من الأرشيف

الفقيه في القدس العربي: علي عبدالله صالح يوشك أن يكون أول وآخر رئيس للجمهورية اليمنية

حذر الكاتب اليمني أحمد صالح الفقيه من تمادي السلطات اليمنية في سياساتها الحالية، مشيراً إلى أن هذا التمادي ينذر بإنهاء الجمهورية اليمنية.

جاء ذلك في تحليل له في صحيفة القدس العربي بثه موقع الصحيفة قبل ساعات بعنوان "أفول الجمهورية اليمنية ونهايتها"، ونصه كالتالي:

"هذه مقالة صريحة غاية الصراحة فالظروف المحيطة ببلادي وما يجري فيها لا يحتملان التورية والغمغمة. لذا أقولها واجري على الله.

الأجندة (السرية) المكشوفة للرئيس علي عبدالله صالح، والخاصة بإدامة حكمه واستمرار أسرته في حكم البلاد، ستؤدي إلى القضاء على الجمهورية اليمنية التي تأسست في العام 1990. وذلك للأسباب التالية:

أولاً: تمثل تلك الأجندة خروجا على الدستور اليمني ومبادئ الثورة وانقلابا عليهما. ولا يمكن تنفيذها إلا بضرب أو استتباع القوى الفاعلة في البلاد وهي المحاولة التي قادت إلى حروب داخلية وانقسامات سياسية تنذر بأوخم العواقب.

ثانياً: يتطلب تنفيذ تلك الأجندة السيطرة على موارد مالية واقتصادية هائلة، لزوم شراء الذمم، والإمعان في إفساد قيادات البلاد، كثمن لقبولها بتمرير الأجندة. الأمر الذي أدى إلى فشل خطط التنمية وانتشار الفقر والمرض والجهل، ومعها انتشار التذمر وعوامل التمرد والقلاقل في أنحاء البلاد.

ثالثاً: يتطلب تنفيذ تلك الأجندة سيطرة تامة على الأجهزة العسكرية والقوات المسلحة وكذلك الأجهزة الأمنية وقوات الأمن. وهو ما جرى الإمعان في تنفيذه منذ بدايات عهد الرئيس علي عبدالله صالح في الجمهورية العربية اليمنية بغرض تأمين حكمه أولا، ثم في الجمهورية اليمنية عندما توسعت الأهداف لتشمل إدامة حكمه واستمرارية الحكم في عائلته. ولتحقيق السيطرة المطلوبة فقد جرى تكوين أجهزة وقوات عسكرية وأمنية موازية لوزارتي الدفاع والداخلية وخارجة عن سيطرتهما ومرتبطة مباشرة بالرئاسة. وجرى وضع أهل الثقة على رأس هذه الأجهزة والقوات العسكرية والأمنية، وكثير منهم من الأقارب وأفراد العشيرة، والكثير منهم إما شباب صغار السن بلا تجارب نشأوا وفي أفواههم ملاعق فضية وذهبية، وآخرون كبار سن مجربين يشبهون الصغار في كونهم جشعين وفاسدين، جل همهم الاستيلاء على القسم الأكبر من ميزانيات وحداتهم والاستيلاء على أملاك الدولة والمواطنين العقارية، والتسلط على مشروعات الدولة ومناقصاتها ومقاولاتها والإنشائية و النفطية، الأمر الذي بلغ درجة وصف معه في تقرير باصرة/ هلال الشهير حول أسباب التذمر في المحافظات الجنوبية والشرقية، بأنهم عبارة عن خمسة عشر متنفذا جلهم من العسكريين نهبوا البلاد والعباد.

وفي ظل هذه القيادات الخالية من الكفاءة من صغار السن أو كبار السن الجشعين، تهلهلت القوات المسلحة إلى الدرجة التي شاهدها القاصي والداني في معارك صعدة بجولاتها الخمس. وحيث أصبح كل متمرد أو خارج على الدولة يتسلح من مستودعاتها التي ينهبها ويبيع محتوياتها القادة المتنفذون الفاسدون. وقد عم هذا التهلهل القوات البحرية، والبرية، والجوية التي غدت طائراتها تتساقط كالفراشات دون أن تتلقى طلقة أو قذيفة. بسبب تدني مستوى العاملين عليها، المنهوبة حقوقهم والذين يعيشون أوضاعا مزرية، في ظل قائدها الأبدي كغيره من القادة الذين لا يعرف تداول المناصب إليهم طريقا.

وفي ظل هذه السياسة قام القادة من أهل الثقة بتسريح كل من يشك في ولائه للأجندة في المستويات والمراتب الوسيطة والدنيا وهو ما خلق مشكلة المتقاعدين قسرا والذين أطلقوا شرارة الحراك الجنوبي المقبل على التحول إلى حريق هائل.

رابعاً: بغرض تنفيذ تلك الأجندة جرى خلق جهاز إداري مدني مواز للوزارات الخدمية والجبائية من درجة مدير عام فما فوق وأحيانا من درجة مدير إدارة لخلق ولاء كامل لأهداف الأجندة في الجهاز الإداري للدولة. وتم تفريغ الوزارات من سلطاتها لصالح المؤسسات بقرارات جمهورية، وهي التي تتركز فيها الأموال والجبايات والصناديق التي أصبحت مرتعا للفساد في خدمة الأجندة.

خامساً: قدر الحاكمون أن تنفيذ الأجندة يتطلب تقوية دور المتنفذين التقليديين في الأرياف على حساب الجماهير. حتى يتم كسب ولاء المتنفذين وتمكينهم من القوة اللازمة لفرض الأجندة على الناس في الأرياف والذين يشكلون 75' من سكان البلاد فجرى تمكين المتنفذين من التمثيل السياسي في المؤسسات الدستورية وتفصيل قوانين الانتخابات النيابية والحكم المحلي بحيث تخدم هدف تعظيم وتوسعة دورهم في المشهد السياسي في البلاد مع تهميش الأحزاب السياسية والقوى الحديثة في المجتمع. ومن ثم تغلغلت هذه القوى التقليدية المتنفذة والمرتبطة مصلحيا بالرئيس وأصبحت قسما اساسيا من الترسانة المعول عليها في خدمة الاجندة. ولكن وكما هو واضح من مجريات الاحداث والامثلة الكثيرة فان ولاء معظم مكونات هذه الشريحة لنفسها يسبق ولاءها للرئيس واجندته بمراحل، اضافة إلى ان جزءا لاباس به منها يتمتع بشرعية شعبية وتاريخية لايملكهما الرئيس ذاته. ومن ثم فان طموحاتها خطر داهم على الاجندة.

سادساً: وضعت السياسة الخارجية للبلاد في خدمة الأجندة، فجرى التفريط بحقوق اليمن في مساحات شاسعة ومهولة من أراضيها ومياهها بما تحويه من ثروات وما عليها من بشر، بغرض كسب ود دول الجوار وتأييدها للأجندة، كما جرى التعامل مع القوى العالمية بنفس أسلوب التزلم والتبعية حتى فيما يضر المصالح الوطنية العليا، بغرض كسب ودها وتجنب أي معارضة من قبلها للأجندة(السرية) المفضوحة. وهو التأييد المشكوك فيه نظرا لطبيعة السلطة ومعاييرها المتدنية. ويعول الحاكمون اليوم كثيرا،في ظل تفاقم الازمات الاقتصادية والامنية على الانضمام إلى العضوية الكاملة لمجلس التعاون الخليجي وذلك حلم بعيد المنال على ضوء انعدام الثقة بالنظام وخاصة بسبب موقفه من غزو العراق للكويت. ويحاول النظام تخويف اعضاء المجلس من الحوثيين عن طريق الزعم بعمالتهم لإيران وانهم شيعة يشكلون تهديدا لأمن الدول السنية، وهو ما لم ينجح فيه لعدم صحته. وقد اعترف الرئيس بان الدعم الذي يتلقاه الحوثيون داخلي فقال في حديثه لصحيفة 'الحياة' في 29 آذار /مارس الماضي: ' إن الدعم للحوثيين يأتي معظمه من الداخل. كل من كان لديه موقف من الثورة والجمهورية أو من النظام السياسي وسواء كان ينتمي إلى النظام الإمامي البائد أو كان ينتمي إلى النظام الماركسي والشيوعي أو من كان ينتمي إلى بعض الأحزاب القومية ولديه خصومة أو ثأر أو موقف من النظام يقوم بتقديم الدعم لهؤلاء سواء كان الدعم معنوياً أو مادياً بالإضافة إلى القيام بتغطية إعلامية في المواقع الإلكترونية وفي النشرات والصحف التابعة لهم. هؤلاء الذين يقدمون الدعم موجودون في صنعاء بل ان بعضهم ربما يكون موظفاً في السلطة، يكون عنده أحيانا موقف من وزير أو مدير إدارة أو حتى الرئيس نفسه، فيقوم بكتابة مقال يخدم به الحوثيين عبر الإنترنت أو الفاكس أو الصحافة عموماً'.

