arpo28

القات.. يهزم البن في اليمن

يكاد لا يخلو بيت يمني منه، فهو المشروب الرئيسي الساخن الذي تعتمد عليه العوائل اليمنية تحديدا والعربية إجمالا، فهو مشروب مغلي يعد من البذور المحمصة، التي يطلق عليها حبوب القهوة (البن)،

فشجرته توصف بمتوسطة الارتفاع، حيث يصل ارتفاعها حوالي 3- 6 أمتار، وتتميز بجذور عميقة تصل إلى مترين تقريباً وأوراقها ناعمة دائمة الخضرة ولها أزهار بيضاء ذات رائحة عطرة ومن هذه الرائحة اشتقت كلمة (بُن) بمعنى (الريح الطيبة).
وتنتج عادة أشجار البن ثماراً ألوانها حمراء أو صفراء عند اكتمال نضوجها وتحتوي على مادة الكافيين وهي صالحة لاستعمال الإنسان والمادة اللبية بالثمار حلوة المذاق وسميكة القوام، ويمكن إزالتها بسهولة من القشر الخارجي، عندما تجف الثمار ويتحول لونها إلى البني الداكن.. عندها يصبح ممكناً القيام بعملية التقشير، حيث تنقسم الثمار إلى قسمين القسم الخارجي ويسمى (القشر) ويستخدم كشراب خفيف (قهوة القشر) وهو المستخدم غالباً في اليمن والقسم الداخلي ويسمى (الصافي - الحب) وهو الجزء الذي يحمص ويطحن ويسمى طحين البُن، وشرابه (القهوة) وقد سميت بذلك لأنها تقهي شاربها عن الطعام، أي تقلل الشهية للطعام كما تذهب النعاس والكسل وتنشط البدن وتجلب السهر، وهي اليوم تحضر وتشرب عند الكثير في العالم وبطرق وأشكال مختلفة.

أصل شجرة البُن
من المعتقد أن الإثيوبيين، أجداد قبيلة أورومو، كانوا هم أول من اكتشف وتعرف على الأثر المنشط لنبات حبوب القهوة. ولم يُعثر على دليل مباشر يكشف بالتحديد عن مكان نمو القهوة في إفريقيا، أو يكشف عمن قد استخدمها على أنها منشط أو حتى يعرف عن ذلك قبل القرن السابع عشر. وظهر أقرب دليل موثوق به سواء على شرب القهوة أو معرفة شجرة البن، في منتصف القرن الخامس عشر، في الأديرة الصوفية في اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية. وقد انتشرت القهوة من اليمن إلى مصر وإثيوبيا، وبحلول القرن الخامس عشر وصلت إلى أرمينيا، بلاد فارس، تركيا، وشمالي إفريقيا. وقد انتشرت القهوة من العالم الإسلامي، إلى إيطاليا، ثم إلى بقية أوروبا، واندونيسيا، وإلى الأمريكتين.
وهنا اختلف الباحثون في تحديد الموطن الأصلي للبن فبعضهم يرى أن اليمن هي الموطن الأصلي للبن ويستند هؤلاء إلى نتائج ما توصلت إليه بعثة استطلاعية تابعة لمنظمة الغذاء والزراعة الدولية أثناء دراستها لأشجار البن في الحبشة عام 1964م حيث لم تتمكن من الحصول على أدلة أكيدة تثبت أصالة البُن في الحبشة بسبب التلف الذي أصاب معظم الغابات ولأن أشجار البن متكيفة للظروف البيئية السائدة في اليمن وانتشار زراعته وشرابه، بينما يميل معظم الباحثين إلى تأكيد أن الموطن الأصلي للبن هو إثيوبيا(الحبشة) حيث كان ينمو برياً في إقليم كافا بجنوب غرب إثيوبيا، ثم نقلت بذوره الأولى إلى مرتفعات جنوب غرب الجزيرة العربية (اليمن) واختلف المؤرخون كذلك في تحديد تاريخ دخول شجرة البن إلى اليمن، كما اختلف المؤرخون أيضاً في تحديد الشخصية التي أدخلت البُن إلى اليمن، ومهما يكن الأمر فإن معظم الروايات التاريخية تؤكد أن دخول شجرة البن إلى اليمن كان في عام (525)م.

