arpo28

القذافي .. تابو جديد يُضاف إلى التابوات الشهيرة!

قال إدريس علي متهكما على قرار السلطات المصرية مصادرة روايته "الزعيم يحلق شعره"، "إذا كانت التابوات معروفة تاريخيا بالجنس والدين والسياسة، فإن السلطات المصرية أضافت إليها تابو رابعا، هو القذافي".

توقع إدريس علي القمع والملاحقة.. فالنظام الليبي شهير بمطاردة كل من يتجرأ عليه، مبدعا كان أم معارضا، في الداخل أو في الخارج. كما ارتبط اسمه بحوادث اختفاء غامضة لشخصيات شهيرة، من بينها مثلا الإمام الشيعي موسى الصدر، والمعارض منصور الكيخيا الذي اختفى من القاهرة في التسعينيات.

توقع إدريس أن تأتيه الضربة من ليبيا، فجأءته من القاهرة.. صودرت الرواية واقتيد ناشرها الجميلي شحاتة إلى قسم شرطة شبرا، ومنه إلى النيابة، مكبلا بالحديد. ثم أفرج عنه بضمان محل إقامته. كما وصلت رسالة شفوية إلى إدريس علي مفادها إنه إن لم يذهب بقدميه؛ فسيُقتاد هو الآخر.

تتحدث الرواية عن فترة ثلاث سنين ونصف قضاها علي مغتربًا في ليبيا، أثناء توتر العلاقات بين مصر الساداتية وليبيا القذافي، على إثر توقيع السادات لمعاهدة كامب ديفيد، وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل.. رصدت الرواية قمع المصريين هناك وترحيل ما يقرب من مليون منهم على الحدود، في موقف مشابه لما كرره نفس النظام مع الفلسطينيين عقب توقيع اتفاقية أوسلو.

كما تناولت الرواية أصداء سياسات القذافي على الشعب الليبي، ونقلت آلامًا مسكوتا عنها طوال أربعة عقود هي مدة حكمه. ومن بين المشاهد الطريفة في الرواية أن الزعيم حلم بأن حلاّقه سوف يقتله.. فأمر بغلق كل محلات الحلاقة كي لا يتحقق الحلم.. وهو ملمح يقربه من شخصية الحاكم بأمر الله.. الذي أمر قبل ذلك محكوميه بإغلاق الحوانيت نهارا، والعمل ليلا.. وتحريم أكل الملوخية وخروج النساء للشوارع.

توقع إدريس القمع.. فتحفّظ على ترويج الرواية أو الإعلان عنها.. لكن مع نزول نسخ منها على الإنترنت.. ربما شعرت السلطات المصرية بالحرج، فتحركت بعصاها.. لتدشن أكبر خدمة دعائية للرواية من جهة.. وتَصِم معرض الكتاب بأختام المصادرة ومطاردة المبدعين من جهة أخرى، وتسجل من جانب ثالث سابقة هي الأولى من نوعها، وهي المطاردة بالوكالة.. أو الضرب كخدمة لصديق على طريقة قبضايات الحارات الشعبية.

إدريس علي الذي أعلن عن نفسسه كروائي موهوب، ترجمت بعض رواياته، وفازت رواية له هي "انفجار جمجمة" بجائزة أفضل رواية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1998.. قد يواجه حكما بالسجن لمدة عامين.. لأنه في نظر جهات رسمية في مصر تورط في إهانة رئيس دولة أجنبية، وهي تهمة عقوبتها الحكم السابق.

مر إدريس علي بمآس كثيرة، سجّل بعضها في روايته "تحت خط الفقر" التي سجل فيها سيرته الذاتية التي رصدت ضياعا لا مثيل له، كما مر بمرارات عديدة.. فقدَ ابنه منتحرا. كما عانى لوعة التهجير من النوبة عقب بناء السد العالي، وحاول هو بدوره الانتحار أكثر من مرة.. ولعل إقدامه على كتابة روايته الأخيرة.. كان محاولة في طريقها للاكتمال.

الأسبوع نفسه الذي شهد قمع إدريس علي وناشره، كان موعد كتم صوت روائي آخر.. فقد أدين الروائي والفنان التشكيلي مجدي الشافعي وناشره محمد الشرقاوي بغرامة خمسة آلاف جنيه لكل منهما، نتيجة نشر رواية ألفها الأول هي رواية "مترو".. سبق أن صادرتها السلطات العام الماضي، وكانت تهمة الاثنين نشر صور غير مقبولة تسيء إلى الأخلاق.

والرواية المصادرة التي أدين ناشرها وكاتبها، هي الرواية المصورة بطريقة الكوميكس الأولى من نوعها في العالم العربي.. وقد نالا جائزة عن ذلك هي الغرامة خمسة آلاف جنيه لكل منهما!

الجنس والسياسة والدين.. تابوات تزداد جدرانها علوا في مصر.. بينما العالم يهدمها في بلدانه بمعاوله.

زر الذهاب إلى الأعلى