شاكر أحمد خالد :
إعلان أحزاب اللقاء المشترك في السادس من نوفمبر 2005م عن مشروع الإصلاح السياسي والوطني الشامل مثل حدثا مهما في الحياة السياسية اليمنية المعارضة. وقد اكتسب أهميته من ناحيتين، الأولى أن هذا المشروع طال انتظاره بعد حديث متكرر عنه، ومن ناحية أخرى كان مضمونه مثيرا للسلطة منذ البداية حيث باشرت بالهجوم عليه وعلى أحزابه خاصة وان مضمونه كان يتضمن الدعوة إلى تغيير النظام القائم إلى نظام برلماني،
[B][align=justify] مما دفع الحزب الحاكم إلى اعتبار المشروع استهدافا لرئيس الجمهورية كونه ينزع صلاحياته ويحولها إلى البرلمان.
أما أحزاب المشترك فقد اعتبرته وثيقة سياسية هامة للمستقبل. وقالت أنها سوف تعمل على إيصاله إلى كل مواطن كبرنامج عمل. ومع زخم التصريحات التي حظي بها المشروع لاحقا، إلا أن المشروع اليوم في النادر ما يتم التطرق إليه ولو من باب التذكير ليس إلا.
ركز المشروع على أولوية الإصلاح السياسي في اليمن كحاجة موضوعية، حسب قوله، وليست مجرد رغبات، أو أهواء، أو تقديرات انتقائية مجازفة. وقال انه «بالنظر إلى طبيعة النظام القائم وما يمارسه من سيطرة واستحواذ على الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتسميم للحياة الثقافية، والأخلاقية، وما تسببه تلك الممارسات من اختلالات في مجمل الأوضاع إلى درجة غدت معها هذه المصالح تقوم بدور الثقب الأسود كعنصر يتحكم بحركة القوى والتوجهات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، ويخضعها لطاقته الجارفة، وأضحى من غير الممكن إصلاح جوانب الحياة الأخرى قبل إصلاح النظام السياسي، وتحويله من معول هدم وتدمير، إلى أداة للبناء، والإصلاح ومحاربة الفساد.»
وبرر المشترك مشروعه بالقول إن «اليمن تقف اليوم على مفترق طرق, وعلى أي الطرق ستسلك, سيتقرر مصيرها على نحو حاسم, فإما أن تختار طريق الإصلاح السياسي والوطني الشامل لكي تتعافى أوضاعها, وتتهيأ أمامها فرصة النهوض والفوز بمستقبل أفضل، وإما أن تستمر في مواصلة السير في الطريق الراهن الذي أفضى بها إلى أن تغدو دولة هشة, وسيفضي بها حتما إلى السقوط في هاوية الفشل والانهيار» على حد ما جاء في مقدمة المشروع.
كما اعتبر المشروع أن «النظام البرلماني كفيل بإنهاء المعاناة من الحكم الفردي الذي شكل معضلة تاريخية لليمنيين وكان التخلص منه هدفا للمطالب الإصلاحية للحركة الوطنية اليمنية منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى الآن «، واعتبر أن النظام القائم قد أفضى إلى تركيز السلطة في يد رأس الدولة وتهميش المؤسسات، وتحويل الفساد إلى ممارسة منظمة تدار به البلاد، وإلى أداة لاحتكار السلطة، وتأمين الاحتفاظ بها، وتملكها، وتوريثها للأبناء فيما بعد، وشكل الغطاء الأمثل لتنمية قوى ومصالح الفساد، وإشاعة الفوضى، على حساب سيادة القانون، وبالتالي الحرمان المتزايد لكافة فئات المجتمع، والتضييق على مصالحهم الحيوية, وإحلال معايير الولاء الفردي محل معايير الولاء للدولة الوطنية واحترام الدستور والقوانين.
وخلصت أحزاب المشترك إلى القول إن مشروعها الإصلاحي يتوخى تحقيق أربعة أهداف تتمثل في ترسيخ النظام الجمهوري، وإقامة حكم ديمقراطي رشيد وعادل، يحقق التوازن بين سلطات الدولة. والثاني إيجاد مجتمع مدني قوي مسلح بمؤسسات منيعة تستمد قوتها من استقلاليتها ومن قدرتها على تمثيل مصالح المجتمع والدفاع عنها , ووضع حد لطغيان النزعات الشمولية والميول نحو الاستبداد الفردي أو الفئوي. والهدف الثالث تحريك عجلة التنمية المستدامة إلى الأمام ومعالجة مشاكل الفقر والبطالة والعمل من أجل تحقيق العدالة، وتحسين ظروف المعيشة لكل المواطنين, ومحاربة الفساد والقضاء على العوامل المولدة لنزعات العنف والتطرف والإرهاب. أما الهدف الرابع والأخير فهو توظيف العلاقات الخارجية لليمن لخدمة التنمية. ووصف مراقبون مشروع المشترك للإصلاح السياسي بأنه جاء ليتجاوز تحليل أوضاع البلاد والاكتفاء كالعادة بالمناشدات والمطالبات لإيقاف تدهورها إلى تقديم معالجات عدها كثيرون الملمح البارز في المشروع خصوصا وقد تضمن إلى ذلك مجموعة عناوين تمثل حجر الزاوية في متطلبات الإصلاح.