أماكن زراعته
يعتبر اليمن الوحيد في العالم الذي تزرع فيه شجرة البن في ظل ظروف مناخية وبيئية لا تتماثل مع تلك التي تزرع فيها أشجار البن زراعة مرفهة في مناطق أخرى من العالم، فبسبب ضعف الإمكانات الزراعية ما زال اليمنيون يستخدمون النظم القديمة التي اتبعها أجدادهم في زراعة البن، من جهة ثانية يغلب على بيئة زراعة البن في اليمن ندرة المياه، وبرغم ذلك يحصل المزارع اليمني على أفضل أنواع البن في العالم والمعروف بالبن العربي.
تنتشر زراعة البن اليمني في معظم المحافظات وأشهر مناطق زراعته هي: بني مطر، يافع، حراز، الحيمتين الداخلية والخارجية، برع، بني حماد، عمران ....وغيرها، ويتكون من أشكال وأحجام مختلفة ومن عدة أسماء وأنواع وذلك نسبة إلى المناطق التي يزرع فيها، ومن أشهر أنواع البن اليمني: المطري، اليافعي، الحيمي، الحرازي أو الاسماعيلي، الاهجري المحويتي البرعي، الحمادي، الريمي، الوصابي، الانسي، العديني، الصبري والصعدي.
تقدر المساحة الزراعية المخصصة للبن حاليا في أنحاء اليمن: 260، 33 هكتارا (إحصاءات وزارة الزراعة) ويزرع في الوديان حيث المناخ الدافئ الرطب وفي السفوح والمدرجات الجبلية على ارتفاعات تتباين من 700-2400 متر فوق سطح البحر.

انتشار البن اليمني
نتيجة لازدهار زراعة البُن في اليمن خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وازدياد عدد شاربي قهوة البُن أي انتقال عادة شربها إلى خارج اليمن بعد أن شاع شربها وولع الناس بها في اليمن حيث فتحت محلات خاصة لإعدادها أطلق عليها بيوت القهوة (المقهى) كذلك نقل التجار اليمنيون وطالبو العلم لحبوب البن معهم إلى خارج اليمن كبدايات فقد نجحت تجارة البن اليمني نجاحا باهرا بعد أن اكتشفت جودته العالية والمتميزة عن جميع أنواع البن في العالم، ولذا فقد زاد الطلب عليه واشتدت المنافسة من اجله بين الشركات البريطانية والفرنسية والهولندية طوال خمسينيات القرن السابع عشر، واستمرت المنافسة حتى القرن الثامن عشر عندما بلغ إنتاج البن ذروته عام 1720م. بعد أن أنشا الهولنديون مصنعا للبن في المخا عام 1708م وبدؤوا في تصديره.
ثم أنشا الفرنسيون مصنعاً آخر في المخا في العام1709م . وفي تلك الحقبة من الزمن شهدت موانئ المخا والحديدة واللحية حركة دائبة لتجار البن القادمين من الهند ومصر والجزيرة العربية للحصول على البن اليمني وبيعه في بلدانهم أو تصديره إلى دول العالم الأخرى، ووصلت أكياس البن المصدرة في ذلك الوقت إلى موانئ عديدة مثل السويس وبور سودان واسطنبول وحتى اوديسا في روسيا، بعد ثلاثة قرون من الازدهار حدثت على شجرة البن اليمني مع الأسف عوامل سلبية مؤسفة، حيث بدا الانخفاض التدريجي لتجارة البن اليمني، وبدأ اليمن يفقد في القرن التاسع عشر العديد من أسواق البن العالمية، ويعود السبب الرئيسي لذلك إلى نقل شجرة البن من اليمن إلى مناطق أخرى أخذت تنافس اليمن في إنتاج وتصدير البن منذ ذلك الحين، كما أن هناك عوامل سلبية محلية أثرت ولاتزال تؤثر على إنتاج وتصدير البن اليمني.
يعد ميناءا المخأ واللحية أهم موانئ تصدير البُن اليمني خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادين حيث لعب ميناء المخأ دوراً هاماً في تاريخ اليمن الحديث واكتسب شهره في تصدير وتجارة البن وقد سمى التجار الأجانب أجود أنواع البن باسم ( موكا-كافية) وبذلك اكتسب البن اليمني اسمه العالمي (mocka-coffee) نسبة إلى المخا (المينا)، والذي كان يصدر عبره أجود أنواع البن اليمني، كما كان يفد إليه الكثير من التجار العرب والأجانب لتصريف بضائعهم واقتناء البضائع اليمنية وعلى وجه الخصوص البُن، كما كان بعض التجار، يقيمون في مدينة المخأ بصورة دائمة، فأسست بعض الشركات الأجنبية مقرات تجارية لها في المخأ، وبعد اضمحلال تجارة البُن في القرن التاسع عشر اضمحلت أهمية مينائي المخأ واللحية فحل محلها ميناءا الحديدة وعدن.

البن من اليمن إلى العالم
بعد أن وجد الأوروبيون أن البن سلعة مهمة وتدر أرباحاً كبيرة، اشتد تنافسهم لاحتكار تجارتها مما أدى إلى ارتفاع أسعار البن الوارد من اليمن فقاموا بمحاولات تهريب شجيراته وزراعته في مناطق أخرى خارج اليمن: فقد تمكن الهولنديون أولاً ثم الفرنسيون والإنجليز من تهريب شجيرات البن من اليمن إلى بلدانهم ومستعمراتهم حيث تأكد المصادر التاريخية أن الهولنديين كانوا أول من قام بنقل ثلاث شجيرات بن من اليمن وزراعتها في جزيرة جاوه الأندونيسية وسيلان الهندية نهاية القرن السابع عشر كما قاموا بنقل زراعته إلى البرازيل عام 1711م، ومثلهم فعل الفرنسيون حيث أخذوا شجيرات البن اليمني لزراعتها في ريبونيون "بالاختلاس أو بالهدايا" وغيرها من المستعمرات الأوروبية حينها في شرق آسيا وأمريكا اللاتينية مثل سيرلانكا عام 1568م، كوبا 1748م، المكسيك 1790م، جزر هاواي 1825م، السلفادور 1840م الخ.
وبتمكن الدول والشركات الأوروبية من نقل شجرة البن اليمني إلى خارج اليمن كانت قد وجهت ضربة مؤلمة لزراعة البن والاقتصاد اليمني في اليمن حيث كان البن المصدر الرئيسي للعملة الصعبة حتى نهاية القرن السابع عشر.

