arpo28

تناقضات وغموض الحرب المفتوحة بين الأمن والقاعدة في اليمن

انتقلت المواجهة المفتوحة بين الأمن والقاعدة في اليمن إلى منطقة الحوطة في محافظة شبوة مع بداية الاسبوع الماضي، واتضح ان ظهر القاعدة لم ينكسر، كما صرحت بذلك المصادر الرسمية أثناء المواجهات التي شهدتها مدينة لودر في محافظة ابين الشهر الماضي، وخلفت نحو 33 قتيلا من الطرفين.

واعترفت المصادر الرسمية بانتقال المعركة مع القاعدة إلى شبوة، حيث رددت المصادر الامنية والرسمية نفس الخطاب الاعلامي المتكرر، وكذلك انتهت معركة الحوطة بنفس الطريقة التي انتهت فيها معركة لودر، حيث جرى الاعلان رسميا يوم الجمعة الماضية عن تطهير الحوطة من عناصر القاعدة واستعادة السيطرة على المدينة.

وباستثناء تأكيدات على اعتقال العشرات من عناصر القاعدة، وتضرر بعض المنازل ونزوح الاف السكان عن المنطقة، ومقتل شيخ قبلي، تضاربت المعلومات حول مقتل اربعة جنود ومثلهم من العناصر المسلحة، وأشارت مصادر أمنية إلى الاستمرار في ملاحقة تلك العناصر وسط تردد معلومات عن وجود "صفقة" مشابهة لما جرى في لودر.

لكن وزارة الداخلية، ذكرت في بيانها اللاحق مساء الاحد مقتل خمسة من عناصر القاعدة واثنين من جنود الامن. ووصفت بعض المصادر انتقال المواجهات المسلحة والمعلنة بين الامن والقاعدة إلى الحوطة على أنه يمثل تكتيكا من القاعدة لتشتيت التركيز الأمني والعسكري. غير أن الاسباب الحقيقية لتفجر المواجهات الاخيرة، ظلت غامضة ومتضاربة في المعلومات. فيما شككت مصادر بما حدث، وذلك بالاشارة إلى مسألة استدرار صنعاء للدعم الغربي في محاربة ما يسمى بالارهاب خاصة تزامن هذه المواجهات مع انعقاد "مؤتمر أصدقاء اليمن" في نيويورك.

وكانت مصادر متطابقة، قد ذكرت بأن المواجهات الاخيرة جاءت على خلفية قيام عناصر مسلحة يعتقد انتمائها للقاعدة بمهاجمة انبوب للنفط وقتل جنديين في هجوم استهدف دوريتهم العسكرية في منطقة الحوطة بمحافظة شبوة. وأكدت مصادر رسمية أن الحملة الامنية في شبوة جاءت ضمن تعزيز السلطات جهودها لتعقب عناصر وقادة القاعدة، ومن بين هؤلاء انور العولقي الذي تطلبه واشنطن حيا أو ميتا وتتهمه بالضلوع مباشرة في هجمات استهدفت الولايات المتحدة، وكذلك فهد القصع احد المتهمين الرئيسيين بالتدبير لتفجير المدمرة الأمريكية "يو اس كول" قبالة سواحل عدن في منتصف اكتوبر من العام 2000م. وشددت مصادر رسمية على مواصلة ما أسمته ب"الحرب المفتوحة لكسر العظم ضد تنظيم القاعدة"، وتطهير الحوطة من عناصر التنظيم.

وكشف محافظ شبوة علي حسن الاحمدي ان عناصر القاعدة رفضوا عرضا بتسليم انفسهم نقل اليهم عبر وساطة قبلية. موضحا ان تلك العناصر "اضاعت فرصة ثمينة للنجاة واصرت على طريق الموت". قبل تأكيده على ان "قوات الجيش والامن ستقوم بتصفية المنطقة من عناصر الارهاب ولن تمنحهم اية فرصة للفرار".

وأورد شقيق قيادي قاعدي بحوطة شبوة رواية مختلفة بالقول ان عناصر القاعدة طالبت الجهات الرسمية برد الاعتبار لدم شقيقه عبد الله المحضار الذي لقي مصرعه في شهر يناير الماضي أثناء مواجهة مع قوات الأمن بعد اتهامه بزعامة خلية تنظيم القاعدة في شبوة.

وقال الشيخ عبد الباري المحضار، ان مطالب تلك الجماعة، حسب وصفه لها، بدأت بمطالبة السلطات الرسمية برد الاعتبار لدم عبد الله المحضار أسوة برد الاعتبار للكثير من قيادات القاعدة من قبل السلطة مثل الكازمي والعولقي وغيرهم ، وان مطالبها تطورت حتى دخلت مع الأمن في مواجهات.

موضحا أن مشائخ الحوطه حاولت التفاوض مع تلك المجموعة لكنها رفضت واتخذت طريق العنف وسيلة لها، مشيرا في تصريح نقله "موقع نيوز يمن" إلى ما أحدثته تلك المواجهات من دمار في المباني وتشريد الأسر وترك ممتلكاتهم ومواشيهم هروبا من الفتنه.

وبدوره، أكد شيخ منطقة الحوطة، حسين باحنحن، والذي ترددت معلومات متضاربة أيضا حول قضية اعتقاله وقصف منزله، انه حاول التوسط بين الامن والقاعدة لمنع نشوب المواجهات، غير انه قال بأن عناصر القاعدة حذرته من ذلك بالقول " لا تتفاوض معنا ونحن جهة مستقلة وإذا تفاوضت بإسمنا سنستقرب بك إلى الله".

تناقض المصادر الامنية

ويبدو أن المصادر الامنية والرسمية لم تستطع الخروج من أسر عادتها المتناقضة، حيث أكد مصدر أمني يوم الاربعاء الماضي مقتل أربعة من الجنود وجرح ثلاثة، إصابة أحدهم بليغة، في المواجهات، كما اكد مصدر آخر احتلال العناصر المسلحة لمنازل المواطنين والتحصن فيها.

لكن محافظ شبوة، نفى مقتل 4 جنود ، واعتقال الشيخ باحنحن. وقال أن باحنحن من الشخصيات الاجتماعية المساندة والداعمة للجهود الأمنية لمكافحة الإرهاب وتطهير الحوطة من العناصر الإرهابية.

وانسحب التناقض الرسمي على واقعة اخرى خارج محافظة شبوة، وذلك بعد التأكيدات الامنية بمقتل عنصرين من عناصر تنظيم القاعدة في منطقة لودر بمحافظة أبين هما خالد الوحيشي وسالم الصبري.

غير أن محافظ محافظة أبين أحمد الميسري نفى بعد ساعات من التأكيد الامني أن يكون القتيل خالد وشقيقه صبري على علاقة بتنظيم القاعدة.

وسبق للميسري أن اثار السلطات الرسمية بتصريحاته حول الاسباب الحقيقية لضعف تواجد الدولة في محافظة أبين، وكذلك تصريحه الشهير والذي نفى فيه وجود أي علاقة بين عناصر الحراك الجنوبي والقاعدة.

وكعادته، ظهر النائب الاسبق علي سالم البيض مدافعا عن القضية الجنوبية، ومؤكدا بأن الحملة الامنية على شبوة ذات طابع سياسي، وموجهة للخارج قبيل اجتماعات "أصدقاء اليمن" في نيويورك. ووصف البيض توقيت الحملة بأنها ذو هدف سياسي مباشر تهدف من خلالها السلطات الرسمية إلى "إعادة الموقف إلى نقطة الصفر لجر الأطراف العربية والدولية لاعتماد المقاربة الأمنية، واستجداء المساعدات المالية تحت مبرر محاربة الإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى لقطع الطريق على إعادة بحث التطورات في الجنوب من منظور سياسي". وقال إن استخدام تنظيم القاعدة ليس أكثر من ذريعة، داعيا المشاركين في "مؤتمر أصدقاء اليمن" إلى تقصي الحقائق بأنفسهم، والعودة "إلى الروحية التي تعامل بها مؤتمر لندن مع القضية الجنوبية، باعتبارها قضية حقوق سياسية".

وقال أن "الحملة العسكرية متواصلة، وهي آخذه في الاتساع، في إطار مخطط عسكري كبير يستهدف محافظات شبوة وحضرموت وأبين".