الأمر الذي دفع المؤتمر الشعبي العام الحاكم إلى اعتبار المشروع خروجا عن الثوابت الوطنية وعمالة للخارج واستقواء به وانعكاسا لازمات أحزاب المعارضة الداخلية. لكن ليطئن الحاكم الآن مع تساؤلات البعض، أين ذهب المشروع؟
*حكومة ظل المعارضة.. المؤتمر يتريث إلى حين
ما بين مشروع الإصلاح السياسي وحكومة ظل المعارضة سنة تقريبا.. والمشكلة لا تكمن في عدم متابعة المعارضة لمشاريعها الإصلاحية فقط، بل تجاوز ذاكرة أنصارها وقواعدها وتركها عرضة للإرهاق والتشتت الذهني. إذ لم يكد يتعرف كثير من الأنصار على مشروع الإصلاح السياسي أو يعرفوا ماهيته، حتى طرحت أحزاب المشترك فكرة إنشاء حكومة ظل تضطلع بها أحزاب المعارضة بحسب ما هو معمول به في بعض الديمقراطيات الناضجة. وقد كان المؤتمر الشعبي العام محقا هذه المرة حينما أكد في تصريحاته بأنه يفضل التريث كي تتضح رؤية المعارضة، التي لم تتضح إطلاقا.
وتعني «حكومة ظل» بحسب تعريف دليل المصطلحات السياسية قيام الحزب المعارض الرئيسي بتشكيل ما يشبه الحكومة من بين أعضائه داخل البرلمان فيكون شخص من الحزب مسؤولا عن شؤون الصحة وآخر عن شؤون الخارجية وثالث عن الكهرباء إلى غيرها من المناصب الرئيسية في الحكومة بحيث يختص كل واحد من هؤلاء بمراقبة سلوك نظيره في الحكومة الأساسية وتقييمه، كما يعد الحزب المعارض أعضاء حكومة الظل لديه لتولي نفس المناصب في حال فوزه بالانتخابات.
وجاء أول رد على هذه الفكرة التي وصفها معارضون بأنها ستشكل تطورا نوعيا يرتقي بأداء المعارضة، في الصفحة الأخيرة لجريدة «الميثاق» المعبرة عن لسان حال المؤتمر الشعبي العام، إذ اتهمت الصحيفة صاحب الفكرة بالجنون، وتساءلت عن الأشخاص الذين سوف يشكلون هذه الحكومة وموقعه الشخصي فيها.
بينما فضلت قيادات في المؤتمر عدم إبداء رأيها في الموضوع حتى تتضح رؤية المعارضة حول حكومة الظل ومطالبها من هذه الحكومة، بحسب تعبير تلك القيادات. وقال الأمين العام المساعد سلطان البركاني أن حكومة ظل التي تطالب بها المعارضة مجرد أحلام.
وعند مواجهة القيادي الاشتراكي علي الصراري بسؤال، ألا يفترض أن تمارس الأحزاب السياسية في هيئاتها الإدارية وظيفة هذه الحكومة، قال «هذا طبعا يفترض من الناحية النظرية خاصة وأن الأجهزة الإدارية والفنية للأحزاب شبيهة إلى حد ما أو مقابلة للتكوينات الحكومية، ولكن الفارق هنا أن حكومة الظل ستكون بشكل أرقى وستتجاوز العموميات إلى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة جدا، كما أن حكومة الظل ستجعل معارضتنا أكثر واقعية وملموسة لأننا سنتحدث في تفاصيل التوجهات والسياسات والخطط الحكومية وسنراقب بدقة ما تعمله الحكومة، وسنكون مطالبين بأن نقول هنا الصح وهنا الغلط».
هذه الفكرة التي اعتبرها الدكتور عبدالله الفقيه لا تتناسب إطلاقا مع واقع اليمن، وطالبت أحزاب المعارضة من السلطة التعامل معها بجدية. كما رأت فيها إحدى البدائل المطروحة فيما يتعلق باضطلاع المعارضة بدور فعال في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. قال عنها القيادي الإصلاحي محمد قحطان «لدى أحزاب المعارضة حكومة ظل مشكلة فعلا من قبل وهي غير معلنة»، أما الدكتور ياسين سعيد نعمان، أمين عام الحزب الاشتراكي، فقد عدها ضمن بدائل أحزاب المشترك كي لا يكون عمل أحزابه عملا إعلاميا عاما.
*اتفاقات بدون مبادئ.. والرهان على اتفاق اللحظة الراهنة
وقعت أحزاب المعارضة على اتفاق مبادئ حول ضمان إجراء انتخابات حرة ونزيهة شفافة وآمنة في الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية. وجاء ضمن هذا الاتفاق إضافة عضوين من اللقاء المشترك إلى قوام اللجنة العليا للانتخابات، بالإضافة إلى عدة بنود في مجال تشكيل لجان الاقتراع والفرز والسجل الانتخابي وحياد الإعلام الرسمي والمال العام والوظيفة العامة، وغيره. وقد تشكل انطباع لدى مراقبين بحصول المعارضة من هذا الاتفاق على مكاسب انتخابية سيعكس أداءها في قادم الأيام، وبالذات إضافة عضوين إلى لجنة الانتخابات احدهما تسلم مهام اللجنة الأمنية. ولكن عامل الإحباط والتشويش استمر كالعادة بعد هذا الاتفاق بطرق شتى. ومع اتفاق الكثير من المراقبين على المكسب الكبير الذي حصدته المعارضة من مشاركتها القوية ومنافستها على الرئاسيات. إلا أن ذلك لا يمنع القول إن هذه المشاركة أعطت شرعية للنظام بأنه ديمقراطي وتعددي يستحق القروض والمساعدات الخارجية.
وكان اللافت للانتباه أن الإضافة التي شكلها عضوا المشترك في قوام لجنة الانتخابات لم تثمر نتائج واضحة. وشوهد عضوا المشترك في منصة المؤتمرات الصحفية للجنة العليا للانتخابات ملتزمين بصفة الهدوء التام.
الأهم أيضا أن اتفاق المبادئ تضمن في بنده الثاني عشر نص يعالج ما بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية، ويتضمن إجراء إصلاحات وتعديلات قانونية حول الآتي:
1- إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء بحيث تتكون بكامل أعضائها من قضاة مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والحيادية، ويتفق على طريقة ترشيحهم واختيارهم، ولا تقل درجاتهم عن قاض محكمة استئناف.
2- إعادة بناء الجهاز الإداري والفني للجنة العليا للانتخابات والاستفتاء وفق معايير وشروط الخدمة المدنية, بما في ذلك فروع اللجنة في المحافظات (إعلان وتنافس بين من تتوفر فيهم الشروط).
3- ضمانات قضائية انتخابية.
4- استكمال عملية إيجاد سجل مدني في جميع الوحدات الإدارية يكون مرجعاً لجداول الناخبين.
كما نص البند على ضرورة تنفيذ إجراءات الاتفاق فور التوقيع عليه.
ولاحظوا هنا أن المؤتمر يراهن ومن واقع تجارب متعددة على اتفاقات اللحظة الراهنة مع المعارضة غير عابئا بمسألة الوقت. وهكذا لا يزال الحوار حول تشكيل اللجنة العليا للانتخابات وتوابعها في نقطة البداية حاليا، وكان الطرفين ( المؤتمر وأحزاب المعارضة الممثلة في مجلس النواب) قد وقعا منتصف العام الماضي على اتفاقا آخر يدعى وثيقة قضايا وضوابط الحوار. لكن الاتفاق يبدو بحاجة إلى اتفاق، وهكذا دواليك حتى يقضي المؤتمر وطره، ويقضي الله أمرا كان مفعولا.
*مفاتيح الإصلاح الضائعة
بموازاة الأفكار والمشاريع المتعددة لأحزاب المشترك، بدت تصريحات قياديو المعارضة في كثير من المواقف غير واضحة أو مفهومة وتشبه مجاراة الواقع أو ملاحقة الموضة السائدة. إذ حينما كانت الفكرة مشروع الإصلاح السياسي أولا، جاءت التصريحات لتؤكد نتيجة واحدة مؤداها أن الأوضاع والقضايا التي نشكو منها لن تمر إلا عبر بوابة إصلاح واحدة هي بوابة الإصلاح السياسي كمدخل لكل الإصلاحات الشاملة. وهي رؤية صحيحة إلى حد كبير، لكن السؤال: متى نستقر على فكرة معينة حتى نهضم الأولى؟
دخلت أحزاب المعارضة الانتخابات الرئاسية والمحلية الماضية وخلصت إلى بوابة أخرى للحل السحري تقول إن «إصلاح الإدارة الانتخابية مدخل جميع الإصلاحات»، وبما أننا نعيش حاليا مرحلة من أهم مراحل الاحتجاجات التي تشهدها المحافظات الجنوبية، ظهرت تصريحات أخرى مواكبة للحدث تؤكد بأن «إصلاح القضية الجنوبية مدخل جميع الإصلاحات.»حسنا.. هناك المئات من المعتقلين السياسيين في غياهب السجون على ذمة هذه الاحتجاجات، وآخرون على ذمة «الحوثية»، فماذا يتطلب من رموز المعارضة نحوهم؟
يقال إن أحد القادة طرح على رئيس الجمهورية موضوع محاكمة القرني فأجابه الرئيس بأن الرجل أساء إليه شخصيا، فما كان من قيادي المعارضة سوى القول «لكن، هكذا أنتم بتسببوا لنا الضرر»!!
الأهالي نت..