انتشار زراعة القات
وأما عن اسباب انتشار زراعة القات على حساب البن يرى أحمد غالب وهو أحد مزارعي البن في محافظة اب أن عائدات محصول البن قليلة لارتباطه بسقوط المطر الموسمي في حين ان محصول القات يتم قطفه مرتين في العام وهو ما يشجع الناس على زراعة القات لارتفاع عائداته.
ويضيف: زراعة البن انحسرت في السنوات الماضية لصالح شجرة القات، لكن هناك بوادر اهتمام حكومي بدعم هذه الزراعة خصوصا ان البن المستورد بدا ينافس البن المنتج محليا.
أما الحاج يحيى بن علي- 87 عاما- وهو من مديرية مذيخرة فيقول انه اكتسب خبرة زراعة البن عن والده كما اكتسب منه طرق تجفيف وتنقية وطحن البن وتعبئته وتصديره كمنتج نهائي إلى مدينة العددين بسعر 45 ألف ريال لـ30 كيلو جراماً.
من جهته يقول علي أمير : امتلك نحو 500 غرسة وهي مصدر رزقي الوحيد وأنا اكتسبت خبرة زراعته من والده، ويبين ان أجود أنواع البن هي تلك التي ترتفع عن الوادي بنحو 700 متر وان أهم شرط الجودة عدم تعرض البن لأشعة الشمس العالية لذلك تتم حماية أشجار البن بأشجار كبيرة لحمايتها من حرارة الشمس في الصيف والشتاء.
أما فاطمة علي عبد الخبير- رئيسة جمعية طالوك الخيرية لتنمية المرأة الريفية في محافظة تعز فتؤكد أن غالبية النساء في وادي " طالوك" يعملن في زراعة وحماية محصول البن حيث يبلغ عددهن في الجمعية التي تأسست في العام 2001م نحو 164 امرأة ومن أهدافهن رفع مستوى زراعة محصول البن ابتداءً بدعم المزارعين من خلال الجمعية أو من خلال تقديم المشورة والتوعية والقيام بمراحل التقشير والتحميص والتغليف ومن ثم البيع إلى الوكيل في العاصمة صنعاء. وقالت : لزيادة رفع مستوى زراعة البن في وادي طالوك في مديرية المسراخ بمحافظة تعز تدخلت الحكومة الفرنسية لتمويل مشروع توسعة زراعة البن عبر وزارة الزراعة وهدف المشروع تنقية وتقشير وتحميص وطحن وتغليف وتصدير البن، ولكن للأسف الدراسة تمت في وقت والتنفيذ في وقت آخر، ما أدى إلى تعثر تنفيذ المشروع بالكامل بسبب أن الميزانية المرصودة حسب الدراسة السابقة ليست كافية اذ يحتاج لمبلغ 10 ملايين ريال.
أما أحمد الحبابي وهو تاجر للبهارات في صنعاء فيقول إن البن اليمني مازال يحتل مكانة عالية لدى المستهلكين من داخل اليمن وخارجه، وإقبال الزبائن دائم على شراء البن اليمني، وأيضا إرساله كهدايا للخارج نظرا للشهرة التي يتمتع بها هذا المنتج، ولكن الحبابي يشكو أيضا من اكتساح أشجار القات للمناطق التي كانت تزرع فيها أشجار البن ويلفت إلى أن المشكلة تكمن في ان القات الجيد أيضا لا ينبت إلا في الأماكن الجيدة لزراعة البن، خصوصا المدرجات في المرتفعات الجبلية.
لقد كان لشجرة البن اليمني تاريخها المؤثر في حياة اليمن واليمنيين وغيرهم وصار البن من أهم السلع التي لعبت دوراً مهماً في ازدهار التجارة و رفد اقتصاد اليمن وشهرته، لذلك قد استحقت أن تكون الشجرة الرمز لليمن.
تبذل في الوقت الراهن جهود محلية يمنية وبمساندة دولية لتطوير زراعة البن وتحسين إنتاجيته وتصديره، ويعمل عدد من الجهات والشركات الخاصة في الوقت الراهن في ذلك وإرشاد المزارعين بالطرق الصحيحة لتحسين الإنتاج والتجفيف والتسويق الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى