[esi views ttl="1"]
رئيسية

هل غدا الجنوب اليمني مسرحاً للاستخبارات الدولية؟

إعداد/ محمد الأحمدي

أعلنت وزارة الداخلية الجمعة الماضي العثور على جهاز مجهول حلزوني الشكل ويبلغ طوله حوالي المتر والربع وعرضه 8 إنشات مزروعاً في البحر في منطقة تقع بين ساحل جله وبلحاف بمديرية رضوم الساحلية بمحافظة شبوه.

وذكر مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية اليمنية أن الجهاز صنع في الصين ولونه أصفر مزود بإريل وفي رأسه 16 فتحة, وأن احد الصيادين المحليين عثر عليه مصادفة في تلك المنطقة وقام بإبلاغ الأجهزة الأمنية عن مكان وجوده، وأن الجهاز أرسل إلى العاصمة صنعاء لعرضه على المختصين لمعرفة نوعيته وطبيعة عمله, فيما فتحت الأجهزة الأمنية تحقيقاً لمعرفة سبب وجوده في تلك المنطقة ورصد كافة البيانات والمعلومات المتعلقة بعمل الجهاز المجهول.

ورغم المحاولات التي بذلتها "الغد" للحصول على تفاصيل أخرى حول الجهاز من مصادر أمنية، إلا أن المعلومات التي أمكن التوصل إليها تشير إلى أن الجهاز الغريب لا يبعد أن يكون جهاز رادار تجسس زرعته جهة أجنبية على السواحل اليمنية لأغراض استخباراتية عسكرية، فيما تشير بعض الاحتمالات إلى تورط أميركي في تصاعد عمليات التجسس التي تشهدها السواحل اليمنية منذ أشهر، كان آخرها سقوط طائرتي استطلاع أميركيتين من دون طيار في غضون أسبوعين في فبراير الماضي، إحداها عثر عليها في منطقة رأس العارة بمحافظة لحج من قبل المواطنين، والثانية في قرية فالنج منطقة مومي التابعة لجزيرة سقطرة على مقربة من شواطئ الجزيرة، كانت "الغد" نشرت صورها وقصة سقوطها ومعلومات أخرى حول الصنع والمواصفات.

ويرى محللون بأن ازدياد سقوط طائرات التجسس الأميركية والعثور على أجهزة تجسس في السواحل اليمنية يكشف عن تصاعد وتيرة النشاطات الاستخباراتية الدولية في اليمن، في أعقاب التقارير الأميركية التي تتحدث عن تحول الأراضي اليمنية إلى مركز إقليمي لتنظيم (القاعدة)، بالإضافة إلى استمرار أعمال القرصنة البحرية على السفن في المياه الإقليمية والدولية في خليج عدن والبحر الأحمر، على مرأى ومسمع من الأساطيل والبارجات العسكرية الأميركية والأوربية المنتشرة في المنطقة بذريعة مكافحة القرصنة، رغم ما تشير إليه بعض التقديرات من وجود علاقة بين القوات الأجنبية في المنطقة واتساع نشاطات القرصنة، بعد أن صار الصيادون اليمنيون هدفاً لنيرانها بدلاً عن لصوص السفن وقُطّاع البحر.

وهنا يستدل من خلاله على أن ثمة مطامع حقيقية لعودة الاستعمار الأجنبي للجنوب اليمني البكر بالثروة، ويتأكد هذا الاحتمال في أعقاب الكارثة الاقتصادية التي لحقت بالدول العظمى بسبب الأزمة المالية، ومحاولة هذه الدول البحث عن مصادر ثروة جديدة، من خلال هذه الأساطيل العسكرية التي تجوب البحر بحثاً عن بر تستقر عليه، وليس أنسب مرفأ لها غير السواحل اليمنية القريبة من آبار النفط والغاز المخبأة والقريبة من خطوط الإمداد الدولي للطاقة أيضاً.

وهنا يبرز السؤال عن سر تزامن هذه التحركات الدولية قبالة الجنوب اليمني مع بروز تلك الأصوات "الانفصالية" في الخارج، والتي بدأت بالظهور تباعاً عبر وسائل الإعلام لتسويق مخططات الاستعمار من خلال السعي لتدويل الأزمة باستدعاء المنظمات والقوى الدولية للتدخل في الشؤون اليمنية، ورفع شعارات "الحراك" و"الاستقلال" و"حق تقرير المصير" والتنكر حتى للهوية اليمنية، وتحريك أياديها في الداخل لتفجير الأزمة، مستغلة الأوضاع المعيشية والاجتماعية المتردية بفعل السياسات الهمجية والخاطئة للسلطة الفاسدة.