وكان البيض قد خاطب المجتمع الدولي بنفس هذه المفردات أثناء معركة لودر التي قال بأنها تأتي "متذرعة بمطاردة عناصر من تنظيم القاعدة". كما وصف توقيت الحملة الامنية على منطقة لودر بأنها " محاولة لاستثمار جو المباحثات المقررة في الدوحة مع الجماعة الحوثية" والإيحاء بأن النظام اليمني يجنح إلى السلم. ودعا قطر إلى وضع "هذا الأمر في عين الاعتبار".

لكن الفعاليات المحسوبة على الحراك الجنوبي تضمنت أيضا ما يشبه التضامن والاحتجاج ضد الحملات الامنية في الجنوب بحجة محاربة القاعدة. وصدر الخميس الماضي في ختام تظاهرة شهدتها مدينة لودر بمحافظة أبين بمناسبة ما يعرف ب"يوم الاسير الجنوبي" بيان طالب "ابناء الجنوب بضرورة الوقوف صفا واحدا في وجه الحملة العسكرية" ضد اهالي منطقة الحوطة بمحافظة شبوة.

محاكمات بشبهة الارهاب
يأتي ذلك كله وسط قلق غربي متصاعد من تنامي نشاط القاعدة في اليمن ومتزامنا مع حملة اجراءات قضائية في صنعاء لمحاكمة بعض العناصر المتهمة بالارهاب.

وخلال الاسبوع الماضي، فوجئ صحفيون وحقوقيون بتمديد النيابة الجزائية المتخصصة في قضايا الارهاب حبس الصحفي عبد الاله حيدر شائع 30 يوما بعد توجيه اتهامات له بتزويد تنظيم القاعدة بمعلومات بشأن أماكن ومقرات بعض القيادات الأمنية في أمانة العاصمة. كما اتهمت النيابة شائع والذي اعتقلته اجهزة الامن في شهر رمضان، باستقطاب الشباب من الخارج وتنظيمهم وربطهم بتنظيم القاعدة في اليمن بالاضافة إلى ترويج أفكار القاعدة باعتباره الناطق الرسمي للتنظيم فضلا عن الاشتراك في عصابة مسلحة وارتكاب أعمال اجرامية.

وكشف أمين عام نقابة الصحافيين مروان دماج بأن شائع تعرض لكسر احد أسنانه ولكدمات واضحة في اجزاء متفرقة من جسمه جراء التعذيب الذي تلقاه من قبل جهاز الأمن القومي اثناء فترة التحقيق.

واوضح دماج ان التحقيق مع الصحفي عبد الاله حيدر شائع تضمن أسئلة حول حوارات أجراها مع قيادات لتنظيم القاعدة أبرزهم ناصر الوحيشي وأنور العولقي.

وجاء التحقيق مع شائع وزميله رسام الكاريكاتير كمال شرف الدين بعد اكثر من شهر على اعتقالهما من قبل جهاز الامن القومي دون الاعلان رسميا عن اعتقالهما، وهو الامر الذي اعتبره صحفيون وحقوقيون نوعا من الاخفاء القسري.

وعلى صعيد ذي صلة، أجلت المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الارهاب محاكمة 4 من عناصر القاعدة، بينهم عراقي الجنسية وألماني، إلى 3 اكتوبر. واتهمت النيابة المتهمين (أحمد الحسني 31 عاما، وصدام أحمد صالح الريمي 22 عاما، ورامي هنس هرمان 16 عاما ألماني الجنسية، ووعبدالله مساعد الراوي 16 عاما عراقي الجنسية) بالاشتراك في أعمال إجرامية استهدفت السياح الأجانب والمصالح الأجنبية والمنشآت الحكومية والحيوية والعسكرية ومواجهة الدولة في مأرب وتعريض أمن وسلامة المجتمع للخطر.

وحملت هذه الجلسة مفاجأة لا تقل عن مفاجآت الحرب المفتوحة ضد ما يسمى الارهاب، وذلك باعتراف احد المتهمين بالاقوال المنسوبة اليه وقوله ان النيابة حذفت اقوال تم الاعتراف بها في محاضر التحقيقات، ومن تلك الاعترافات التي تم حذفها اشارته إلى تنسيق رئيس جهاز الامن السياسي غالب القمش معه للسفر إلى مارب لتدريب بعض الشباب على فنون القتال، قائلا ان القمش اعطاه خمسين الف ريال لهذه المهمة، اضافة إلى قوله بأنه كان على تواصل مع أحد ضباط الامن السياسي. وطالب المتهم من المحكمة إحضار غالب القمش والضابط المذكور للادلاء بشهادتهما امام المحكمة حول التنسيق معه.

قلق غربي متصاعد
وبصورة غير مسبوقة، يتصاعد القلق الغربي من تنامي نشاط القاعدة في اليمن بصورة شبه يومية. وفي الاسبوع الماضي، انتقل القلق الذي عبرت عنه الاستخبارات البريطانية إلى الولايات المتحدة التي أوفدت مستشار الرئيس اوباما لشؤون الارهاب جون برينان في زيارة إلى صنعاء. وبحسب المصادر الاعلامية فقد حمل المبعوث الأمريكي رسالة واضحة من الرئيس اوباما تتضمن دعم الولايات المتحدة لليمن في حربه ضد تنظيم القاعدة.

وجاءت زيارة برينان وسط تردد تقارير عن دعم أمريكي جديد يتضمن شحنة من الاسلحة، كما الحديث عن تدخل أمريكي بواسطة طائرات دون طيار مسلحة تشغلها وكالة الاستخبارات عن بعد.

ونقلت شبكة "سي ان ان" الاخبارية إلى مسؤول أمريكي مختص في مكافحة الإرهاب قوله في الاسبوع ان واشنطن تدرك بأن الجهود القائمة غير كافية لمواجهة التحدي المتزايد الذي يشكله تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. واشار إلى أن كافة الخيارات في هذا الصدد قيد المراجعة بالبيت الأبيض.

ودفعت التقارير الغربية، محافظ محافظة شبوة، إلى نفي ما أسماه أنباء مشاركة طائرات أميركية دون طيار في العمليات الأمنية الاخيرة في منطقة الحوطة. وكانت مصادر صحفية أمريكية قد ذكرت مؤخرا بأن القيادة المركزية الأميركية اقترحت تزويد اليمن بما قيمته 1.2 مليار دولار من المعدات العسكرية والتدريب على مدى السنوات الست المقبلة.

وأوضحت تلك المصادر أن المساعدات تتضمن أسلحة أوتوماتيكية، وسفن دورية ساحلية وطائرات نقل ومروحيات، وكذلك قطع غيار ومعدات أخرى. وأشارت إلى أن نطاق التدريب قد يتوسع للسماح لمستشارين أميركيين للعمليات اللوجستية بمرافقة القوات اليمنية في بعض المهمات غير القتالية.

ومن جانبها، حذرت الاستخبارات البريطانية من أن التهديدات المرتبطة بتنظيم القاعدة باتت مرتبطة في شكل كبير بنشاطات فرعي هذا التنظيم في الصومال واليمن على حساب نشاط التنظيم الأم بقيادة أسامة بن لادن في مناطق القبائل الباكستانية. وهي المرة الأولى التي تؤكد فيها الاستخبارات البريطانية رسميا تراجع نسبة التهديد المرتبط مباشرة ب "القاعدة الأم" على حساب فروعها.

وكشف جوناثان ايفانز أمام اجتماع أمني أن جهاز الاستخبارات الذي يرأسه يتلقى شهريا مئات التقارير التي تشير إلى نشاطات إرهابية مشتبه فيها على الأراضي البريطانية.

وتناول نشاط فرع "القاعدة في جزيرة العرب"، وقال إنه بات يشكل تهديدا متزايدا لبريطانيا. وقال أن العديد من المؤامرات الإرهابية المشتبه فيها والتي حققت فيها أجهزة الاستخبارات البريطانية أخيرا كانت لها علاقة بما يحصل من نشاط للقاعدة في اليمن.

ولفت إلى أن "القاعدة في جزيرة العرب" هي التي ابتكرت المتفجرات التي لا يمكن رصدها بأجهزة كشف المتفجرات المعدنية والتي تم استخدامها حتى الآن مرتين الأولى عندما حاول عنصر في القاعدة تفجير نفسه بالأمير محمد بن نايف عام 2009 والثانية عندما حاول عضو القاعدة النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب تفجير طائرة أميركية فوق مدينة ديترويت يوم عيد الميلاد.

زر الذهاب إلى الأعلى