف عام مضى".
وانخفضت مستويات المياه الجوفية لحوض صنعاء بشكل حاد في العقود الأخيرة، خصوصاً منذ الستينيات التي شهدت بدء حفر الآبار، وهي ممارسة توسعت كثيراً في السبعينيات.
وكانت المياه الجوفية في صنعاء انخفضت من أقل من 30 متراً تحت سطح الأرض في أوائل السبعينيات إلى أكثر من 150 متراً تحت سطح الأرض خلال عام 1995، حسب الضبي. ويقدر الخبراء أن مستويات المياه الجوفية تتقلص بنسبة تتراوح بين 4 و6 أمتار في السنة.
وتضم صنعاء 120 بئراً قانونية منها 80 بئراً منتجة و30 بئراً عميقة.
وفي ظل تفاوت حجم الإنتاج السنوي لحوض صنعاء الذي يصل إلى 200 مليون متر مكعب من المياه وما يصب فيه من مياه لا يتعدى 50 مليون متر مكعب فإن هناك أزمة تلوح في الأفق.
وللوصول إلى المياه يجب أن تتعمق الحفريات ما بين 100 و400 متر داخل طبقة المياه الجوفية البركانية وفي أماكن أخرى بين 300 و500 متر داخل طبقات الحجر الرملي، وفقاً لمشروع حوض صنعاء.
وفي حالات قليلة اضطرت منصات الحفر للتعمق إلى حوالي 1,000 متر لاستخراج الماء.
ويتراوح متوسط عمق الحفر في صنعاء بين 200 و300 متر. وعلق الضبي على ذلك بقوله: "كل هذا حدث فقط في الثلاثين عاماً الماضية".
ويثير هذا الاستغلال للمياه الجوفية قلقاً كبيراً بين الخبراء، حيث قال أشرف الأرياني من المؤسسة الألمانية للتعاون الفني "ج ت ز": "إنها كارثة. نحن نستنزف آخر الموارد الطبيعية الاستراتيجية"، مشيراً إلى أن اليمن أول مكان على وجه الأرض يقوم بذلك.
وعلى سطح الأرض هناك شعور عميق بحالة الطوارئ التي بسبب نقص المياه. فقد تضاعفت تكلفة المياه في بعض ضواحي صنعاء ثلاث مرات في السنة الماضية، كما أن النزاعات المسلحة على موارد المياه في جميع أنحاء المدينة آخذة في الازدياد، حسب الخبراء.
وتفتقر الآلاف من الأسر للمياه بسبب النقص الذي تشهده أشهر الصيف مما يضطرها إلى إنفاق ما يقرب من ثلث دخلها الضئيل على شراء المياه المنقولة بالحاويات. وما يزيد الطين بلة النمو السكاني السريع في صنعاء الذي يصل إلى 7 بالمائة سنوياً ويعد أسرع نمو سكاني مقارنة بأية عاصمة أخرى في العالم. ففي الوقت الذي لم يكن فيه عدد سكان صنعاء يتعدى الـ60,000 نسمة في عام 1940، ارتفع هذا العدد الآن إلى أكثر من مليوني نسمة، وفقاً للمؤسسة الألمانية للتعاون الفني.
وأفاد رامون سكوبل من المؤسسة الألمانية للتعاون الفني أن "عدد سكان صنعاء سيتضاعف خلال السنوات الثماني أو العشر المقبلة بغض النظر عن أية تأثيرات أخرى". ويتوقع الخبراء أن يتضاعف عدد سكان اليمن البالغ 23 مليون نسمة في غضون العقدين المقبلين.
ووفقاً لمحمود شديوة، رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، لا تتعدى حصة الفرد من المياه المتوفرة الـ200 متر مكعب سنوياً، وهي أقل بكثير من عتبة ندرة المياه المحددة عالمياً بـ1,700 متر مكعب سنوياً.
ويذهب حوالي 80 بالمائة من المياه للزراعة، حسب الخبراء، ومعظمها لزراعة القات الذي يستهلكه اليمنيون على نطاق واسع. فهذا المخدر الخفيف الذي يعتبر أكبر مصدر للمال في البلاد أحد أكبر المسؤولين عن تقنيات الري المهدرة للمياه والحفر غير المنضبط للآبار.
وكان هناك حديث عن نقل العاصمة وكذلك تحلية مياه البحر على الساحل وضخها على مسافة 2,000 متر عبر مرتفعات صنعاء، ولكن لا توجد أية خطط ملموسة.
وكانت الحكومة أدخلت عام 1997 إصلاحات طويلة الأمد لتحقيق اللامركزية في إدارة المياه. كما تم بذل جهود لاستبدال شبكات الري غير الفعالة بتقنيات زراعية حديثة، بالإضافة إلى فرض ترشيد المياه في المدن الكبرى.
ويقول الكثير من الخبراء أن الرقابة القانونية لا تزال محدودة وأنه لا توجد هناك أية خطط لمواجهة حالة طوارئ حقيقية ناجمة عن نقص المياه.
وقال الأرياني "لا توجد خطط لمواجهة أسوأ سيناريو في حال نضبت المياه في صنعاء. يبدو كما لو كان الناس يأملون في أن تقوم الجهات المانحة بحل المشكلة. ولكن هذا ليس مثل الكهرباء أو النفط. فعندما تنضب المياه يكون الأمر قد قضي، ولا يستطيع أحد حل هذه المشكلة".