وعند الحديث عن أزمات الجنوب اليمني بدءاً بالقرصنة البحرية وتداعياتها على الأمن القومي اليمني والعربي مروراً بتنامي نشاط الجماعات "الجهادية"، خصوصاً تنظيم "القاعدة"، وانتهاءً باتساع رقعة الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية والشرقية، فإن ثمة من يرى أيضاً دخول لاعبين جدد في صناعة هذه الأزمات، خصوصاً ما يتعلق بالتهافت الدولي الكبير على المياه الإقليمية المحاذية للجنوب اليمني، ومن هؤلاء اللاعبين جمهورية إيران التي غدت مصدر قلق حقيقي للأمن القومي العربي، طبقاً لتصريحات مسئولين عرب أنفسهم، بعد أن نجحت في فرزهم إلى معسكرين منذ أحداث غزة يناير الماضي، حيث تسعى الآن لتطويق منطقة شبه الجزيرة العربية، واختراق الأمن القومي لدول الخليج العربي من الجنوب.

ويبدو أن الاختراق الإيراني يأتي هذه المرة عبر بوابة اريتريا الدولة المعروفة بسياستها المشاكسة لدول الجوار، وبالتالي فإن المطامع الاستعمارية للجنوب اليمني لم تعد حكراً على القوى الغربية فحسب، بل إن هناك اختراقاً إيرانياً للقرن الإفريقي، كشفت عنه التحركات الإيرانية نفسها والعديد من التقارير الاستخباراتية، التي تتحدث عن نجاح إيران في نقل الحرب من مضيق هرمز والخليج العربي، التي تسميه الخليج الفارسي، إلى خليج عدن ومضيق باب المندب بين إريتريا واليمن، وهو المضيق البحري الذي يمثل حلقة وصل بين قناة السويس والبحر الأحمر والمحيط الهندي، ويعتبر ممرًا استراتيجيًا مهمًا وحيويًا جدًا لناقلات النفط.

وفى آخر التقارير أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت خلال الأشهر الأخيرة في تحويل ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة إيرانية، وتشير التقارير إلى أن الفرع الإفريقي في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قد تولى هذه المهمة بالتعاون مع بحرية الحرس الثوري، حيث قامت السفن الإيرانية في البداية بنقل المعدات العسكرية والأسلحة الإيرانية إلى ميناء عصب بمشاركة ثلاث غواصات إيرانية، كما أرسلت طهران المئات من عناصر فيلق القدس وضباط البحرية والخبراء العسكريين في الحرس الثوري إلى إريتريا وقامت بنصب عشرات بطاريات الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى والصواريخ المضادة للطائرات والسفن في ميناء عصب، وكل ذلك جرى بتعاون وثيق مع السلطات الإريترية وتحت غطاء اتفاقية تعاون رسمية عقدت بين الطرفين إثر محادثات رفيعة المستوى أجراها الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي مع أحمدى نجاد أثناء زيارته لإيران في مايو 2008، وهي الزيارة التي أسفرت عن توقيع مذكرات تفاهم للتعاون الثنائي بين الجانبين في المجال الزراعي والاقتصادي والاستثمار المتبادل، الأمر الذي فتح الطريق أمام إيران نحو إريتريا والقرن الإفريقي، لإنشاء قاعدة عسكرية بحرية إيرانية قبالة باب المندب وخليج عدن كأحد أهم المواقع الاستراتيجية في منطقة جنوب شبه الجزيرة العربية، يمكن أن تنطلق منها المطامع الفارسية شمالاً باتجاه الخليج.

وطبقاً لما نشرته شبكات إخبارية مقرها الصومال، فإن المعلومات تشير إلى أن هذا الاختراق الإيراني انطلق من صفقة نفطية تقوم على منح إيران الحق الحصري بالإشراف على تطوير وصيانة وعمل شركة تكرير النفط الإريترية المعروفة أيضًا باسم مصفاة عصب، وتركزت الاتفاقية مبدئيًا على قيام الإيرانيين بتكرير النفط في مصفاة عصب وإعادة استيراده إلى إيران التي تستورد أكثر من أربعين في المائة من نفطها المكرر، إلا أن الأمور سرعان ما تطورت نحو بناء قاعدة بحرية إذ أرسلت إيران قوات خاصة بحجة تأمين الحماية لمصفاة النفط ومن ثم قامت بنصب الصواريخ بالذريعة ذاتها.. وقبل أسابيع فوجئت الأجهزة الاستخباراتية والجهات العسكرية المتابعة لنشاطات القرصنة في خليج عدن بأن التواجد العسكري الإيراني في ميناء عصب ونوعية الأسلحة الإيرانية تتجاوز بكثير الحاجة إلى حماية منشأة نفطية، وبهذا تكون إيران قد انتقلت من تهديد الخليج والعالم بإغلاق مضيق هرمز إلى توسيع دائرة تهديداتها إلى منطقة صراع جديدة جنوبي البحر الأحمر.

ويرى الخبير المتخصص في الشئون الصهيونية أحمد الغريب في دراسة بعنوان (النشاط العسكري الإيراني في القرن الإفريقي وحقيقة المخاوف الإسرائيلية)، نشرها موقع (الحملة العالمية لمقاومة العدوان)، بأن التسلل الإيراني إلى القرن الإفريقي يعنى في الوقت ذاته أن طهران تهدف إلى توسيع دائرة الحرب والتسلل مجددا إلى هذه المنطقة التي تشهد حشودا عسكرية مثيرة للشبهات تحت ذريعة محاربة القرصنة، مضيفاً بأن إيران تكون بذلك قد فرضت نفسها لاعبا على مسرح الأحداث الدولية وبطريقة استباقية.

ويلفت الكاتب إلى أن الاختراق الإيراني الجديد لاريتريا قد تزامن مع تفعيل نشاطات الفرع الإفريقي لفيلق القدس في أكثر من دولة، حسبما تشير بعض التقارير، التي ربطت بعضها مؤخرا بين القاعدة البحرية الإيرانية في ميناء عصب وبين خطة سرية أعدتها طهران لاختراق الجهة المقابلة، أي اليمن، وتكشف هذه التقارير أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحركات إيرانية مشبوهة في جنوب اليمن مشيرة إلى أن المخابرات الإيرانية التي كانت نشاطاتها في دعم جماعة "الحوثيين" في منطقة صعدة في الشمال مثيرة للجدل، باتت حاليا موضع رصد ومراقبة بسبب ما يعتبر محاولات اختراق بجنوب اليمن، ويؤكد أحد التقارير أن الحرس الثوري الإيراني قام مؤخرا بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران ودعمها لعدم الاستقرار في جنوب اليمن، ويكشف أن فيلق القدس قام بنقل عناصر يمنية تنتمي لتنظيم "القاعدة" من أفغانستان وتسهيل تسللها مجددا إلى جنوب اليمن وقد فر هؤلاء عبر إيران تحت حماية قوات القدس.

ويشير الكاتب الغريب إلى أن المساهمة الإيرانية في نقل عناصر من "القاعدة" من أفغانستان إلى جنوب اليمن إضافة إلى إحياء خلايا نائمة في منطقة عدن لحساب إيران قد قادت إلى تعزيز المخاوف من وجود مخطط إيراني يستهدف خليج عدن وباب المندب وفتح جبهة جديدة في القرن الإفريقي وعند أطراف الخليج.

وتفيد معلومات تداولت مؤخراً بأن التمدد الإيراني في اتجاه إريتريا وجنوب اليمن مع ما يعنيه من تهديد بفتح جبهة هناك وتوسيع الطموحات الإيرانية، مازال يثير العديد من التساؤلات ومازال محط رصد واهتمام كبيرين من قبل واشنطن والعديد من الدول، بما فيها "إسرائيل"، التي تعتبر مصدر التهديد الرئيسي للأمن القومي العربي في البحر الأحمر، حيث تطوَّرت الإستراتيجية البحرية الإسرائيلية من مجرد العمل على فتح طريق آمن لتجارتها الخارجية عبر مياه البحر الأحمر، إلى العمل على صنع مجال للنفوذ الحيوي الإسرائيلي، سعيًا إلى تقوية مركزها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط.

* صحفي وكاتب يمني
* صحيفة الغد

زر الذهاب إلى الأعلى