ويبدو أن دول المجلس تفضل احتواء مشاكل اليمن فيه على أساس 'فخار يكسر بعضه'. وان يمنا ممزقا ضعيفا أفضل لأمنها من يمن قوي متحد. كما يبدو أنها واثقة من قدرتها على عزل اليمن ومشاكله عنها. ولا أدل على ذلك من انتقال عناصر القاعدة السعوديين إلى اليمن الأمر الذي هو بمثابة تصدير لنفايات المشاكل السياسية والاجتماعية السعودية إلى اليمن وليس العكس. أما القوى العالمية فلم تتوقف منذ أعوام، عبر مراكزها البحثية ووزارات خارجيتها ودفاعها، عن التحذير من تحول اليمن إلى دولة فاشلة. وقد صبت هي ودول مجلس التعاون مساعدات كبيرة في محفظة النظام المثقوبة دون جدوى. وعندما أصرت في آخر المطاف على رصد المساعدات والقروض لمشروعات محددة تشرف هي على مجريات الصرف عليها، عجز النظام بسبب فساد وعجز القائمين على إدارته، وفساد ممارساته، عن استيعاب حتى العشر من المبالغ المرصودة.

وقد أدت هذه العوامل الستة المذكورة أعلاه إلى تعميق الهوة بين المواطن والنظام وانتزعت الثقة في أجهزة الدولة من نفوس المواطنين وأصبح موقفهم السيكولوجي منها أقرب إلى العداء منه إلى الولاء. حماقة الحروب المتكررة في صعدة أدت إلى تقوية حركة الحوثي إلى حد كبير أصبحت معه تهدد بإسقاط السلطة على كثير من المناطق وربما العاصمة نفسها بالنظر إلى الفشل الذريع لقوى الدولة المسلحة عن احتواء الوضع عسكريا وأمنيا، وعدم مقدرة أجهزتها السياسية على احتوائه سياسيا.

ومن جانب أخر تنامي الحراك الجنوبي إلى حركة شعبية عارمة تكاد تحظى بالإجماع التام من سكان المحافظات الجنوبية والشرقية. وقد وجد هذا الحراك الذي بدأ مطلبيا تعبيره السياسي في قيادات الحراك التي تم إنشاؤها مؤخرا والتي تعمل على توحيد صفوفها في هيئة موحدة ترفع شعار استعادة الدولة في الجنوب وتحقيق الانفصال أو الاستقلال عن الشمال.

ومن الواضح أن النظام في مواجهة هذا الحراك واقع في قبضة ملزمة رباعية الجوانب.

1. أولها ما أدت إليه الأجندة (السرية) المكشوفة من اختلالات شرحناها آنفا، وعدم قدرة الحاكمين على تغيير مسارهم لأن في ذلك نهاية أحلامهم أولا وحكمهم ثانيا.
2. وثانيها أن استعمال القوة المفرطة وشن الحرب مجددا على المحافظات الجنوبية والشرقية سيعجل بتدخل دولي يؤدي إلى تحقيق أهداف الحراك الجنوبي خاصة في ظل عجز الدولة عن ضبط الأمن في البلاد وتخوف القوى العالمية من فشل البلد المطل على خطوط ملاحية دولية هامة، وتنامي الإرهاب فيه.

3. استمرار القمع المتقطع الذي قد يؤدي إلى اندلاع حركة مقاومة مسلحة لن تتمكن السلطة بالتأكيد من القضاء عليها بالنظر إلى سجلها في صعدة وبالنظر إلى عجز الجيوش النظامية التاريخي المزمن عن دحر حركات التحرير الشعبية المسلحة.

4. رابعها أن استمرار الانفلات الأمني، ورعونة السلطة المتجهة إلى جولة جديدة من الحرب في صعدة، قد يعجل بانهيار السلطة في صورة تمردات متعددة في المحافظات الشمالية والوسطى، من شأنها في ظل ارتخاء قبضة السلطة نتيجة لذلك على المحافظات الجنوبية والشرقية، إلى ظهور مشروع الدولة الجنوبية المستقلة كأمر واقع.

وختاما من الواضح أن أولى خطوات العلاج هو تعديل دستوري يمنع تولي أي من أقرباء الرئيس حتى الدرجة الرابعة منصب رئيس الجمهورية أو نائبه وذلك لقطع دابر هذه الأجندة المشكلة أولا.

وثانيا: كف يد رئاسة الجمهورية عن التصرف بالسلطة التنفيذية وإرساء حكم برلماني طبقا لمشروع اللقاء المشترك للإصلاح السياسي الشامل.

وثالثا: إرساء حكم محلي واسع الصلاحيات يتم تصميمه بحيث يتيح للقوى الحديثة تولي مناصب الحكم المحلي في أنحاء الجمهورية.

وهي خطوات قد تمنع سقوط الجمهورية اليمنية، وأقول قد، لأن الداء قد استفحل، والوقت قد تأخر على العلاج. فكما يقول المثل 'لا يصلح العطار ما أفسد الدهر'.."

صالح أحمد الفقيه - القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى